اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٤ شباط ٢٠٢٥
لم تنتظر إيمان نافع حلول صباح الخميس للانطلاق من قرية كوبر قضاء رام الله إلى الجسر الواصل بين الأردن والضفة الغربية للسفر لخارج فلسطين للعيش مع زوجها الأسير نائل البرغوثي المقرر إبعاده خارج فلسطين، بل نامت ليلة الأربعاء برفقة شقيقتها في مدينة أريحا من شدة شوقها لعيش الفرحة المرتقبة، فكانت أول الواصلين لصالة المغادرة صباح الخميس الماضي.
مبكرًا، أنهت إجراءاتها في الصالة الفلسطينية، ودخلت لصالة المغادرة التي يسيطر عليها الاحتلال، فاستدعاها أحد ضباط الاحتلال، وسألها عن هويتها، وأراد التحقق أكثر 'أنت إيمان؟'، وعندما أجابته، أخبرها بأنها ممنوعة من السفر 'لأسباب أمنية'، وطلب منها الذهاب لمستوطنة بيت إيل لمتابعة ذلك، وهو المكان الذي كان يوقع عليه زوجها الأسير نائل البرغوثي كل فترة لحظة تحرره بأنه موجودًا.
لم يكن المنع هو تنغيص حياة فقط بل قتل فرحة لقاء طال انتظارها، وهي تحرم من استقباله في داخل وخارج فلسطين، في استمرار لعذابات طويلة يعيشها البرغوثي وهو أقدم أسير في التاريخ والذي أمضى أكثر من 45 عاما في سجون الاحتلال.
فعلى مدار عدة أيام لم يزر النوم عيني إيمان نافع وهي تجهز الحقائب والأغراض الضرورية، وتسابق الوقت للسفر ما أن وافق زوجها الأسير نائل البرغوثي، فجمعت من ثمار أشجار الحمضيات لأرض من منزل زوجها ليشتم من رائحة الأرض، والزعتر والزيتون والقهوة والملابس والمقتنيات وكل ما يذكره بفلسطينيته وأصالة قضيته وارتباطه بأرضه.
أرض فارغة
تقف نافع أمام حديقة منزلها بقرية كوبر قضاء رام الله، وأمامها شجرتا سرو زرعها زوجها الأسير نائل البرغوثي، بعد الإفراج عنه عام 2011، قبل إعادة اعتقاله بعدها بثلاثة أعوام، كبرت الشجرتان وكبرت من حولها أشجار الحمضيات واكتست الحديقة باللون الأخضر ولم يعد صاحبها بعد، تقول لصحيفة 'فلسطين' بغصة كبيرة: 'كان المنع الأمني صادما لي، لأنني أمضيت عدة أيام بتجهيز الملابس، وكل شيء مغمس بطعم ورائحة فلسطين، ويعطي رمزية تراثية وجهزت نفسي لأكون مع نائل فترة طويلة في الخارج'.
وأضافت 'ودعت الأقارب والأصدقاء، وجهزت رخصة قيادة دولية وأنهيت إجراءات بنكية، وأتممت بعض الإجراءات، وأخذت الحقائب التي ضمت كل ما اشتريته لنائل وجمعته خلال الأيام الماضية، ورافقتني شقيقتي تحسبًا لأي تنغيص من سلطات الاحتلال'.
وعن إرجاء الإفراج عنه الذي كان مقررا السبت، تعيش نافعا قلقا مستمرا، وتؤكد 'حتى اللحظة لا نعرف ماذا يحدث معه، يفترض أن يحترم الاحتلال الاتفاق ونراه خارج الأسر، كنت أتمنى أن أستقبله لكن الآن أنتظر مكالمة هاتفية منه خارج الأسر'.
وإضافة لعدم التزام الاحتلال بالإفراج عن الأسرى وتأجيل الإفراج، تلفت إلى أنه وعندما تحدث معها زوجها الاثنين الماضي بحضور ضابط من مخابرات الاحتلال الذي استمع للمكالمة الهاتفية، وأخبرها بأمر الإبعاد خارج فلسطين، وإن كانت تريد السفر لاستقباله، عبرت عن خشيتها بقرار 'المنع الأمني' كما حدث مع ذوي الأسرى، فتعهد ضابط الاحتلال بأنهم سيسمحون لها بالسفر وهو ما لم يتم الالتزام به، وتعلق: 'تعودنا أنه ليس لديهم وعود'.
