اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٢ تموز ٢٠٢٥
{هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [يوسف: 100]
غزة... يا جرحنا المفتوح في خاصرة الأرض، يا نبض السماء حين تضيق الأرض بما رحبت، يا أنينًا يقطر نورًا من بين ركام الألم. كلما اشتدت المحرقة، انفتحت نوافذ الغيب في القلوب، ولمست الأرواح رؤى العابرين من جنان الخلد، يربتون على الأكتاف المنهكة، ويهمسون: اصبروا، فإن موعدكم الجنة.
هي غزة التي تصهرها النيران، فتولد من رحم العتمة بشارات الصبر، ومواثيق الأمل القادم. هناك، كل دمعة تسقي وعدًا، وكل شهقة تحفر مجرى للرجاء، وكل رؤيا تُشعل شمعة في الظلمة تقول: الله معنا... وما زال وعده حقًا.
المحرقة لا تشتعل في الحجارة وحدها، بل في الأرواح والقلوب، في الأزقة والبيوت، في الأجساد والذكريات. تُسحق العظام، ويزحف الخوف، ويتسلل الجوع والمرض ليأكلا ما تبقى من فتات الحياة. وتبقى الرؤى الصادقة عزاءنا الأخير، ميراث النبوة الباقي، نتلمّس فيها أنسًا في الوحشة، ونستعيد من ارتقوا في المنام، ليعود نبض القلب معهم بعد أن أوقفه الحزن:
{وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: 84].
وفي هذه المحنة، لم تكن رؤى أبناء غزة وحدها من تصاحب الليالي؛ بل تكررت رؤية النبي ﷺ في منامات كثيرين، داخل غزة وخارجها، رؤى مفعمة بالبشارة والنصر والدعاء، تدعو إلى نصرة غزة، وتحرض على الاستجابة لدمائها الطاهرة. رأى بعضهم النبي ﷺ باكيًا على غزة، حزينًا لما أصابها، غاضبًا من خذلان الأمة للطائفة المنصورة على ثراها المبارك.
ومن تلك الرؤى: رجل رأى نفسه شهيدًا يصلي خلف النبي ﷺ في المسجد الأقصى، وعن يمينه محمد الضيف، ثم صدّقه القدر واختاره الله شهيدًا، كما رأى.
وقبل عشر سنوات من 7 أكتوبر، شاعت رؤيا صوّرت مشهد العدوان بدقة مذهلة: طوفان يسبق المجزرة، وخراب يعم المكان. استنكرها الناس آنذاك، بل مُنع صاحبها من بثها، لما فيها من وجع واستباق، ومع ذلك ما زال المشهد يتكامل فصولًا، وما زلنا ننتظر النهاية التي تشبه ما رآه منذ عقد.
ورأت أخت فاضلة رؤيا حددت فيها يومًا لانقضاء المحرقة، فلما حل الموعد ولم تتوقف المجازر، ارتقت شهيدة في ذات اليوم، وكأن الرؤيا لم تكن بشارة بسلام، بل بوعدٍ بالشهادة.
وابنتي ترى غزة تتحول من كومة حجارة إلى أسد ضخم يتحرك.
وأستاذ تاريخ أخبر طلابه قبيل الحرب أن عامهم لن يكتمل، وأن منهم من سيرتقي، ثم ارتقى هو وبعض طلابه، وكأنه كان يقرأ فصولًا من لوح القدر.
ورجلٌ، في بدايات المحرقة، قال إن العدوان سيستمر أكثر من عام، وفق رؤياه. استغربنا قوله، فلم نعتد حربًا تتجاوز الخمسين يومًا، أما الآن، فنحن على أعتاب عام كامل، نرقب ما تبقى من المشهد كما بُشّر به.
وفي فضاء السوشال ميديا، رُويت رؤيا تعود إلى 2018: رأى صاحبها غزة كتلة من ركام مظلم حالك، تحاصرها ترسانة الأرض، لكن من الشمال الشرقي، ظهر فارس أبيض عظيم، على جواد نبيل، يدافع عنها، وقال له: 'اطمئن، بعد عشر سنوات، لن يبقى في فلسطين محتل.'
رؤى كثيرة... لا تنتهي، ولا تخبو.
رؤى كأنها منارات في زمن العتمة، توقظ القلوب، وتوقظ الضمائر، وتبث العزم في النفوس، وتُذكّر أن النصر لا يُنال إلا بالصبر، وأن الدماء الطاهرة لا تذهب هدرًا.
فهل تكون غزة هي يوسف هذا الزمان؟
كما قال: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 4].
هل تعبر إلى قدرها بعين أبنائها الحالمين بالأمن، والطعام، والنصر، والتحرير؟
هل نسمع قريبًا صوتها يهتف وقد تحقق الوعد، وصدقت الرؤيا:
{هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [يوسف: 100]؟