اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٣٠ حزيران ٢٠٢٥
لم تكن الأربعينية 'هبة' (اسم مستعار) تتوقع أن يتحول كيس الدقيق، الذي حصلت عليه بعد انتظار طويل، إلى مصدر للذعر بدلاً من أن يكون عونًا في توفير قوت يوم أسرتها.
فبين حبات الدقيق، اكتشفت هبة أقراصًا دوائية مجهولة، كانت جزءًا من شحنة مساعدات وُزعت عبر إحدى نقاط التوزيع المرتبطة بجهات أمريكية وإسرائيلية.
وبينما كانت تستعد لاستخدام الدقيق لإعداد الخبز، لاحظت وجود تلك الأقراص، فسارعت إلى صيدلية قريبة في مدينة غزة. لكن الصدمة كانت أكبر عندما أخبرها الصيدلاني بأن ما عثرت عليه هو عقار مخدر يُعرف باسم 'أوكسيكودون' (Oxycodone)، وهو دواء شديد الخطورة، يُصرف بوصفة طبية مشددة لعلاج الآلام الحادة، ويُصنف ضمن المواد الأفيونية ذات التأثير القوي على الجهاز العصبي واحتمالية عالية للإدمان.
تبدلت دهشة الأم إلى خوف وقلق عميق، خشية أن تكون بعض الحبوب قد ذابت أو تفتت داخل الدقيق دون أن تنتبه، ما قد يعرّض أطفالها وزوجها لخطر التسمم أو الإدمان دون علمهم.
لم تجد أمامها سوى اتخاذ قرار صعب: التخلص من كامل كمية الدقيق، رغم ندرة المواد الغذائية، مفضلة سلامة أسرتها على أي شيء آخر.
ليست الحادثة الأولى
حادثة هبة لم تكن الوحيدة؛ فقد رصدت صحيفة 'فلسطين' العديد من المنشورات والتحذيرات على مواقع التواصل الاجتماعي لنشطاء فلسطينيين طالبوا السكان بفحص الدقيق جيدًا وتنقيته قبل استخدامه، بعدما تم العثور على أقراص مشابهة داخل أكياس أخرى.
واتهم عدد من النشطاء جيش الاحتلال الإسرائيلي بمحاولة دس مواد مخدرة في المساعدات الغذائية، في محاولة لتدمير المجتمع الفلسطيني من الداخل، بعد أن فشلت أدواته العسكرية والسياسية في إخضاع قطاع غزة.
في هذا السياق، أوضح الصيدلي الفلسطيني المخضرم د. ذو الفقار سويرجو، الذي يمتلك خبرة تتجاوز 38 عامًا، أن عقار 'أوكسيكودون' يصنف ضمن المواد الأفيونية المخدرة، ويُستخدم حصريًا في المستشفيات وتحت رقابة طبية صارمة لعلاج الآلام الشديدة، مثل ما بعد العمليات الجراحية المعقدة أو لدى مرضى السرطان.
وأضاف لصحيفة 'فلسطين' أن تناول هذا الدواء دون إشراف طبي يؤدي إلى الإدمان بسرعة، ويمكن أن يتحول إلى بديل خطير للمخدرات في الأوساط المجتمعية.
وأشار إلى أن العثور على هذا النوع من العقاقير داخل أكياس الدقيق المقدمة كمساعدات، يُعد جريمة خطيرة، خاصة في حال كانت الأقراص غير مغلفة أو معدّلة كيميائيًا لتذوب بسهولة داخل المادة الغذائية، ما يزيد من صعوبة اكتشافها ويرفع مستوى التهديد على الصحة العامة.
ودعا سويرجو الأسر الفلسطينية إلى توعية أطفالها بخطورة هذه المواد، والتعامل معها بحذر شديد، وتسليم أي كمية يتم العثور عليها مباشرة إلى وزارة الصحة، محذرًا من أن هذه الحوادث قد تكون جزءًا من مخطط منظم يهدف إلى نشر الإدمان وضرب النسيج المجتمعي الفلسطيني، في ظل الحصار والدمار الذي يعانيه القطاع.
مصائد الموت
بدوره، أصدر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بيانًا أكد فيه العثور على أقراص 'أوكسيكودون' داخل عدة أكياس دقيق وُزعت عبر مراكز تُعرف باسم 'المساعدات الأمريكية–الإسرائيلية'، واصفًا هذه المراكز بـ 'مصايد الموت'.
وأكد البيان توثيق أربع حالات لمواطنين عثروا على الأقراص المخدرة داخل أكياس الدقيق، محذرًا من احتمال أن تكون بعض تلك الأقراص قد طُحنت أو ذابت عمدًا داخل الدقيق لتنتقل إلى الطعام بشكل يصعب اكتشافه.
وحمل البيان الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة، معتبرًا أنها محاولة خبيثة لضرب المجتمع الفلسطيني في عمقه، وزرع بذور الإدمان وسط شعب يعاني أصلًا من الحصار والمجاعة والدمار.
ودعا البيان المواطنين إلى فحص أي مساعدات تصلهم من هذه المراكز المشبوهة، وطالب المؤسسات الدولية، وخاصة الأمم المتحدة، بفتح تحقيق فوري وإغلاق تلك المراكز التي وصفها بأنها تسببت بمقتل 549 شهيدًا خلال شهر واحد، بسبب تداعيات مختلفة، من بينها ما سماه 'المساعدات المسمومة'.
في قلب مجزرة مستمرة
تأتي هذه التطورات في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي العنيف على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي أسفر حتى الآن عن سقوط أكثر من 189 ألف شهيد وجريح، أغلبهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، ومئات الآلاف من النازحين.
ويواجه سكان غزة أوضاعًا إنسانية كارثية غير مسبوقة، تشمل نقصًا حادًا في الغذاء والماء والدواء، ودمارًا شبه كامل للبنية التحتية، وانتشارًا واسعًا للمجاعة والأوبئة التي تهدد حياة أكثر من مليوني إنسان محاصر في القطاع.