رفض البرغوثي فكرة الإبعاد عن فلسطين واعتبره 'موتا لا يستطيع تحمله' وكان في لقاءاته مع الأسرى المفرج عنهم يؤكد أنه يريد الإفراج عنه لقرية 'كوبر' أو يبقى في السجون حتى الموت رافضا الإبعاد، لكن تغير موقفه بعد ذلك بعد زيارته من أسرى آخرين، ووافق خشية أن يكون سببا في تعطل الصفقة'، مضيفة: 'أراد تقديم تضحية أخرى من أجل الشعب بالموافقة على الإبعاد وعدم تخريب الصفقة، ولم يفكر يوما بنفسه رغم حبه للبقاء على أرضه حتى لو داخل سجن'.
ومنذ السابع من أكتوبر، وما تلاه من هجمة شرسة شنها الاحتلال الإسرائيلي على الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، لم يمنع سن البرغوثي البالغة 68 سنة، ولا عدد سنواته داخل الأسر البالغة أربعة عقود ونصف الاحتلال من عدم الاعتداء عليه، 'تعرض لضرب مبرح، ومن شدة الضرب تكسرت عظام من قفصه الصدري، لدرجة أنه لم يستطع رفع يديه أو التحرك' تتابع بنبرة قهر.
داخل المنزل، تواسي أشجار حديقة زرعتها هي وزوجها الملقب بـ 'عميد الأسرى' خلال ثلاث سنوات تذوق فيها طعم الحرية، كبرت الأشجار وأثمرت وكانت تنتظر أن يعود إليها زوجها ويأكل من الثمار وتحتضنه أرضه التي ورثها عن عائلته، وتجذر فيها.
بمرارة تحكي نافع 'أرضنا مليئة بأشجار الحمضيات واللوزيات والمشمش والتفاح، وعندما أعاد الاحتلال اعتقال نائل أضفت شجرا جديدا، وبدأت بريها حتى أصبحت حديقة جميلة انتظرت بفارغ الصبر أن يعاد الإفراج عن زوجي ويعود للمنزل ونكمل حياتنا، ولم أتخيل أن أحرم من استقباله أو السفر إليه'.
غصة كبيرة
وتتابع: 'هذه قمة المرارة والمأساة، والغصة التي تنخر قلوبنا وتعكر حياتنا، أن نمنع من العيش بأنصاف حياة، ونمنع الحياة والفرح إن جاز التعبير بعد سجن وأسر وقهر وإبعاد، كذلك زرعت أشجار الزيتون والسرو والليمون، والفول الذي يحبه نائل والبازيلاء'.
ويعد نائل البرغوثي أقدم أسير في العالم إذ قضى 45 سنة في سجون الاحتلال، اعتقل لأول مرة عام 1978 وحكم عليه بالسجن المؤبد و18 سنة، وقضى 34 سنة بشكل متواصل ورفض الاحتلال الإفراج عنه في كل صفقات التبادل إلى أن أفرج عنه في صفقة 'وفاء الأحرار' عام 2011 وتزوج إيمان نافع، وأعاد الاحتلال اعتقاله في 18 يونيو/ حزيران 2014 وبعد قضائه مدة محكوميته أعادت سلطات الاحتلال حكمه السابق بذريعة وجود ملف سري.
عاشت نافع فترة انتظار قاسية وهي تترقب الإفراج عن زوجها، تقول: 'مرت أحد عشر عاما، عشتها وكأنني مسجونة معه، أترقب أخبار الإفراج، حتى سجنت فعليا في مارس/ آذار الماضي وعشت تجربة أسر قصيرة، شعرت ببعض ما يعانيه الأسرى، كل شيء في البيت يبقى ناقصا مع عدم وجود رب البيت وشريك الحياة، وكأن روحي غير موجودة به'.
وتتابع: 'الأمر المؤلم في إعادة اعتقال نائل، هو خرق الاتفاق ثم بالحكم عليه 30 شهرا ثم إضافة شهرين وبعد انقضاء الحكم أعادوا له الحكم السابق بالتالي هذا ظلم شديد وقع على شخصية وطنية'، متهمة، أطرافا عديدة خاصة السلطة في رام الله بالتقصير بالنضال لتحرير البرغوثي والضغط للإفراج عنه، وكذلك لإعادته لقريته.
تنقل نافع عن ما رواه لها أسير محرر أفرج عنه في الأيام الأخيرة، بأن جيش الاحتلال كان يقتحم السجون مؤخرا ويقوم بإجبار الأسرى على النوم على بطونهم وتقييد أيديهم للخلف ومن ثم ضربهم بلا بسبب، انتقاما من الأسرى المنوي الإفراج عنهم.
وحتى لو أبعد لا تنقطع آمال نافع بأن البرغوثي سيعود إلى بيته، 'سيبقى هذا الأمل حاضرا بأنه سيعود'.