اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ٩ أيلول ٢٠٢٥
الكاتب:
هبه بيضون
جاء الإعلان في بيان صحفي في بريطانيا يوم الإثنين الموافق الثامن من أيلول 2025 عن العريضة القانونية التي قدّمها رجل الأعمال الفلسطيني منيب المصري يوم الأحد الموافق السابع من أيلول إلى كير ستارمر، رئيس وزراء بريطانيا، وزعيم حزب العمال، ووزراء آخرين من الحكومة البريطانية، منهم: إيفيت كوبر، جون هيلي، وكذلك لريتشارد هيرمر، النائب العام، والتي تم إعدادها من قبل عدد من المحامين البارزين، وبمشاركة خبراء إقليميين، في وقت هام وحساس من القضية الفلسطينية، وفي ظل تصاعد الجرائم والانتهاكات بحق الفلسطينيين، حيث تسلط الضوء على الجذور التاريخية للنكبة الفلسطينية، وتطالب بمساءلة بريطانيا عن دورها التأسيسي فيها، وتمكينها للمشروع الصهيوني.
كما جاءت في وقت أدرك فيه العالم، شعوباً وحكومات وبرلمانات، زيف الرواية الصهيونية، ومدى عنصرية الكيان الصهيوني وحقيقته، الأمر الذي يمنح القضية الفلسطينية زخماً قانونياً جديداً.
تتكون العريضة والتي هي بمثابة طلب قانوني جماعي، ويمكن اعتبارها 'مذكرة احتجاج قانونية' من (400) صفحة، ومحتواها عبارة عن تحليل قانوني شامل لمسؤولية بريطانيا عن النكبة الفلسطينية وتبعاتها حتى يومنا هذا.
تسلّط العريضة الضوء على ثلاثة انتهاكات قانونية ارتكبتها بريطانيا خلال فترة احتلالها لفلسطين، وتُقدّم تحليلاً يستند إلى مصادر أولية ومعايير القانون الدولي.
الانتهاك الأول هو مخالفتها لالتزاماتها كقوة احتلال، حين تجاهلت تعهدها بالاعتراف بالأمة العربية في فلسطين، وفق ما جاء بمعاهدة الحسين – مكماهون عام 1915، وتصرفت بشكل غير قانوني خلال الحكم العثماني لفلسطين خلال الفترة 1917- 1924، عبر فرض تغييرات سياسية وديموغرافية وفقاً لوعد بلفور الذي منحته لليهود دون وجه حق، ودون امتلاك السيادة، وأنشأت انتداباً ذاتياً، دون سلطة قانونية، في خرق لميثاق عصبة الأمم. كما استمرت بريطانيا بالتصرف كقوة احتلال منذ عام 1924 إلى 1948 بعد فشلها في إبرام معاهدة سلام مع تركيا لنقل السيادة على فلسطين إليها.
الانتهاك الثاني وفق العريضة هو ممارسة بريطانيا القمع الممنهج بحق الفلسطينيين، خاصة خلال الثورة العربية الكبرى (1936–1939)، من خلال فرض أحكام عرفية أدّت إلى ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين.
أمّا الانتهاك الثالث فهو أنها تتحمّل المسؤولية عن تفكيك وحدة الأراضي الفلسطينية وتشجيع تقسيم فلسطين، ما مهّد لوقوع النكبة وتهجير الفلسطينيين، دون أن تتخذ أيّ إجراء لحمايتهم من العصابات الصهيونية التي كانت تتوقع ارتكاب مجازر وطرد السكان.
وفي هذا السياق، أطلقت العريضة حملة بعنوان 'بريطانيا مدينة لفلسطين'، وهي مبادرة قانونية وشعبية تطالب الحكومة البريطانية باعتراف رسمي بمسؤوليتها التاريخية، وتقديم اعتذار علني وتعويضات عادلة عن قرن من القمع والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني. وقد حذّر معدّو العريضة من أنّ تجاهل الرد الرسمي قد يفتح الباب أمام إجراءات قانونية، بما في ذلك مراجعة قضائية أمام المحاكم البريطانية.
