اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٦ أب ٢٠٢٥
تتقاطع قراءات الخبراء في التأكيد أن تصريحات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الأخيرة بشأن 'إسرائيل الكبرى' تكشف عن مشروع سياسي وأيديولوجي متكامل، يتجاوز الأبعاد الخطابية إلى خطوات عملية على الأرض. فالحرب على غزة وما رافقها من تهجير قسري وتدمير شامل للبنية التحتية، ليست مجرد تداعيات عرضية للصراع، بل جزء من مسار مدروس يهدف إلى إعادة تشكيل الخريطة الديمغرافية والسياسية في فلسطين، وفرض واقع جديد يخدم المخططات التوسعية الإسرائيلية.
ويرى محللان أن هذه التصريحات جاءت في لحظة سياسية حساسة، مع تصاعد نفوذ اليمين المتطرف داخل حكومة الاحتلال، واستفادة نتنياهو من الانشغال الدولي والانقسام العربي، ما يتيح له توظيف الخطاب العقائدي لترسيخ سلطته داخليا، والمضي في تنفيذ سياسات الضم والتهجير دون خشية من ردع فعلي، الأمر الذي يشكل تهديدًا مباشرًا ليس فقط للقضية الفلسطينية، بل للأمن والاستقرار الإقليمي بأسره.
وكشفت تصريحات نتنياهو -المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية- الأخيرة، إيمانه بـ'إسرائيل الكبرى' إذ وصف تحقيقها بـ'المهمة التاريخية والروحية'.
جاء هذا الإعلان الصريح، في حوار تلفزيوني، بعد تصاعد نفوذ اليمين المتطرف في حكومته وتصويت الكنيست على مقترح ضم الضفة الغربية.
ويرتبط مفهوم 'إسرائيل الكبرى'، الذي تروج له أوساط إسرائيلية مستندة لتفسيرات توراتية، بخرائط تضم فلسطين والأردن وأجزاء كبيرة من سوريا والعراق ومصر والخليج. ويعزز العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، بما فيه من قتل وتجويع وتدمير ممنهج، مخاوف عربية من تنفيذ هذا المشروع على الأرض.
إعادة تشكيل خريطة المنطقة
وأكد أستاذ الإعلام والمحلل السياسي أحمد رفيق عوض أن ما يجري في غزة يتجاوز كونه عدوانًا عسكريا محدود الأهداف، ليشكل جزءا من عملية أوسع تستهدف إعادة تشكيل الخريطة الديمغرافية والسياسية في فلسطين.
وأوضح عوض لـ'فلسطين' أن التهجير القسري من شمال القطاع إلى جنوبه، والتدمير الممنهج للبنية التحتية والمنازل، ليسا نتائج جانبية للحرب، بل خطوات مدروسة لخلق فراغ سكاني وأمني يمنع عودة السكان، ويمهد لتنفيذ مخططات أيديولوجية قديمة، وفي مقدمتها مشروع ما يعرف بـ'إسرائيل الكبرى'.
وأشار عوض إلى أن فكرة 'إسرائيل الكبرى' ليست وليدة اللحظة، بل تعود جذورها إلى تزاوج الأيديولوجيا الصهيونية السياسية مع تفسيرات توراتية مؤولة بما يخدم المشروع الاستيطاني. فمنذ بدايات الحركة الصهيونية، ظهرت خرائط متخيلة تضم كامل فلسطين التاريخية وأجزاء من الأردن وسوريا ولبنان ومصر والعراق والخليج، وظلت هذه الخرائط حاضرة في الأدبيات السياسية والتعليمية الإسرائيلية، حتى وإن تم تغليفها أحيانا بخطاب براغماتي.
ولفت عوض إلى أن خطورة تصريحات نتنياهو الأخيرة تكمن في أنها كسرت حالة الغموض التي كانت تحيط بهذا المشروع، إذ لم يعد يكتفي بالضم التدريجي للأراضي، بل يعلن صراحة أن ما يقوم به في غزة والضفة هو جزء من 'مهمة تاريخية وروحية'.
وأضاف أن هذا الخطاب العقائدي، في ظل حكومة يهيمن عليها اليمين الديني المتطرف، يعني أن المسافة بين الفكرة والتنفيذ باتت أضعف من أي وقت مضى.
