لماذا يكرر ترامب دعوته لوقف “صيد الساحرات” وإعفاء نتنياهو من محاكمته؟

بعدما قال الرئيس الأمريكي ترامب، ردًا على أسئلة صحافيين، إن الأسبوع القادم ربما يشهد توصلًا لوقف الحرب في غزة وإحراز صفقة تبادل، ترش جهات إسرائيلية الماء البارد على التفاؤل الأمريكي، الذي عبّرت عنه أيضًا جهات قطرية ومصرية.

منذ يوم الجمعة، تواصل وسائل إعلام عبرية نقل تحفّظات جهات رسمية إسرائيلية مفادها أنها فوجئت بأقوال ترامب، منوّهة بأن هناك تقدمًا ملحوظًا في المداولات، بعيداً عن اختراق وشق طريق، لعدم وجود “مؤشرات على تغيّر موقف حماس”.

ومع ذلك، تتصاعد حالة الترقب وارتفاع منسوب التفاؤل بقرب إنهاء الحرب على غزة، بعد إنهاء الحرب على إيران، وزيارة المبعوث الأمريكي ويتكوف الوشيكة للقاهرة، وزيارة وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي درمر القريبة لواشنطن، حيث ستبلغه الإدارة الأمريكية برغبتها في إنهاء ملف الحرب على غزة، إضافة لمواضيع أخرى، مثل توسيع التطبيع المرهون عربيًا بوقف النزيف في غزة، وفقًا لتقديرات إسرائيلية.

واستمرارًا لجولته الخليجية التي عاد بها باستثمارات كبيرة جدًا، يبدو ترامب الآن راغبًا بصفقة تنهي الحرب على غزة، وقد دعا، في تغريدة فجر اليوم الأحد، بتوقيت القدس، لإعادة المخطوفين، مهددًا بالتلميح الغليظ بوقف المساعدات لإسرائيل في حال لم يتم ذلك. وهو يرى بصفقة تنهي الحرب على غزة بداية لصفقة أكبر ومفتاحًا لها، يتطلع فيها لصياغة الشرق الأوسط من جديد بما يتواءم مع مصالح بلاده ومصالحه، وحلمه بنيل جائزة نوبل للسلام، وذلك من خلال توسيع “اتفاقيات أبراهام”، وربما شمل سوريا أيضًا فيها.

على هذه الخلفية، ليس واضحًا تمامًا إن كانت إجابات ترامب على أسئلة صحافيين حول إنهاء الحرب في الأسبوع القادم، تنمّ عن كونها أُمنية أم تهديدًا وتكتيكًا تقليديًا يقوم على تصريحات علنية في الإعلام تُنتج حالة ترقب وضغط وديناميكية لدى الأطراف باتجاه نحو الهدف المراد، أم هي تعبير عن حالة تماهٍ مع نتنياهو على خلفية كرههما المشترك للدولة العميقة ولمؤسسات الدولة.

عناق دب

ومن غير المستبعد أن تكون دعوة ترامب المتكررة، في الليلة الفائتة، لـ”وقف صيد الساحرات وملاحقة نتنياهو” و”إطلاق نتنياهو” وإعفائه من محاكمته، مرتبطة برغبته بصفقة كبيرة تشمل وقفًا للحرب على غزة، على مبدأ أنه فاض به وملّ من ملف الحرب على غزة، فيقدم مساعدة أو هدية لنتنياهو، لكنها غير مجانية.

ولذا لا تستبعد الإذاعة العبرية العامة أن تكون هذه عملية “عناق دبّ”، بمعنى أنها محاولة لتحفيزه على التقدم لإنهاء ملف غزة واستئناف التطبيع، من خلال معانقته وتشجيعه، بعكس توجهات بايدن الذي اختار توجيه انتقادات علنية له.

ورغم أن دعوة ترامب هذه تنطوي على تدخّل فظ في الجهاز القضائي الإسرائيلي، مرجح أن ذلك بالتنسيق المسبق بين نتنياهو وبين ترامب، الذي ربما همست جهة إسرائيلية في أذنه بأن مثل هذه الدعوة تساعد نتنياهو في التقدم نحو ما تريد واشنطن الآن. ربما هناك من أقنعه بأن محاكمة نتنياهو عقبة في طريق المخطط الأمريكي بصياغة شرق أوسط جديد تبدأ بصفقة تنهي الحرب على غزة سريعًا، وربما يعبّر ترامب بدعوته هذه عن نفسه وتجربته الشخصية، وهو المتهم من قبل القضاء الأمريكي وواجه تجربة مماثلة لتجربة نتنياهو المتهم بتهم كثيرة.

في كل الأحوال، فإن نتنياهو، الذي رفضت المحكمة، أول أمس، طلبه بإرجاء محكمته (تهم الفساد) لأسبوعين، يعي أن أوساطًا إسرائيلية واسعة ترى بدعوة ترامب لإلغاء محاكمته تدخّلًا مرفوضًا في شأن داخلي، لكنه معني بها كونها تساهم في تغيير وعي الإسرائيليين وتزيد أعداد المؤيدين لوقف محاكمته.

وفعلًا، تبدر حتى عن جهات معارضة له في السياسة والإعلام والقضاء، مناصرة للفكرة، رغم معارضة المستشارة القضائية للحكومة للفكرة.

