اخبار فلسطين
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٩ أذار ٢٠٢٥
تحكي إرثاً إسلامياً خالصاً منذ أول الرسالة المحمدية وحتى يومنا وفيها عاش العرب أمجادهم والمآسي
سواء تحت شجرة من أشجاره، أو قبة من قبابه، أو فوق مصطبة من مصاطبه، يتسابق عمر كسواني (10 سنوات) مع إخوته وأبناء عمومته كل ليلة لأداء صلاة التراويح داخل المسجد الأقصى، لكن الصغير على رغم معرفته أن لا فرق في الصلاة بين مكان وآخر، يزاحم المصلين للصلاة داخل مسجد قبة الصخرة، فهو إضافة إلى الجانب الروحي والمعنوي والإيماني، يحظى بتصميم فريد لم يعرف من قبل في عمارة المساجد، ويعتبر أقدم وأروع نموذج لفن العمارة الإسلامية، وواحد من أهم وأكبر المساجد في فلسطين.
تقع قبة الصخرة في قلب المسجد الأقصى، أحد أبرز المعالم الإسلامية قدسية للمسلمين، فهو أول القبلتين، وثالث الحرمين، ومنه عرج النبي محمد إلى السماء في ليلة الإسراء والمعراج، بحسب المرويات الإسلامية.
ويتكون المسجد الأقصى، الذي شيد على مساحة شبه مستطيلة تبلغ 144 ألف متر مربع، ويشغل نحو سدس مساحة البلدة القديمة في القدس من أبنية عدة، ويحتوي على معالم يصل عددها إلى 200، منها مساجد وقباب وأروقة ومحاريب ومنابر ومآذن وآبار يبلغ عددها 25 بئراً للمياه العذبة، ثمان منها في صحن الصخرة المشرفة و17 في الساحات السفلى، كما توجد مواقع للوضوء. وله 11 باباً، سبعة منها في الشمال وباب في الشرق واثنان في الغرب وواحد في الجنوب، إلى جانب أربعة مآذن.
ويشمل المسجد الأقصى الذي يعد ثاني مسجد وضع في الأرض بعد المسجد الحرام، كلاً من قبة الصخرة (القبة الذهبية) الموجودة في القلب منه، والجامع القبلي (ذي القبة الرصاصية) الواقع أقصى جنوبه ناحية القبلة، إلى جانب معالم إسلامية أخرى.
قبة الصخرة
يعد مسجد قبة الصخرة الذي بني في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان عام 72 للهجرة (691 للميلاد) واحداً من أروع الآثار الإسلامية، إذ يشمل مبنى المسجد الذي كسيت جدرانه بالرخام، الصخرة ومن أسفلها المغارة، وتشير المرويات الإسلامية إلى صعود النبي محمد منها نحو السماوات العلا ليلة الإسراء والمعراج، كما يضم حاجزاً خشبياً مزخرفاً كان صلاح الدين الأيوبي أحضره معه لدى تحريره القدس عام 1187 للميلاد. إضافة إلى أربعة أبواب ونافذتين اثنتين، فيما كسيت جدران المبنى ذي الأضلاع الثمانية من الخارج بالبلاط القيشاني أزرق اللون، الذي وضع في العصر العثماني عهد السلطان سليمان القانوني وخط عليها سورة ياسين كاملة. أما النوافذ الخارجية الستة المصنوعة من الجبس، فمزخرفة بزجاج ذي أشكال هندسية تضمن حماية النوافذ الداخلية المصنوعة من الزجاج المعشق.
وتتكون قبة المسجد من الرقبة المشغولة بالفسيفساء، فضلاً عن قبتين داخليتين يبلغ ارتفاعهما 34 متراً، ومشغولتين بالخشب والجبس والألوان والذهب، فيما القبة الخارجية المصنوعة من معدني النحاس والنيكل المطليين بالذهب، قد احتاجت عند ترميمها آخر مرة إلى 80 كيلوغراماً من الذهب. ويبرز داخل القبة النمط الكتابي في لوحات الفسيفساء المذهبة على أرضية زرقاء، إذ ثمة شريطان كتابيان بالخط الكوفي لآيات قرآنية يقعان في الجزء العلوي للمسجد من الداخل والخارج، وتشير في مجملها إلى توحيد الله وفق الديانة الإسلامية.
وتمتاز الزخارف التي يعود تاريخها لزمن تأسيس المسجد وبنائه في القرن السابع الميلادي، بكونها تشمل عناصر نباتية وتبتعد من تجسيد البشر والحيوان والتماثيل التي تعتبر محرمة من المنظور الإسلامي، إذ حاول رجاء بن حيوة الكندي ويزيد بن سلام، اللذان شيدا المسجد آنذاك، اعتماد ألوان الأخضر والأزرق والذهبي، إضافة إلى ألوان أخرى ثانوية تستخدم في رسم الزخارف المرسومة بالذهب من عيار 24 قيراطاً. ووفقاً للباحث محمد أبو عيشة صاحب كتاب 'توثيق وترميم الزخارف الفسيفسائية في المسجد الأقصى المبارك'، هناك 1627 متراً مربعاً من الزخارف الفسيفسائية الجدارية في المسجد الأقصى، مكونة من مكعبات فسيفسائية زجاجية وحجرية تضم 16 مليوناً و500 ألف قطعة فسيفساء.
