اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٢ تشرين الثاني ٢٠٢٥
نعق ناعق السجن بصوته الصباحي المشؤوم:
– إسلام حامد 'بوسطة شاباك'. (أي مقابلة مع المخابرات).
أن يُفتتح صباح الأسير بهذا النداء يعني أن جبلًا سقط على صدره. فـ'البوسطة' ليست انتقالًا بين السجون، بل رحلة عذاب طويلة بين جحيمين؛ جحيم السجن وجحيم الطريق. يتذكّر الأسير أصوات القيود وصفعات 'النحشون' وضحكاتهم المريضة وهم يتفنّنون في إذلاله.
تُفتح طاقة صغيرة أسفل الباب، تمتد يداه لتُقيَّد، ثم يُفتح الباب ليُجرّ بعنف، يُعصّب عينيه، وتُقيّد قدماه، ويتلقّى صفعة أو ركلة كلما تعثّر. يُجبر على السير مطأطئ الرأس، منحني الجسد في مشهد لا يشبه سوى طقوس إذلال مقيتة ممنهجة.
إسلام المحكوم بالمؤبد منذ أكثر من ربع قرن لا يرى في هذه الرحلة سوى زيادة في الألم. فبعد عزله الانفرادي منذ بداية الحرب على غزة بتهمة 'التحريض' – لأنهم رأوا في ابتسامته تحريضًا! – صار يعيش أضعاف العذاب. ومع ذلك، بقي حاضر البسمة، طيب الحضور بين رفاقه، رمزًا لصبر لا ينكسر.
ينتظر ساعتين في قفصٍ حديديٍّ بارد حتى تصل 'البوسطة' الثقيلة، هيكل معدني كئيب يحوي أرواحًا أرهقها القهر. يتساءل في نفسه: ماذا يريد الشاباك؟ هل هناك شيء جديد؟ أم مجرد عبثٍ ولذة في الإذلال؟
تصل الحافلة، يُنادى بالأسماء، وكل من يسمع اسمه يتغيّر لونه كمن يساق إلى المشنقة. يفتشونه بخشونة ويقذفونه داخل الصندوق الحديدي كمتاع لا قيمة له. تتحرك البوسطة، تصدم الحجارة، فتهتز الأجساد ويغلي ما في البطون، وتغيب الأنفاس في زوايا الحديد المغلقة.
بعد ساعة يتوقفون في سجن جلبوع لتبادل 'البضائع البشرية'، ثم إلى هدريم فالرملة. عند المساء تُفتح الأبواب ليُسحبوا بالركلات والصفعات إلى زنازين عارية إلا من أسرّة الحديد ومرحاض قذر. لا طعام ولا غطاء، والبرد ينهش أجسادهم. يتكوّمون على بعضهم يلتمسون دفئًا أو غفوة قصيرة تنسيهم وجع السفر.
صباحًا سيُساقون إلى أقفاص 'معبار الرملة' حيث يُحشر المعذّبون وتُجّهّزهم لقوافل البوسطات العتيدة؛ كلٌّ إلى مقصده: محمّة أو نقل إلى سجن آخر أو مقابلة هذا 'الشاباك العظيم!'
ومن الأقفاص دفعوا بإسلام إلى هودج البوسطة من جديد، وطارت بهم إلى حيث سجن 'عوفر' المقام على أرض مغتصبة قرب رام الله على أراضي مدينة بيتونيا؛ تفتيش ثم قفص من جديد. شمس الخريف الصباحية تبدّد بقايا البرد والبرودة التي خزّنتها الليلة الماضية.
عصرًا لعلع اسمه في ذاك الفضاء الملبّد بالحقد وروح الانتقام؛ دفعوه إلى مكان للتفتيش العاري المهين، ومن تلك اللحظة التي ينفصل هذا الإنسان بها عن روحه العزيزة الكريمة، جعلوه محطّ ترهاتهم وتعقيداتهم النفسية البغيضة. من هناك إلى غرفة زاهية يتباهى فيها شابّ من عالم آخر. نظر إلى إسلام نظرةً طويلة ضخّت ما فيها من كبرياء وغطرسة، ثم نعق:
• أنت في عزلك لم تسمع آخر الأخبار. ستستمع لها مني مباشرة؛ ماذا تتوقّع؟ أخبارًا جديدة و'فرش' طازجة؟
• ………
• لا تتوقّع شيئًا؟
• حسنًا، ماذا عن الصفقة؟
• لقد تمت الصفقة. أنتم في السجون باقون معنا. لقد باعوكم جماعتكم.
ارتفع الأدرينالين ودفع بكل قوته؛ ليس لأثر الخبر ووقعه في قلبه، وإنما لحجم الإغاظة التي ينبغي لإسلام أن يردّها على هذا الذي يبدع بهذه الطريقة الماجنة.
ابتسم إسلام ابتسامته العذبة، بكل هدوء وتلذّذ، وإلقاء كلمات صاعقة حارقة تقذف حمم الغيظ، هتف:
• نحن لا نرجو ولا ننتظر إلا أمر الله؛ كما لا ينزل المطر إلا بأمر الله، لا يأتي الفرج إلا بأمره.
قطب 'الشاباك' جبينه وزعق:
• خذوه عن وجهي! انقلع! روح خمّج في السجن.
• الحمد لله على كلّ حال؛ نحن لها، طالت أم قصرت، بإذن الله.
غمز 'الشاباك' الجنود للكيل له المزيد من التنكيل والتعذيب.

























