وعن الدلالات السياسية والتاريخية للعريضة، فهي تعيد فتح ملف مسؤولية بريطانيا الاستعمارية في فلسطين، كفاعل رئيس في هندسة النكبة وتمكين المشروع الصهيوني، بالإضافة الى كونها قوة احتلال، وتُطالب بمساءلة بريطانيا قانونياً بالاستناد لمعايير دولية واضحة، ما يمنح القضية الفلسطينية بعداً جديداً في ساحة القانون الدولي.
أمّا توقيت الإعلان عن العريضة، فيعكس إدراك النخب الفلسطينية لأهمية إعادة صياغة السردية التاريخية بلغة القانون، لمواجهة محاولات طمس الحقائق وتزييف التاريخ. لذا، فالعريضة تُشكّل خطوة رمزية واستراتيجية هامة نحو استعادة الرواية الفلسطينية في المحافل الدولية، وتوجيه الأنظار إلى جذور الصراع الاستعمارية.
أمّا الرسالة الضمنية التي توجهها العريضة للمجتمع الدولي، فهي أنّه لا يمكن اختزال القضية الفلسطينية بصراع معاصر أو نزاع حدودي، بل هي نتاج مباشر لانتهاكات استعمارية موثقة ارتكبتها بريطانيا، ويجب أن تُواجَه بمحاسبة قانونية، وأنه لا بد من إعادة النظر بدوره تجاه فلسطين، ليتخطّى دعم الحقوق الفلسطينية، الى الاعتراف بالمسؤولية التاريخية للدول التي ساهمت بتفكيك 'الوطن الفلسطيني' وتعزيز وترسيخ الاستيطان والاستعمار. كما أنها دعوة لتفعيل أدوات القانون الدولي، وتجاوز الخطاب التقليدي، إلى خطوات عملية تُعيد الاعتبار للعدالة التاريخية. ناهيك عن الرسالة التحذيرية للعريضة، والتي مفادها أنه لا ينبغي تجاهل الماضي، ولا التجاوز عن أخطاء الغير بحق فلسطين، لأنّ ذلك يشجع على تكرار الجرائم التي ارتكبت، وأنّ مواجهة جذور الصراع الاستعمارية هو شرط أساسي لأي حل عادل ومستدام.
إنّ تقديم شخصية مثل 'منيب المصري' هذه العريضة، يحمل رمزية وطنية وتاريخية، فهو ليس مجرد شخصية عامة أو رجل أعمال، بل يمثل جيلاً فلسطينياً عاش النكبة بكل تفاصيلها، وشهد تحولات القضية من النضال الشعبي إلى المعارك القانونية والدبلوماسية. كما أنّ تاريخ مولده عام 1934، يُضفي على العريضة مصداقية نابعة من تجربة حقيقية، لا من سرد نظري. كما أنّ ذلك يؤكّد أنّ لمنيب المصري رغبة حقيقية بتحويل الألم التاريخي للشعب الفلسطيني إلى فعل قانوني منظم ومبني على أسس قانونية سليمة، يطالب بالعدالة لشعبه والمساءلة للمتسبب بنكبته التاريخية.
تُشكّل العريضة القانونية المقدّمة للحكومة البريطانية نقطة تحول في مسار النضال الفلسطيني، إذ تنقل القضية من إطار السرد العاطفي إلى ساحة القانون الدولي، حيث تُختبر الأدلة وتُطرح المطالب وفقاً لمعايير قانونية واضحة. كما تعيد العريضة تعريف العلاقة بين الاستعمار البريطاني وفلسطين، وتُبرز مسؤولية بريطانيا عن النكبة وتبعاتها المستمرة، من خلال تحليل قانوني يستند إلى مصادر موثّقة.
كما تكمن أهمية هذه العريضة في قدرتها على فتح المجال أمام تحركات قانونية مستقبلية، قد تُسهم في مساءلة الجهات الدولية المتورطة، وتثبيت الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني. فبتركيزها على جذور الصراع الاستعمارية، تُعيد العريضة الاعتبار للعدالة التاريخية باعتبارها شرطاً أساسياً لأيّ حل سياسي عادل ومستدام.