الجامع القبلي
في مقابل قبة الصخرة، يقع الجامع القبلي الذي تعلوه قبة رصاصية، جنوب المسجد الأقصى جهة القبلة، إذ شرع ببنائه الخليفة عبد الملك بن مروان، وأتمه ابنه الوليد بين عامي 86 و96 للهجرة (705 و714 للميلاد)، إلا أن الزلزال الذي تعرض له أواخر حكم الأمويين عام 130 للهجرة (747 للميلاد)، وآخر في عهد الفاطميين عام 425 للهجرة (1033 للميلاد) غيرا من شكله، إذ تحول من 15 رواقاً إلى سبعة أروقة فقط ترتفع على 53 عموداً من الرخام و49 سارية من الحجارة.
ويضم الجامع القبلي الذي لا يزال المصلى الرئيس الذي يقف فيه خطيب الجمعة، 11 باباً ويتسع لنحو 5500 مصل، وله قبة مرتفعة داخلية مصنوعة من الخشب تعلوها القبة الرئيسة الخارجية المغطاة بألواح الرصاص. وأثناء الاحتلال الصليبي لمدينة القدس تحول قسم من الجامع القبلي إلى مكاتب، وآخر إلى مسكن لفرسان المعبد، فيما تحول القسم الثالث منه إلى كنيسة، وبقي الأمر على ذلك حتى حرر صلاح الدين المدينة فأعاد ترميمه عام 1187 للميلاد، كما جرى ترميمه في عصور لاحقة مثل العصرين المملوكي والعثماني وبداية الاحتلال البريطاني.
وتعرض الجامع في الـ21 من أغسطس (آب) عام 1969 لحريق كبير على يد الأسترالي دينيس مايكل روهان، فاحترق حينها منبر نور الدين زنكي، الذي كان نور الدين أمر بإنشائه أثناء سيطرة الصليبيين على القدس، وحمله صلاح الدين للأقصى بعد التحرير، كما امتد الحريق ليشمل غالب الأروقة الثلاثة الشرقية منه، إضافة إلى سقفه الخشبي.
مصليات ومصاطب
بين قبة الصخرة والمسجد القبلي، يوجد في رحاب المسجد الأقصى مصلى الأقصى القديم أسفل الجامع القبلي، الذي بني في العهد الأموي، ويتميز بقبتين أمويتين فوق مدخله الجنوبي، إضافة إلى أعمدة حجرية ضخمة أضيفت إليه خلال ترميمه عام 1927. أما المصلى المرواني فيقع جنوب شرقي حرم الأقصى، ويتكون من 16 رواقاً حجرياً و11 باباً، ويتميز بسقفه الأكبر حجماً من سقف مسجد قبة الصخرة. في حين يعتقد أن مسجد البراق جنوب غربي المسجد الأقصى الذي يقع قرب باب المغاربة، كان المكان الذي قام جبريل على السلام بربط البراق في حائطه، وكان شاهداً على رحلة النبي محمد خلال ليلة الإسراء والمعراج، إذ لا تزال الحلقة التي ربط فيها موجودة إلى الآن.
وللمسجد أهمية كبيرة لدى اليهود الذي يعتقدون أنه الأثر الوحيد المتبقي من 'هيكل سليمان' الذي دمره نبوخذ نصر الثاني، أما مسجد المغاربة الذي يقع في الزاوية الجنوبية الغربية من المسجد الأقصى، فبناه صلاح الدين الأيوبي في عام 590 هجرية (1193 ميلادية)، إذ كانت تقام فيه الصلاة المالكية. كما يوجد في باحات الأقصى كذلك مصاطب يصل عددها إلى 40، ترتفع عن الأرض بدرجة أو درجتين، وتستخدم للجلوس والصلاة وتدريس العلم الشرعي، بني بعضها في العصر المملوكي ومعظمها في العصر العثماني.
وأما أسبلة شرب المياه فأهمها سبيل قايتباي المسقف بقبة حجرية، إلى جانب سبيل البديري وسبيل قاسم باشا. ومن بين مساجد البلدة القديمة بمدينة القدس التي تضم 43 مسجداً تاريخياً وأثرياً، مسجد المئذنة الحمراء، ومسجد الشيخ لؤلؤ، والمسجد العمري الصغير، وجامع القرمي، وجامع الديسي، وجامع الشوربجي، ومسجد مصعب بن عمير، ومسجد الملاط، وجامع القلعة، ومسجد عثمان بن عفان، ومسجد القرمي، ومسجد الديسي، ومسجد الحريري، ومسجد ولي الله محارب، ومسجد سويقة علون، ومسـجد قـلاوون (المنصـوري)، ويعتبر مسجد عمر بن الخطاب الذي بني في العصر المملوكي بجوار كنيسة القيامة من أقدم مساجد البلدة القديمة.
