اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١ حزيران ٢٠٢٥
كان شهر ذي الحجة موسما للفرح في حياة الشاب الغزي أحمد الحطاب، لكنه منذ استشهاد أمه وجزء من أهله في خضم حرب الإبادة الجماعية يعيش أياما من الغياب لا تشبه شيئا مما مضى.
'هذه العشر الأوائل من ذي الحجة، وأمي وجزء من أهلي تحت الأنقاض لم يحضروها'، هكذا يبدأ وصفه لموسم انقلب من طقوس الطاعة إلى وجع لا يحتمل.
يجد الحطاب ـ الذي يمتهن التمريض - نفسه محاصرا بين طيات الوجع، ذاكرا لصحيفة 'فلسطين'، أن والدته الشهيدة نجوى الحطاب – المفتي كانت تصوم هذه الأيام وتقوم الليل.
تنهمر الآلام من كلماته عن طقوس دينية اعتادتها أمه في هذه الأيام: 'تفطر وتدعو لنا ولجميع الأهل والأحبة والمؤمنين والمسلمين في كل مكان. تذرف الدموع من ذكر الله، تنصب قدميها على سجادة الصلاة ليلا وإن كانت مريضة'.
ويعز عليه أن أمه كانت تمني النفس بزيارة البيت الحرام حاجة ومعتمرة في هذه الأيام، 'لكن (إسرائيل) قصفت البيت على رأسها وهي آمنة مرابطة في بيتها'.
وشهر ذي الحجة الحالي هو الثاني الذي يمر على الحطاب دون والدته، لكن لا يزال جرحه نازفا. استشهدت أمه في منزلهم بحي الشجاعية شرق غزة إثر قصف إسرائيلي استهدف مربعا سكنيا كاملا.
ولم تكن والدته وحيدة في الفقد. شقيقه خالد، وزوجة أخيه الآخر، وطفلاها سعاد ومحمد، ما زالوا تحت الأنقاض منذ نوفمبر 2023. 'أخي خالد الخالد في قلبي، كان يصوم هذه العشر من ذي الحجة ويعظمها، ويحث أبناءه على الصيام والقيام والذكر ويحفزهم بالهدايا والمكافآت. كان صواما قواما، بارا بوالديه، وبأهل بيته، وبإخوانه وأخواته'.
بأسى، يتابع: 'هو ليس بيننا، لكنه يعيش معي في قلبي، في دعائي، في حياتي، في منامي. نتقاسم الحياة. لو كان بيننا، لشد بعضنا البعض على القيام والذكر والطاعات. لكن ما أعلمه يقينا أننا سنلتقي'.
أما أم محمد، زوجة أخيه الآخر، 'المرأة الصالحة العابدة الذاكرة الحافظة لكتاب الله وأنيسة أمي'، فقد كانت تعظم هذه الأيام بالطاعات وتربية الأبناء وحثهم على الذكر.
وكأنه يعيد رثاء ابني أخيه، بكلمات يوجهها لهما: 'سعاد ومحمد أبناء أخي، تاج رأسي، ونبض قلبي. نفتقد مشاركتكم التكبير والتهليل، والقيام والصيام وإن كان متقطعًا. أنتم نور العين، ومهجة القلب، وزينة البيت. اعلموا علم اليقين أنني لن، ولست أنساكم. أنتم تحت الأنقاض، ولكن تعيشون بيننا. أخبئكما في قلبي، لم أصدق بعد غيابكم. أمني نفسي أن ألتقيكم وعمكم خالد... الذي قال لكم أثناء قصف البيت: 'تخافوش واذكروا الله' ثم كُتم صوتكم جميعا'.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، في بدايات حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، استجمع الحطاب قواه، ليرثي والدته، بعد شهر تقريبا على رحيلها: 'لم أكتب ولم أنعِ والدتي منذ وقت استشهادها، لأنني ما زلت لم أصدق أنني فقدتها. ويا ليت قلبي وجسدي تقطعا أمامي وهي بقيت بروحها وجسدها، لكن حسبنا أن لقاءنا في الفردوس الأعلى من الجنة، وهذا يقيننا بأنها تتنعم فيها الآن'.
وحمل 'خطاب الرثاء' سيلا من الألم: 'جزء من أهلي وأطفالنا ونسائنا ما زالوا تحت الأنقاض، وأخي اعتقلته (إسرائيل) من شارع صلاح الدين، وأنا خرجت من مستشفى الشفاء الطبي بعد حصاره واقتحامه أمامنا. ما تبقى من عائلتي أصبحوا نازحين، كل واحد في مكان، وسط مأساة فوق المأساة، وما زلنا بالكاد نقف على أرجلنا لأن لنا أطفالا وذرية نحميهم بأجسادنا، مفترشين الأرض، ملتحفين السماء'.
هكذا نكأ شهر ذي الحجة جراح الشاب الحطاب، ومع استمرار حرب الإبادة الجماعية التي حصدت أكثر من 170 ألف غزي بين شهيد وجريح، فإن الآلاف يشاركونه شعور الفقد ذاته.
'تاج رأسي، ونبض قلبي، ونور عيوني، ومنبع روحي'، يصف الحطاب والدته بهذه الكلمات، متمنيا من الله أن يمكنه من لقائها وأحبته الشهداء 'وأنتم أحياء تحت الأرض، أو أحياء في السماء'.