اخبار فلسطين
موقع كل يوم -سما الإخبارية
نشر بتاريخ: ٢٥ تموز ٢٠٢٥
رسمت صحيفة “واشنطن بوست” في مقال للكاتب إيشان ثارور مشهدا بالغ التناقض لقطاع غزة اليوم: من جهة، مئات آلاف الفلسطينيين يواجهون مجاعة خانقة حتى برزت عظام أطفالهم تحت حصار طويل، ومن جهة أخرى، أحلام بعض وزراء اليمين الإسرائيلي بتحويل غزة إلى منتجع فاخر وساحة لتناول الحمص بعد إخلائها من سكانها الأصليين.
بين صور الأجساد الهزيلة وأطماع الأبراج اللامعة، تختصر غزة اليوم لحظة سيريالية تقف فيها الإنسانية على حافة الهاوية، بينما تواصل آلة الحرب الإسرائيلية قصفها وتضيّق على وصول الطعام القليل الذي يتشبث به أكثر من مليوني إنسان تحت الأنقاض.
ويشير الكاتب إلى “الرؤية السيريالية”، التي ابتكرتها وزيرة العلوم والتكنولوجيا الإسرائيلية غيلا غامليل، التي نشرت هذا الأسبوع على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو مولّدًا بالذكاء الاصطناعي يظهر تصورا لما قد يبدو عليه قطاع غزة بعد الحرب، وهو ما يحاكي مقطع فيديو للذكاء الاصطناعي كان قد نشره الرئيس دونالد ترامب على منصة “تروث سوشيال” في شباط/ فبراير، وظهر فيه إيلون ماسك وهو يأكل الحمص، كما برزت تماثيل ذهبية لترامب، وأغنية “ترامب غزة”.
يُظهر المقطع، الذي تبلغ مدته دقيقة واحدة ونشرته غامليل، ما تسميه بخطة ترامب لإعادة تطوير المنطقة التي مزقتها الحرب وتحويلها إلى مدينة ناطحات سحاب براقة، وسياحة فاخرة، وأحياء سكنية جديدة. وتبدو اليخوت الفاخرة طافية على شواطئ غزة المطلة على البحر الأبيض المتوسط، بينما يجلس سكان يهود يتناولون أطباق الحمص. أما المشكلة فهي أن معظم سكان غزة الأصليين، أو كلهم، ليس لهم وجود في هذا المشهد أصلا.
في منشورها، أشارت غامليل إلى ضرورة “الهجرة الطوعية” لسكان غزة الفلسطينيين.
وليست الوحيدة بين وزراء حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليمينية التي تدعو إلى هذه النتيجة. فمنذ الهجوم الذي شنته حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 على جنوب إسرائيل، لم يكتفِ العديد من السياسيين الإسرائيليين بالسعي إلى هزيمة حماس بالكامل، بل اعتبروا سكان غزة، الذين يزيد عددهم عن مليوني نسمة، عدوا يجب إزالته.
ولم يكن إخلاء قطاع غزة سياسة نتنياهو الرسمية ولا سياسة الجيش الإسرائيلي، لكن خطاب العديد من المسؤولين الإسرائيليين البارزين الداعي إلى التطهير العرقي الفعلي لغزة كان محوريًا في قضية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل التي تنظر فيها محكمة العدل الدولية، أعلى محكمة في الأمم المتحدة.
وقد أُعيد طرح هذه الدعوات في مؤتمر لليمين المتطرف عقد يوم الثلاثاء في الكنيست، حيث تحدث المشاركون عن غزة كموقع مثالي لتخفيف أزمة السكن في إسرائيل، كما فعلت مستوطنات الضفة الغربية منذ فترة طويلة، وحثّوا على عودة المستوطنين اليهود إلى القطاع.
وقال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الشخصية اليمينية المتطرفة البارزة في ائتلاف نتنياهو، في المؤتمر الذي حمل عنوان “ريفييرا غزة – من الرؤية إلى الواقع”: “سنحتل غزة ونجعلها جزءا لا يتجزأ من إسرائيل”.
ووفقا لتقارير إعلامية إسرائيلية، شملت بعض الخطط التي نوقشت إنشاء مدينتين منفصلتين في القطاع الضيق، إلى جانب منطقة سياحية تضم فنادق على شاطئ البحر ومناطق صناعية وزراعية جديدة. وصرّح سموتريتش بوجود خطط “لنقل سكان غزة إلى دول أخرى”، وأن ترامب نفسه يؤيد هذه النتيجة.