المسجد الإبراهيمي
يعتبر المسجد الإبراهيمي الذي يقع في قلب البلدة القديمة بمدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، من أهم وأقدم المساجد في فلسطين، وفيه قباب مغطاة تقول بعض المصادر التاريخية إنها قبور للنبي إبراهيم وزوجته سارة وأبنائه إسحق وإسماعيل ويعقوب ويوسف وزوجاتهم عليهم السلام، كما يحتوي المسجد على صحن مكشوف وعدد من الأروقة والغرف والممرات والقباب ومئذنتين، إضافة إلى قبو أرضي يعرف باسم 'الغار' يضم قبور بعض الأنبياء، وتوجد في محيطه ثلاثة أبواب ومصدران للمياه هما 'عين الطواشي' و'العين الحمراء'.
وبحسب الكتب والمرجعيات التاريخية، وضع الملك هيرودوس الأدومي أسس المكان أثناء فترة حكمه للمدينة، وأنشأ سوراً ضخماً عرف بـ'الحير'. لاحقاً حول الرومان الموقع إلى كنيسة، لكنها أثناء الغزو الفارسي لفلسطين عام 614 للميلاد تعرضت للهدم، وإبان الفتوحات الإسلامية عام 15 للهجرة حول المسلمون البناء إلى مسجد، أما في العصر الأموي فشهد المسجد أعمال توسعة وتطوير شملت تسقيفه، وإضافة قباب فوق المدافن، وتشييد مبان جديدة حوله، واستمر الاهتمام بالمكان في العهد العباسي، وُتح باب في السور الشمالي الشرقي بارتفاع 3.5 متراً، وجرى تزويده بباب حديدي، كما زين المسجد الإبراهيمي وفرش بالسجاد. وتزايد هذا الاهتمام في عهد الدولة الفاطمية عام 972 للميلاد، إذ شهدت العمارة توسعاً ملحوظاً، وألحقت القباب بالمبنى، مما عزز من مكانته باعتباره موقعاً دينياً إسلامياً. ومع الاحتلال الصليبي عام 1100 للميلاد، بنى الصليبيون قلعة حصينة بجانب المسجد الإبراهيمي أطلق عليها 'قلعة القديس أبراهام'، وتحول إلى كنيسة لمدة 90 عاماً وحملت الاسم نفسه. وبعد معركة حطين عام 1187 للميلاد، حول صلاح الدين الأيوبي الكنيسة إلى مسجد، وأضاف له أربعة مآذن، بقيت منها اثنتان، وجلب منبراً خشبياً من مدينة عسقلان، كما ثبت أسماء 10 عائلات في الخليل لتشرف على سدانة المسجد وخدمته.
بعد الحرب العالمية الأولى، تولى 'المجلس الإسلامي الأعلى' مسؤولية رعاية شؤونه وتنفيذ تحسينات معمارية عديدة، ولكن في أعقاب حرب يونيو (حزيران) عام 1967 ووقوع مدينة الخليل تحت الحكم الإسرائيلي، حولت السلطات الإسرائيلية نحو 60 في المئة من مساحته إلى كنيس يهودي، بينما بقي 40 في المئة منه للمسلمين، وفصلت أجزاءه بعضها عن بعض باستخدام 22 حاجزاً وستة بوابات حديدية، مع وضع ثكنات عسكرية للمراقبة داخل المسجد وحوله، وذلك بعد أن شكل هجوم المستوطن باروخ غولدشتاين عام 1994 على المسجد وقتله 29 مصلياً وإصابة 129 آخرين أثناء تأديتهم صلاة الفجر، محطة مفصلية في تاريخ المسجد.
ويعرف المسجد الإبراهيمي بعدد من المسميات، إذ أطلق عليه المسلمون اسم 'الحرم الإبراهيمي'، أما اليهود فيطلقون عليه اسم 'مغارة المكفيلة'، نسبة إلى المغارة التي بني عليها. ويسمى كذلك بـ'كهف البطاركة' لاحتوائه على قبور بعض الأنبياء وزوجاتهم، الذين يعتبرون من بطاركة العهد القديم في الديانة اليهودية. وتقدر مساحة المسجد بنحو 2040 متراً مربعاً، وتحيط به جدران ضخمة من الحجر الجيري الأبيض. أبرز معالمه منبر صلاح الدين، والمصلى الأكبر ومصلى الإبراهيمية ومصلى اليعقوبية ومصلى المالكية ومغارة المكفيلة والتكية الإبراهيمية التي أنشأها السلطان قلاوون الصالحي عام 1279 للميلاد في عهد صلاح الدين الأيوبي، وتعرف بـ'تكية إبراهيم'، وهي جمعية خيرية تقع بالقرب من المسجد الإبراهيمي، وتقدم الطعام مجاناً للفقراء والمحتاجين على مدار العام، وتكثف نشاطها أثناء شهر رمضان.