اخبار فلسطين
موقع كل يوم -شبكة مصدر الإخبارية
نشر بتاريخ: ٢٧ أيار ٢٠٢٥
الطفلة ورد الشيخ خليل، ابنة الأعوام الخمسة، والناجية من مجزرة ارتكبها الجيش الإسرائيلي، لم تتعلم حروف الأبجدية الأولى بعد، لكنها روت بصوتها المرتجف وكلماتها البريئة فصلا من فصول الإبادة الجماعية التي تستهدف أطفال قطاع غزة منذ 20 شهرا.
فمن وسط لهيب النيران التي التهمت معظم أفراد عائلتها، الإثنين، نجت الطفلة ورد بروحها من جحيم خلفته صواريخ إسرائيلية سقطت على رؤوس نازحين معظمهم أطفال ونساء، في مدرسة 'فهمي الجرجاوي'، التي تؤويهم في مدينة غزة.
ورغم الخوف والإصابات التي تعرض لها جسدها الصغير، بقيت عيناها الصغيرتان تبحثان بين الدمار عن وجه تألفه، أو أحد من أفراد عائلتها يمسك بيدها، وينجو معها بعيدا عن الحرب، وفق ما نقلت عنها وكالة 'الأناضول' للأنباء.
لكنها لم تجد أحدا، فلم تكن تعلم أن النيران التهمت والدتها و5 من أشقائها أكبرهم 16 عاما، وأصبحت أجسادهم التي كانت تنبض بالحياة قبل دقائق من وقوع المجزرة، جثثا محترقة ومتفحمة ومقطعة.
بينما يمكث والدها وشقيقها السادس في المستشفى، لإصابتهم البليغة جراء هذه المجزرة، التي أسفرت عن استشهاد 31 شخصا، بينهم 18 طفلا و6 سيدات، وفق ما أكده المكتب الإعلامي الحكومي بغزة في بيان.
وتداول ناشطون مقطعا مصورا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما التقطت طواقم الإسعاف والدفاع المدني الطفلة ورد، قالت فيه لفرق الإنقاذ إنها تركت بعض أفراد عائلتها تحت الركام، دون أن تعرف إن كانوا أحياء أم أمواتا، وقبل أن يُفجع قلبها الصغير برحيلهم.
وعلى مدى نحو 20 شهرا من الإبادة في غزة، استهدفت إسرائيل عشرات مراكز الإيواء، بينها مدارس وجامعات وساحات مستشفيات ومناطق ادعى الجيش الإسرائيلي أنها 'آمنة'، ما أسفر عن استشهاد وإصابة آلاف الفلسطينيين معظمهم أطفال ونساء؛ وفق بيانات رسمية.
وبحسب بيان مكتب الإعلام الحكومي في غزة، فإن الجيش الإسرائيلي استهدف بشكل متعمد وممنهج نحو 241 مركزا للإيواء والنزوح القسري منذ بدئه الإبادة الجماعية بقطاع غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
الطفولة تروي الإبادة
عادت الطفلة ورد برفقة شقيق والدها إياد إلى موقع المدرسة حيث لم يتبق إلا الدمار ورماد من احترق، بعد ساعات من نجاتها.
حاولت البحث عن أي شيء يعود لأشقائها أو والدتها، فوجدت فردتين من حذائين الأولى تعود لوالدتها والثانية لإحدى شقيقاتها فالتقطتهما وبدأت البكاء.
وبدموع تنساب على وجهها البريء، تتمتم الطفلة ورد بكلمات محاولة وصف الحدث بدقة، قائلة 'إخوتي وأخواتي ماتوا'، في إشارة إلى استشهادهم بقصف إسرائيلي.
وتابعت بكلمات متقطعة 'أنا كنت بالرمل.. تحت.. بالدفن'، ربما في إشارة إلى سقوط ركام المدرسة عليها وخروجها منه.
وأضافت 'صحيت من النوم لقيت (رأيت) النار كبيرة (ممتدة وواسعة)'.
