اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٣١ أب ٢٠٢٥
بعد فشل حكومة نتنياهو في تحقيق الحسم ميدانيًا في غزة إثر الفشل العسكري لعملية 'عربات جدعون' في هزيمة المقاومة؛ وكذلك الفشل السياسي في انتزاع استسلام المقاومة عبر المفاوضات، لجأ نتنياهو مؤخرًا إلى مناورة مفاجئة اقترح خلالها تغيير الوسطاء (مصر وقطر)، ونقل المفاوضات إلى دولة ثالثة؛ حيث سنحاول قراءة نوايا نتنياهو من هذه المناورة وطرح التوقعات والسيناريوهات المحتملة.
أولًا: الخلفية السياسية
- تأتي مناورة نتنياهو في ظل فشل الحسم العسكري وتحرير الجنود الأسرى في غزة؛ إضافة لتصاعد الخلافات الإسرائيلية الداخلية؛ فمن جهة تصاعدة حدة المظاهرات المناوئة لاستمرار الحرب والتي شارك فيها مئات الألوف من الإسرائيليين؛ ومن جهة أخرى تصاعدت إلى العلن الخلافات بين جيش الاحتلال الذي يدعم صفقة تبادل -خاصة بعد موافقة المقاومة في جولة المفاوضات الأخيرة بالقاهرة على مقترح ويتكوف المعدل؛ وبين نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف الذي يدعو إلى وضع خطط عاجلة لحسم المعركة والسيطرة على غزة.
- يشير مقترح نتنياهو إلى انزعاجه الشديد من الوسيطين المصري والقطري؛ ووجود فوجات سياسية واسعة بين نتنياهو والوسطاء حول رؤية اليوم التالي للحرب في غزة؛ كما يؤكد مقترح نتنياهو أن الوسطاء لم يعد بمقدورهم الضغط أكثر على المقاومة التي وافقت دون تحفظات على مقترح ويتكوف المعدّل والذي صياغته بالتنسيق التام مع حكومة نتنياهو نفسها.
- تؤكد مناورة نتنياهو الأخيرة على تهربه مرة تلو الأخرى من توقيع صفقة تبادل الأسرى التي تلزمه إنهاء الحرب؛ ولسان الحال أن مصير حكومته بات مرتبطًا باستمرار الحرب إلى إشعار آخر في غزة.
ثانيًا/ الخلفية الأمنية
- تأتي مناورة نتنياهو بتغيير الوسطاء ونقل المفاوضات إلى دولة ثالثة في ظل تهديدات إسرائيلية متكررة باغتيال قادة المقاومة في الخارج؛ ومنها تهديد وزير جيش الاحتلال بسرائيل كاتس في يونية الماضي باستهداف قادة المقاومة؛ حيث قال 'أن يد إسرائيل طويلة وستطالهم في أي مكان'، كما أقرت حكومة نتنياهو مؤخرًا خطة تشمل اجتياح قطاع غزة واغتيال قادة حماس في الخارج؛ وهي إشارة على رغبة إسرائيلية بتصعيد المواجهة بعد فشل حسم المعركة وتحرير الجنود الأسرى في غزة.
- على صعيد التخطيط العملياتي لاغتيال قادة المقاومة في الخارج شكل جهاز الأمن الإسرائيلي 'الشاباك' وحدة أمنية خاصة بمطاردة واغتيال قادة حماس في الخارج.
- التهديدات الأخيرة باستهداف قادة حماس في الخارج تشير إلى استمرار سياسة الاحتلال باغتيال السياسيين الفلسطينيين؛ ومنها إعلان نتنياهو في نوفمبر 2023 أنه أصدر تعليماته للموساد الإسرائيلي ب 'اغتيال جميع قادة حماس أينما كانوا'؛ وكذلك تصريح سابق لرونين بار الرئيس السابق لجهاز الشاباك بأن 'قادة حماس سيُستهدفون في غزة والضفة ولبنان وتركيا وقطر؛ وأن الأمر قد يستغرق سنوات'.
ثالثًا/ قراءة في دوافع نتنياهو
بناءً على ما سبق يمكننا التكهّن بأن مناورة نتنياهو اليوم قد تأتي في عدة سياقات:
١.شراء الوقت؛ وهي سياسة نجح فيها نتنياهو بشكل كبير طيلة ثلاثة وعشرين شهرًا من الحرب على غزة؛ وكلما تعاظمت عليه الضغوطات الداخلية أو الخارجية لضرورة إنهاء الحرب ذهب لطرح مقترحات جديدة تهدف لتخفيف الضغوطات الواقعة عليه؛ والهروب إلى الأمام قبل تحميل الفلسطينيين مسؤولية فشل الصفقة واستمرار الحرب.