وفي يوم الخميس، استمر إيقاع الخطابات، حيث أعلن وزير التراث الإسرائيلي عميخاي إلياهو، وهو سياسي يميني متطرف آخر اقترح في بداية الحرب إلقاء إحدى القنابل النووية الإسرائيلية على غزة، أن “غزة بأكملها ستكون يهودية”. وقال إلياهو لمحطة إذاعية، واصفا الفلسطينيين بالنازيين: “الحكومة الإسرائيلية تسابق الزمن للقضاء على غزة”. وأضاف: “الحمد لله، نحن نقضي على هذا الشر. نحن ندفع هؤلاء السكان الذين تلقّوا تعليمهم من كتاب ‘كفاحي’ إلى الانهيار”.
وانتقد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد تصريحات إلياهو، واصفا إياها بأنها “هجوم على القيم وكارثة علاقات عامة”. لكن يبدو أن اليمين المتطرف في إسرائيل غير مكترث بمثل هذه الانتقادات ومحتقر للغضب الدولي المتزايد إزاء الوضع في غزة.
وقال إلياهو في المقابلة نفسها: “لا يوجد جوع في غزة”، رافضا تقارير المجاعة باعتبارها دعاية معادية لإسرائيل. “لكننا لسنا بحاجة للقلق بشأن الجوع في القطاع. فليقلق العالم بشأنه”.
منذ انهيار وقف إطلاق النار القصير في آذار/ مارس، لم يُسمح إلا للقليل من المساعدات الإنسانية بدخول القطاع. اتهمت إسرائيل وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية بالسماح لحماس باختلاس المساعدات لأغراضها الخاصة، وفرضت قيودا على إيصال الغذاء عبر مبادرة مدعومة من الولايات المتحدة تعرف باسم “مؤسسة غزة الإنسانية”، التي لا تقدّم دعما كافيا، وتقدّم الغذاء في ظل نظام يعاني من عيوب أدت إلى مقتل فلسطينيين يائسين عزّل برصاص قوات الأمن. كتب مراسلو “واشنطن بوست”: “عندما يصل ضحايا الغارات أو القصف أو إطلاق النار الإسرائيلي إلى المستشفيات، تظهر الصور أن أجسادهم غالبا ما تكون هزيلة بشكل واضح”.
قالت راشيل كامينغز، مسؤولة مشروع غزة في منظمة “أنقذوا الأطفال الدولية”، وهي منظمة إنسانية كبرى، إن عمليات مؤسسة غزة الإنسانية “تفتقر إلى الأمان أو الكرامة للناس في أحلك أوقاتهم”. وفي حديثها من دير البلح، وسط غزة، وصفت كامينغز حالة من الحرمان التام، حيث الأسواق فارغة والخزائن خاوية. وقالت لصحيفة “واشنطن بوست” يوم الخميس: “الجميع هزيلون للغاية، منهكون، وجوههم غائرة”.
وأفاد مراسلو “واشنطن بوست”: “المستشفيات القليلة المتبقية في غزة الآن بها أجنحة للعدد المتزايد من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، والذين لا تتجاوز أجسادهم الصغيرة عرض عظامهم. يقول المسعفون إن الأطباء يعانون من الجوع لدرجة أنهم يصابون بنوبات دوار أثناء جولاتهم، والصحفيون الذين يوثقون حالاتهم غالبًا ما يكونون أضعف من أن يصلوا إلى العيادات سيرًا على الأقدام”.
ولا يزال وقف إطلاق النار بعيد المنال، حيث تضغط إسرائيل على حماس للموافقة على هدنة من شأنها إطلاق سراح الرهائن المتبقين، والسماح للجيش الإسرائيلي بالحفاظ على وجوده في جميع أنحاء غزة، وربما استئناف الأعمال العدائية في المستقبل القريب. في غيابه، حذّرت كامينغز من كارثة متسارعة تؤدي فيها إمدادات المياه المحدودة والبنية التحتية للصرف الصحي المتضررة وسوء التغذية الواسع الانتشار إلى ارتفاع حاد في عدد الوفيات.
ونقلت كامينغز الكلمات القاتمة لزميل محلي، وهو يقلب أوجه مصيبتهم: “لا أستطيع أن أتخيّل أنني سأموت جوعا بعد 21 شهرا من القصف، جميعنا نسير نحو الموت”.