وأكملت وصفها للمشهد 'كانت النار مولعة'، مشيرة إلى أنها أصيبت بحروق في يدها.
وأردفت فيما لم تتوقف عن البكاء كلما استذكرت الواقعة، أن الصاروخ الإسرائيلي سقط عليهم، وبدأت بذكر أسماء أشقائها الشهداء قائلة 'محمد وعبد وأمل وسلوان وماري' إضافة إلى والدتها.
وأشارت إلى أنها وفي محاولتها للنجاة، اضطرت إلى المشي بجانب لهيب النيران المشتعلة.
وعن أمنياتها، قالت الطفلة ورد 'كل إخوتي ماتوا، نفسي نرجع مع بعض'.
نجاة والدها وشقيقها
تقول الطفلة ورد إنها شاهدت والدها للمرة الأولى مصابا داخل سيارة الإسعاف بعد نقلها إليها، كما أنها علمت هناك أن شقيقها أيضا على قيد الحياة.
وأضافت عن ذلك 'رأيت بابا وأنا بالإسعاف، كان وجهه مجروحا'.
وقال عمها إياد، إن والد ورد لجأ إلى هذه المدرسة بعدما فقد منزله جراء الإبادة الإسرائيلية المتواصلة.
وأضاف أنه لم يتمكن من الوصول إلى منطقة الاستهداف خلال ساعات الليل بسبب خطورة الأوضاع الأمنية واشتداد القصف الإسرائيلي.
وأوضح أنه وصل إلى المدرسة المستهدفة مع طلوع الشمس ليفاجأ بخروج زوجة شقيقه وأطفالهما الخمسة جثثا متفحمة ومقطعة من تحت الركام.
وأشار إلى الحالة النفسية السيئة التي تعانيها الطفلة ورد، بعدما فقدت معظم أفراد عائلتها، ونجاتها من هذه المجزرة الوحشية.
الطفولة بغزة
يذكر أن ورد قضت نحو عام ونصف من عمرها الغض في حرب إبادة جماعية وسط القصف الإسرائيلي العنيف ومشاهد الموت وحصار التجويع.
وعلى غرار أكثر من مليون طفل بغزة، عاشت ورد حياة التشرد والنزوح لأكثر من مرة هربا من جحيم الهجمات الإسرائيلية.
ورغم صغر سنها، لم تنخرط الطفلة بأنشطة ترفيهية وتعليمية تعزز تطورها ونموها العقلي والجسدي، وهو ما حُرم منه أطفال غزة أيضا بسبب الإبادة الإسرائيلية.
وكبرت الطفلة خلال تلك الأشهر على دوي الانفجارات وشعور الخوف المتواصل، والجوع الذي نهش أجساد عشرات الآلاف من أطفال غزة ما أصابهم بسوء تغذية.
ورغم دخول كميات محدودة من المساعدات الإنسانية مساء الأربعاء، قالت حركة حماس إن ما دخل منها لا يمثل سوى أقل من عشر الحد الأدنى المطلوب لتلبية الاحتياج العام للقطاع.
وحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، كان من المفترض خلال أكثر من 84 يوما من الحصار والإغلاق الكامل، أن يدخل إلى قطاع غزة ما لا يقل عن 46 ألفا و200 شاحنة محمّلة بالمساعدات والوقود لتلبية الحد الأدنى من احتياجات الأهالي.
ويحتاج قطاع غزة يوميا إلى 500 شاحنة مساعدات إغاثية وطبية وغذائية عاجلة، و50 شاحنة وقود كحد أدنى منقذ للحياة وسط تفاقم المجاعة؛ وفق المكتب الحكومي.
ومنذ 2 آذار/ مارس الماضي، تواصل إسرائيل سياسة تجويع ممنهج لنحو 2.4 مليون فلسطيني بغزة، عبر إغلاق المعابر بوجه المساعدات المتكدسة على الحدود، ما أدخل القطاع مرحلة المجاعة وأودى بحياة كثيرين.
اقرأ/ي أيضاً: شهداء وجرحى في قصف الاحتلال مدرسة تؤوي نازحين بمخيم الشاطئ