اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٣ حزيران ٢٠٢٥
وسط أنقاض الخراب والحجارة المتناثرة، كان محمد شبير، في العقد الثالث من عمره، يزيل الركام من منزله الذي تضرر من جراء قصف إسرائيلي طال إحدى العمارات السكنية في مربع الخالدي، قرب مفترق الصاروخ غرب مدينة غزة، ظهر أمس الأحد.
'محمد' وأشقاؤه الثلاثة انهمكوا في تجميع الحطام باستخدام أدوات بسيطة من سلال ودِلاء، علّهم ينجحون في تأمين طريق أو استعادة بعض ممتلكاتهم من تحت الأنقاض.
ويقول شبير، وقطرات العرق تتصبب من جبينه: إن جيش الاحتلال يتعمد استهداف المدنيين والعمارات السكنية دون مبرر، فالهدف واضح: تدمير حياة الناس وتشريدهم، لا أكثر.
وأشار شبير لـ 'فلسطين أون لاين' بألم إلى حجم الدمار الذي طال الحي بالكامل، مؤكدًا أن القصف لم يكن عشوائيًا، بل موجّهًا نحو الأبراج التي تؤوي مئات الأسر.
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أصبحت الأبراج السكنية في قطاع غزة، وخاصة في مدن غزة ورفح وخان يونس وجباليا، أهدافًا رئيسة لطائرات الاحتلال؛ فقد دُمّرت عشرات الآلاف من المباني السكنية بشكل كامل، لتُحوّل خلال لحظات إلى أكوام من الخرسانة والغبار.
وعلى مقربة ليست بالبعيدة، يقف الستيني أحمد ناجي، أحد سكان حي الشيخ رضوان، أمام منزله الذي لم ينجُ من آثار القصف الأخير، فمع حلول ظهر أول من أمس الأحد، استُهدفت عمارة قريبة تعود لعائلة لَبَد، فاهتزت نوافذ منزله وانهارت أجزاء من جدرانه.
ورغم الأضرار، يصرّ ناجي على ترميم بيته والبقاء فيه، لا سيما أنه يأوي داخله عددًا من الأسر التي فرت من شمال القطاع، بعد أن دمرت الطائرات الإسرائيلية منازلها.
ويقول ناجي: 'منزلي مأوى لعائلات نزحت تحت وطأة القصف والمجازر، لا خيار أمامنا سوى الصمود، فالاحتلال يريدنا أن نغادر القطاع، لكنه واهم. لن نرحل من أرضنا'.
عقاب جماعي
من جانبه، أكد مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، الدكتور إسماعيل الثوابتة، أن استهداف الأبراج السكنية هو جزء من سياسة ممنهجة للعقاب الجماعي.
وأوضح الثوابتة لـ'فلسطين أون لاين' أن الاحتلال لا يستهدف البنية المادية فقط، بل يسعى لكسر الروح المعنوية للشعب، وإحداث ضغط شعبي على المقاومة، عبر تدمير البيوت وتشريد آلاف الأسر.
ويضيف: إن هذه الهجمات تستهدف عمدًا النسيج المجتمعي والبنية التحتية المدنية، من مياه وكهرباء وصرف صحي، بالإضافة إلى المؤسسات التعليمية والمهنية التي كانت تعمل داخل تلك الأبراج، وبهذا يضرب الاحتلال كل مظاهر الحياة المستقرة، في محاولة لفرض واقع من اليأس والاستسلام.
وذكر أن الاحتلال الإسرائيلي يبرر استهدافه للعمارات السكنية بأنها تُستخدم من قبل 'جهات مسلحة'، لكن هذه الادعاءات تفتقر إلى الأدلة، ولا تخضع لأي تحقق مستقل.
وأمضى قائلًا: إن هذه التبريرات، سواء القانونية أو الأخلاقية، باطلة، لأنها تتعارض مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني، مثل مبدأ التمييز بين المدنيين والمقاتلين، ومبدأ التناسب في استخدام القوة، ومبدأ الضرورة العسكرية، ووجوب اتخاذ تدابير تحذيرية مسبقة قبل الاستهداف.
وأكمل: إن تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الحقوقية تؤكد أن تدمير الأبراج دون ضرورة عسكرية يُعد جريمة حرب بموجب اتفاقيات جنيف.
تدمير ممنهج
وبحسب المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي، فإن الاحتلال الإسرائيلي، خلال الأيام الماضية من العدوان، دمر أكثر من 240 وحدة سكنية بالكامل داخل عشرات الأبراج في مناطق مختلفة من القطاع، ولا سيما في مدن غزة، النصيرات، ورفح.
وخلفت تلك الهجمات كارثة إنسانية متفاقمة، حيث شُرّدت مئات الأسر، وتكبّد السكان خسائر مالية مباشرة بملايين الدولارات، فضلًا عن خسارة الممتلكات الشخصية، وأماكن العمل، والمتاجر الصغيرة.
كما خلّفت الغارات آثارًا نفسية بالغة، خاصة بين النساء والأطفال، الذين يعانون من اضطرابات نفسية مثل فقدان الشعور بالأمان، والقلق المزمن، واضطرابات ما بعد الصدمة.
في تلك العمارات السكنية التي دُمّرت، لم تكن تسكنها فقط أسر، بل كانت تحتضن أحلامًا، ومؤسسات، ومكاتب، وذكريات؛ جميعها ذهبت أدراج الرياح خلال لحظات.
ومنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشن (إسرائيل) حربًا وصفتها منظمات دولية بأنها 'حرب إبادة جماعية'، إذ تشير الإحصاءات إلى سقوط أكثر من 178 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب أكثر من 11 ألف مفقود، ومئات الآلاف من النازحين الذين فقدوا مأواهم، ويعيشون في ظروف إنسانية مأساوية.
ورغم كل هذا، يواصل أهالي غزة، مثل شبير وناجي، الصمود وسط الركام، رافضين الخضوع لإرادة الاحتلال، متمسكين بحقهم في الأرض، والعودة، والكرامة، حتى آخر حجر من بيوتهم المدمرة.