٢. البحث عن وسطاء أكثر انحيازًا للاحتلال؛ حيث بدت خطوة نتنياهو بتجاهل موافقة المقاومة مؤخرا دون تحفظات على ورقة ويتكوف المعدلة بأنها صفعة سياسية موجهة للوسيطين المصري والقطري الذين عبرت تصريحاتهما الأخيرة عن انزعاج واضح من مماطلة نتنياهو وعدم رغبته توقيع صفقة تبادل وإنهاء الحرب.
٣. استدراج قادة المقاومة لأراضٍ تتيح للاحتلال تنفيذ عملية اغتيالهم أو اعتقالهم دون ملاحقات دولية؛ وهي بالإضافة إلى كونها سياسة انتهجها كيان الاحتلال منذ عقود طويلة؛ إلا أن نتنياهو يمكن أن يقدمها لحاضنته اليمينية المتطرفة كإنجاز عسكري وأمني كبير يحقق من خلاله شعار 'النصر المطلق' الذي رفعه منذ بدء الحرب على غزة.
٤. المشاغلة السياسية وسط استمرار الحرب على غزة وصولًا إلى الانتخابات الإسرائيلية المقبلة؛ حيث تؤكد مناورة نتنياهو الأخيرة عدم رغبته في إنهاء الحرب؛ واستمرار القتل والمجاعة في غزة وصولًا لفرض شروطه المعلنة على المقاومة؛ ودفعها للاستسلام وتجريدها من السلاح؛ وإعادة احتلال قطاع غزة.
رابعًا/ المخاطر المترتبة على الاستجابة لمناورة نتنياهو
إن استجابة المقاومة الفلسطينية لطروحات نتنياهو الأخيرة بتغيير الوسطاء ونقل مكان التفاوض إلى دولة ثالثة محفوفة بالعديد من المخاطر السياسية والأمنية من أبرزها:
- الاستجابة لطرح نتنياهو يعني ضمنًا الموافقة على بدء التفاوض من جديد على مقترحات أخرى في ظل استمرار المقتلة والمعاناة في غزة؛ ومنح جيش الاحتلال المزيد من الوقت لاستمرار مخطط القضم التدريجي للمناطق العمرانية في مدينة غزة.
- لا توجد ضمانات حول عدم انحياز الوسيط الجديد للاحتلال؛ ما يعني المزيد من الضغوطات على المقاومة بهدف انتزاع تنازلات مؤلمة مقابل وقف الحرب وإدخال المساعدات الإغاثية.
- لا توجد أي ضمانات بعدم استهداف الاحتلال لوفد المقاومة المشارك في المفاوضات (اغتيالًا أو اعتقالًا)؛ وهي ضربة قد تكون مؤلمة جدًا للمقاومة الميدانية في غزة حال وقوعها.
- إقصاء الوسيطين المصري والقطري يمثل خسارة للمقاومة الفلسطينية التي تحرص على التنسيق معهما حول اليوم التالي في غزة.
خامسًا/ السيناريوهات المتوقعة
١. نجاح نتنياهو بدعم أمريكي في إقصاء الوسيطين المصري والقطري؛ وهذه تتطلب موافقة المقاومة الفلسطينية رغم المخاطر العالية؛ وتعني عمليًا استمرار الحرب في غزة حتى الإذعان لشروط نتنياهو المعلنة.
٢. فشل نتنياهو في مناورته بنقل المفاوضات لدولة ثالثة؛ وهي تمثل إنجازًا تفاوضيًا للمقاومة؛ وتُرغم نتنياهو على الاستجابة لمطالب الوسطاء بإرسال وفد تفاوضي.
٣.الإبقاء على الوسيطين المصري والقطري مع نقل مكان التفاوض لدولة ثالثة؛ وهو سيناريو يحمل مخاطر استهداف الاحتلال لوفد المقاومة (اغتيالًا أو اعتقالًا) دون قدرة للوسطاء على إلجام الاحتلال.
٤. حدوث اختراق تفاوضي مفاجئ ناجم عن ضغوطات أمريكية على نتنياهو بالاستجابة لمطالب الوسطاء الأخيرة وإرسال وفد تفاوضي؛ والقبول بالذهاب إلى صفقة جزئية؛ وهذا يتطلب ضغوطات عربية على الإدارة الأمريكية بضرورة إنهاء الحرب على غزة.
سادسًا/ التوصيات
١. تشبُّث المقاومة بالوسيطين المصري والقطري؛ ورفض أي وسيط داعم للاحتلال.
٢. رفع درجة الاحتياطات الأمنية لقيادةالمقاومة في الخارج.
٣. تقديم مناورة فلسطينية مضادة بالتعاون مع الوسطاء؛ فعلى سبيل المثال يمكن اقتراح تركيا كمكان للتفاوض بمشاركة الوسيطين القطري والمصري.
٤. تعزيز التنسيق الإعلامي والسياسي بين القوى الفلسطينية لمواجهة مخططات نتنياهو وألاعيبه السياسية.