من هذه الأوساط الداعية لوقف المحاكمة، الرئيس الأسبق لمحكمة العدل العليا القاضي أهارون براك، الذي جدد دعوته لصفقة بين نتنياهو والنيابة العامة، والمحلل السياسي بن درور يميني، الذي يقول، اليوم، في مقال تنشره صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إنه ينبغي القيام بذلك ليس خدمة لمصلحة نتنياهو، بل مصلحة إسرائيل، وليس من خارج القانون، إنما من داخله (صفقة مع النيابة العامة، أو إصدار عفو من صاحب الصلاحية الوحيد، رئيس الدولة).

قضايا متصلة

حينما يزعم ترامب أن محاكمة نتنياهو تزعج المفاوضات مقابل إيران و”حماس”، فربما يعكس ذلك رؤيته بأن كل القضايا متصلة ببعضها البعض: إنهاء الحرب على إيران، الحرب على غزة، توسيع دائرة التطبيع، والدعوة للعفو عن نتنياهو.

علاوة على تصريحات وضغوط أمريكية محتملة على إسرائيل أيضًا (لم تفضِ إلى شيء في الماضي)، هناك تزايد في الضغوط الداخلية على نتنياهو منذ وقف الحرب على إيران، من جهة أوساط في الرأي العام ومن جهة الجيش أيضًا.

في هذا الإطار، دعا عددٌ كبير من المراقبين في إسرائيل لوقف الحرب على غزة بعدما أنهت غاياتها، وبدء الاستشفاء والتفرّغ لقضايا ساخنة كثيرة، ومنهم رئيس الحكومة الأسبق إيهود براك، الذي يدعو الإسرائيليين لتصعيد الاحتجاجات للضغط على نتنياهو من أجل وقف الحرب على غزة الآن، واستعادة المحتجزين فورًا، وإسقاط الحكومة “الأسوأ من بين كل الحكومات”.

في مقال تنشره صحيفة “هآرتس”، يرى براك أن مصلحة إسرائيل العليا تقتضي وقف النزيف في غزة، والتفرّغ لمتابعة قضايا هامة كالاستشفاء الداخلي، التطبيع مع السعودية، مجابهة التهديدات التي ما زالت قائمة لدى إيران و”حزب الله”، علاوة على الوضع الدقيق في سوريا.

في مقاله المنشور في “يديعوت أحرونوت”، يدعو المحلل السياسي البارز شيمعون شيفر لذلك أيضًا بقوله: “دون مراحل، ودون ويتكوف، ودون أعذار، علينا الخروج فورًا من غزة وإنهاء الحرب واستعادة المخطوفين”.

الحسم بيد ترامب ونتنياهو

ويتبعه المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هارئيل، الذي يرى هو الآخر أن إنهاء الحرب على إيران يفتح فتحة لتسوية في غزة. ويرجح هارئيل أيضًا أن ترامب يرى في إنهاء الحرب على إيران فرصة لصياغة الشرق الأوسط من جديد.

وينبه هارئيل مجددًا إلى أن الجيش معني بوقف الحرب، اعتمادًا على قوله إن “عربات جدعون” قد استنفدت، لا سيما أنه يتورط في حرب استنزاف كلفته 20 جنديًا قتيلًا، منذ مطلع الشهر الحالي. ويخلص هارئيل إلى قول صحيح بأن القرار بيد ترامب ونتنياهو، وأن الأمور ستحسم بينهما، بينما الطواقم المهنية غير مطلعة فعليًا على النوايا والمخططات.

نتنياهو، الحذر من تشكّل صورة في وعي الإسرائيليين بأنه ينهي الحرب على غزة بناءً على طلب ترامب، ربما يحاول المماطلة، ريثما يرسو على قرار يحفظ له صورته ومستقبله في الذاكرة وفي السياسة.

وهذا، على ما يبدو، يفسر تسريبات تنشرها “يديعوت أحرونوت” على لسان مصدر كبير في الائتلاف، تقول إن نتنياهو معني بوقف الحرب، لكنه يواجه تهديدات سموتريتش وبن غفير بتفكيك الحكومة.

هل فعلًا ما زال نتنياهو، اليوم، بعد الحرب على إيران، وتحسّن شعبيته وهيبته، أسيرًا بيد المتطرفين، أم هي محاولة لتخفيف الضغط الخارجي عليه؟

حتى وإن حسم نتنياهو أمره، سيتجه للتريث وتحاشي وقف الحرب خلال أسبوع، كي لا يبدو كمن أنجز صفقة مع ترامب (دعوة لإعفائه من المحاكمة، وغيرها من الأقوال والأفعال، مقابل وقف الحرب)، خاصة أنه لم يتأكد بعد ما الذي سيعلق في وعي الإسرائيليين: عار السابع من أكتوبر 2023، أم الثاني عشر من حزيران 2025 (مهاجمة إيران)؟

نتنياهو، كعادته، ما زال في اليوم السادس والثلاثين بعد الستمئة على الحرب، يخلط الحسابات، وهي مرتبطة بالأساس بمصيره السياسي، وربما القضائي، وليس بمصالح إسرائيل العليا فحسب.