اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٩ تموز ٢٠٢٥
داخل مدرسة لإيواء النازحين في حي الشيخ رضوان شمالي مدينة غزة، وفي زاوية صف مهجور، وسط جدران مقصوفة تنخرها الحشرات، تجلس 'أم سيف غازي' حاملةً على كتفيها مأساةً ثقيلة، وتخفي وجعها بين أنين طفلين لا يعرفان معنى الحرب ولا يدركان المجاعة.
في أعين الشقيقين سيف الدين (15 عامًا) وجابر (14 عامًا) لا كلمات للحرب أو النزوح أو القصف؛ فقط دموع جوعٍ لا ينتهي، وصراخ لا يجد رغيفًا يسدّه.
الأربعينية 'أم سيف' لم تعد تملك بيتًا، ولا مالًا، ولا حتى طاقة للبكاء، لكنها ما زالت تحضن طفليها المصابين بأمراض نفسية، وتخوض وحدها معركة البقاء في وجه المجاعة، والفقر، والخذلان.
تقول 'أم سيف' (43 عامًا)، وهي من سكان معسكر جباليا شمالي قطاع غزة: 'في ديسمبر 2023، قصفوا بيتنا. راحت كل أغراضنا. من وقتها وإحنا نتنقل من نزوح إلى نزوح، إلى أن استقرينا في مدرسة شهداء الشيخ رضوان بمدينة غزة'.
وتتابع بحرقة: 'الصف اللي إحنا ساكنين فيه مقصوف، الجدران فيها ثقوب، مليانة فئران وصراصير وحشرات قارصة، وما في أدوات تنظيف، ولا مي، ولا أي شيء صالح للعيش'.
وعن بداية اكتشاف مرض طفليها، تحكي: 'روّحت أُسجّل سيف في المدرسة، المدير حكالي: ابنك عنده مشاكل. رحت للدكتور، وشخص حالته على إنه توحد. سجلته في مركز خاص، وكنت أدفع 500 شيكل شهريًا. جابر كمان ما كان يعرف اسمه، ولما عرضته على الطبيب حكالي إنه عنده تأخر عقلي وبده تعليم خاص'.
لكن مع اندلاع الحرب، انقطعت مصادر الدخل.
'قبل الحرب، زوجي كان يشتغل ويسافر. اليوم ما عنا شي. حتى المصاري اللي كانت مخصصة لعلاج الأولاد راحت على النزوح والتنقّل. أولادي مش زي غيرهم، عندهم طاقة سلبية، بيكسروا كل شي. كنت أطلّعهم يوميًا يفرغوها، بس اليوم لا في مواصلات، ولا حتى أكل'.
'جوع لا يُفهم'..
المأساة الكبرى، كما تصفها 'أم سيف'، أن طفليها لا يفهمان معنى المجاعة: 'طول الوقت بيصرخوا عليّ لأنهم جوعانين، مش فاهمين الوضع. جابر أغمي عليه من الجوع أكثر من مرة، وسيف عنده دوخة وصداع مستمر. مش زي الأول، صاروا بلا طاقة'.
تحبس أنفاسها قليلًا، تتحشرج الكلمات في فمها، ثم تتابع بصوت واهن: 'إحنا جعانين، والناس كلها مش قادرة تساعد، حتى كيلو عدس ما حدا قادر يعطيني'.
وتكمل بحرقة: 'إحنا مش عايشين. الصف اللي قاعدين فيه مقصوف، جحور الفئران بكل مكان، ومع الصيف زادت الحشرات. بنقضي الليل قرص وصرخ، ومش قادرين ننام. بس أنا أكثر شي موجوعة عليه هو أولادي، ما بيفهموا شو بصير، وبضلّوا يصرخوا ويبكوا، وأنا عاجزة أطعمهم'.
'بس بدنا نعيش'
أما رسالتها الأخيرة، فهي أمنية بسيطة بحجم السماء: 'خلّصوا الحرب. هذا كل اللي بدّناه. نرجع نعيش زي الناس، والمساعدات ترجع، والأكل يتوزع. أنا مش طالبة رفاهية، بس بدي أقدر أطعم أولادي المرضى'.
ووفق إحصائية صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، ارتفع عدد الأطفال الذين توفوا نتيجة سوء التغذية إلى 69 طفلًا حتى منتصف يوليو الجاري.
ومنذ 2 مارس/آذار الماضي، يفرض الاحتلال الإسرائيلي حصارًا خانقًا على قطاع غزة عبر إغلاق جميع المعابر الحدودية، ومنع إدخال المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية والوقود بكافة أنواعه، ما أدى إلى تفشي المجاعة بشكل غير مسبوق.