وحذّر عوض من أن هذا التوجه يمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي العربي، لأنه يتجاوز حدود القضية الفلسطينية ليطال خرائط دول مستقلة ذات سيادة.
وأكد أنه في حال غياب استراتيجية عربية ودولية واضحة وفعّالة لمواجهة هذا المشروع، فإن المنطقة قد تشهد خلال سنوات قليلة تغيرات جذرية في جغرافيتها وميزان القوى فيها، مضيفا أن هذا السيناريو ليس افتراضيا، بل مسار مدروس يستفيد من حالة الانقسام العربي وانشغال العالم بأزمات أخرى.
ضغوط متزايدة
فيما يرى الخبير في الشأن الإسرائيلي وديع أبو نصار في حديثه لصحيفة 'فلسطين' أن تصريحات نتنياهو الأخيرة حول 'إسرائيل الكبرى' لا يمكن فصلها عن السياق السياسي الداخلي في (إسرائيل).
وقال: 'يواجه نتنياهو ضغوطا متزايدة من شركائه في الائتلاف الحكومي، خاصة قادة اليمين الديني والقومي المتطرف مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. هذه القوى المتطرفة تدفع باتجاه تبني سياسات أكثر تشددا، ليس فقط في غزة، بل أيضا في الضفة الغربية والقدس، من خلال تسريع وتيرة الاستيطان والمضي قدما في خطوات الضم الفعلي للأراضي الفلسطينية.
ويشير إلى أن نتنياهو يوظف الخطاب العقائدي لتأمين بقائه في الحكم، ولضمان ولاء هذه القوى التي تمثل العمود الفقري لتحالفه الحكومي. فهو يدرك، بحسب أبو نصار، أن أي تراجع عن خطاب 'المهمة التاريخية' قد يكلفه منصبه، في ظل تحالف قائم على أرضية أيديولوجية متطرفة. كما يستفيد نتنياهو من صعود اليمين الديني والقومي داخل المجتمع الإسرائيلي، حيث تتزايد شعبية الطروحات المتشددة على حساب التيارات الليبرالية واليسارية، الأمر الذي يمنحه غطاءً شعبيًا لمواصلة سياساته.
وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، يرى أبو نصار أن تصريحات نتنياهو تأتي في توقيت يشهد انشغال العالم بأزمات متعددة، من الحرب في أوكرانيا إلى التوترات في آسيا وأفريقيا، ما يمنحه مساحة أوسع للتحرك دون مواجهة ضغوط حقيقية.
ويضيف أن ردود الفعل الدولية تجاه هذه التصريحات ما تزال محصورة في بيانات شجب وانتقاد شكلية، بينما يستمر الحليف الأمريكي في توفير الغطاء السياسي والدعم العسكري والمالي لـ(إسرائيل). أما المواقف الأوروبية، فعلى الرغم من انتقاداتها العلنية، فإنها تفتقر إلى أي إجراءات عملية قادرة على ردع (إسرائيل) عن المضي في مخططاتها.
إقليميا، يوضح أبو نصار أن هذه التصريحات تشكل اختبارا لمتانة الموقف العربي، مشيرا إلى أن بيانات الإدانة التي صدرت عن الجامعة العربية وعدد من الدول العربية تعكس موقفا سياسيا غاضبا، لكنها تظل ردود فعل آنية لا ترتقي إلى مستوى استراتيجية موحدة للتعامل مع التصعيد الإسرائيلي.
ويرى أن غياب هذه الاستراتيجية يفتح الباب أمام (إسرائيل) لتكريس سياسات الضم والتهجير، ويعزز قناعة قيادتها بأن مشروع 'إسرائيل الكبرى' يمكن أن يتحول إلى واقع على الأرض إذا استمرت الظروف الراهنة دون تغيير.
ويختتم أبو نصار تحليله بالتأكيد على أن الجمع بين السياق الداخلي المأزوم في (إسرائيل)، والدعم أو الصمت الخارجي، يشكل بيئة مثالية لنتنياهو وحلفائه لتسريع خطواتهم نحو إعادة رسم الجغرافيا السياسية في المنطقة، في خطوة لا تهدد القضية الفلسطينية وحدها، بل تمس استقرار الإقليم بأكمله.