اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ٨ تشرين الأول ٢٠٢٥
رام الله-معا- يأتي هذا التقرير ضمن سلسلة التقارير التوثيقية التي تصدرها المكتبة الوطنية الفلسطينية حول التدمير الثقافي في قطاع غزة، بهدف رصد مظاهر الإبادة الثقافية وتوثيق حجم الأضرار التي لحقت بالموروث الثقافي والتاريخي الفلسطيني منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع.
فمنذ السابع من أكتوبر 2023، يشهد العالم اليوم إبادة جماعية حيّة تستهدف الموروث الثقافي والتاريخي، وتمارس على الإنسان والهوية المحلية في قطاع غزة. وبيّن الهجوم غير المسبوق على المنجز الحضاري الفلسطيني، والنسف الممنهج للنسيج العمراني في المدن والقرى والمخيمات في قطاع غزة، الهدف الاستراتيجي للعقلية الاستعمارية الإسرائيلية، ومنطق إدارة التاريخ من وجهة نظر المُستعمر، والقوة المفرطة في الاقتلاع كوسيلة للثبات والاستمرار والمحو الكامل. ظهر ذلك من خلال الاستهداف المباشر للمباني والمواقع التاريخية، المتاحف، مراكز الأرشيف، المكتبات العامة والخاصة، الكنائس والمساجد، المستشفيات، المدارس، الجامعات، والمنازل. وثقتها الجهات الرسمية الفلسطينية في تقارير ترصد حجم التدمير والأضرار المعلن عنها بشكل رسمي.
كذلك الجهد التوثيقي للباحثين والمؤرخين من قطاع غزة، الذين استطاعوا الكتابة من وسط أماكن النزوح، ونقلوا واقع التدمير الحقيقي على أرض الواقع. أصدر في هذا الصدد الدكتور عبد اللطيف أبو هاشم سلسلة أبحاث ومحاضرات حول الإبادة التي استهدفت تاريخ وأرشيف غزة، والتي تعتبر اليوم مرجعا تاريخيا لرصد ما احتوت عليه الأرشيفات والمكتبات العامة والخاصة قبل الحرب، وحالها اليوم بعد القصف والاستهداف، على سبيل المثال محاضرة بعنوان ' تجربة الأرشفة والتوثيق والمحافظة على الموروث الثقافي في مدينة غزة' والتي رصدت السياق التاريخي لأرشيفات مدينة غزة وما آلت إليه حالها بعد التدمير.
يُعاد إلى الذاكرة في تتبع مصطلح الإبادة الجماعية للمجموعات البشرية، وصول جيوش المغول إلى بلاد الشام في حدود القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي بقيادة هولاكو، وتنفيذهم لمحو شامل على المستوى الثقافي والحضاري والعلمي، رافق ذلك القتل والتشريد والنسف، إضافة إلى طمس رصيد التطور الإنساني في مجال الترجمات والعلوم الطبية والفلك والحضارة والاكتشافات الجغرافية. تَبعهُ تفريغ الحاضنة الاجتماعية من أدنى مقومات الحياة وسلبهم لأبسط الممارسات الثقافية.
كذلك تتجلى بشاعة الإبادة الجماعية التي وقعت بحق الهنود الحمر في أمريكا الشمالية، إذ كان أصعبها وأقساها عام 1890، حينما ارتُكبت أبشع المجازر في مذبحة تاريخية سميت 'الركبة الجريحة'، نُكل فيها بملايين البشر، وضيقت الأفق على أماكن تجمعهم، وصولا إلى نهج مخطط لتنفيذه، وهو إضعاف النسيج الجغرافي الطبيعي، من خلال تقطيع أوصال المدن والمناطق ببعضها البعض، والتركيز على إبعادهم عن أراضيهم الأصلية، وتجريدهم من ثوابتهم التاريخية، وتدميرها كليا من أجل تضييق سبل الحياة عليهم، وإفقادهم القدرة على الحياة والاستقرار. كنموذج حقيقي على الاقتلاع والتطهير والمحو، والحرمان من الحقوق الثقافية.
وترصد المكتبة الوطنية في هذا التقرير أسماء مراكز الأرشيف والمكتبات والمتاحف التي تم تدميرها على كامل مساحة قطاع غزة، والذي اتضح بعد مرور عامين على الحرب أنها كانت خطة محو شاملة وحملة تدميرية ممنهجة، لإبادة ما يمكنه أن يثبت أن غزة كانت ضمن المسار التاريخي للبشرية.