اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١١ تموز ٢٠٢٥
تعيش مفاوضات التهدئة الجارية في الدوحة حالةً من التقلّب والتوتّر، تعكس تعقيدات المشهد السياسي والعسكري في غزة، وسط ضغوط أميركية، وتلكؤ إسرائيلي، وإصرار فلسطيني على ضمانات واضحة. فاللقاءات المكوكية بين واشنطن وتل أبيب والدوحة، وإنْ أحرزت تقدماً شكلياً، إلا أنها لم تحسم جوهر النزاع المرتبط بمصير الحرب والانسحاب من غزة، وهو ما يجعل التهدئة المحتملة أقرب إلى التجميد المؤقت للنار من كونها اتفاقاً سياسياً دائماً.
منذ أسابيع، تضغط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإبرام اتفاق هدنة، تسوّقه على أنه 'إنجاز سياسي' في عام انتخابي حاسم. لكن المفاوضات الجارية ما تزال تفتقر إلى الأساس الصلب؛ إذ إن الوعود الأميركية للفصائل الفلسطينية تظل شفهية وغير مكتوبة، ما يضعف أي التزام دولي ويُبقي التفاهمات عرضة للانهيار عند أول انتكاسة ميدانية أو مناورة إسرائيلية. وهذا ما دفع مصادر مصرية إلى التحذير من هشاشة الاتفاق، ما لم يُترجم إلى ضمانات ملموسة، تضمن وقفاً فعلياً ومستداماً لإطلاق النار، لا مجرد هدنة مؤقتة محكومة بالحسابات التكتيكية.
في المقابل، لا تزال 'إسرائيل' تراوغ في تقديم خريطة طريق واضحة لإنهاء الحرب. فرغم التعديلات التي أدخلتها على خرائط الانسحاب، والتي جاءت بعد رفض أميركي وقطري لخطة الانسحاب الأولى، إلا أن هذه التعديلات لم تحسم بعد قضية 'محور موراغ'، وهي منطقة استراتيجية تفصل جنوب القطاع عن وسطه، وتُعدّ من وجهة نظر تل أبيب حاجزاً أمنياً أساسياً لمنع تهريب الأسلحة. ومع ذلك، تصرّ حركة 'حماس' على انسحاب إسرائيلي كامل من هذا المحور، في مسعى لإعادة التموضع داخل رفح وتثبيت حضورها الميداني.
وتأتي هذه المعركة التفاوضية في ظلّ معادلات داخلية معقّدة يعيشها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يُحاصر داخلياً من اليمين المتطرف الرافض لأي تنازل، ويُواجه في الوقت نفسه ضغوطاً أمريكية للتوصل إلى اتفاق، مع ارتفاع منسوب الغضب والتململ داخل الشارع الإسرائيلي جراء ضربات المقاومة وعملياتها النوعية، التي تستمر في تعميق المأزق الإسرائيلي وإضعاف إمكانية الحسم العسكري والاحتلال الشامل للقطاع. وفي هذا السياق، كشفت مصادر عبرية عن اجتماع ثلاثي في الدوحة، ضم مسؤولين إسرائيليين وأميركيين وقطريين، وصفته بـ'المتوتر'، بعدما هدد القطريون بانهيار المحادثات، في حال استمرت تل أبيب بالمماطلة.
أما من الجانب الأميركي، فتبدو إدارة ترامب حريصة على تسويق أي اختراق في المفاوضات، ولو كان شكلياً، خاصة أنها تُدرك أن صبر الحلفاء الإقليميين آخذ في النفاد، بينما تتزايد الضغوط الداخلية نتيجة تعثّر المفاوضات وتفاقم الوضع الإنساني في غزة. ويظهر ذلك في الدعوة التي وجّهها البيت الأبيض لعائلات الأسرى الإسرائيليين، والتي جاءت على خلفية تنامي السخط الشعبي في 'إسرائيل' حيال إخفاق الحكومة في حسم الحرب أو إعادة الأسرى.
اللافت للنظر في هذه الجولة من المفاوضات هو محاولة 'إسرائيل' طرح مشاريع سياسية وأمنية، تتجاوز وقف إطلاق النار، وتستهدف تقويض حكم 'حماس' في غزة. فخطة تل أبيب الجديدة تتضمن إقامة 'منطقة إنسانية' في رفح، ونقاط تفتيش لمراقبة حركة السكان، وتوزيع مساعدات بمعزل عن الآليات أو القنوات الأخرى كالأونروا أو المظمات الدولية أو الجهات المحلية. كما تهدف إلى إنشاء 'منطقة خضراء' تُسوَّق باعتبارها آمنة، في محاولة لإيجاد واقع بديل داخل القطاع، وهو ما يشي بأن 'إسرائيل' ترى في التهدئة فرصة لإعادة تشكيل الخارطة السياسية في غزة، لا مجرد خطوة نحو التسوية الدائمة.
رغم هذه المحاولات، فإن المشهد ما يزال يراوح مكانه. فـ'إسرائيل' لا تملك رفاهية الاستمرار في حرب استنزاف طويلة، وحركة حماس تدرك أن أي تهدئة من دون انسحاب شامل سيُعد فشلاً استراتيجياً قد يتم تسويقه كهزيمة سياسية وميدانية، بينما واشنطن تسعى لتسجيل 'إنجاز' سريع، دون الدخول في تعقيدات الصراع الطويل.
في المحصلة، يبدو أن مفاوضات الدوحة مرشحة للاستمرار، وربما التصعيد، ما لم تُترجم التعهدات إلى اتفاق مكتوب، بضمانات دولية وإقليمية. فخلاف ذلك، ستظل الهدنة مجرّد فاصل هشّ بين جولتين من نار.
إدارة المعركة في غزة بين عقليتين.. عقلية ضابط المدرعات، وعقلية ضابط المشاة
منذ تسلم رئيس هيئة أركان جيش العدو، الفريق إيال زامر' القادم من سلاح الدروع، مهمة رئاسة الأركان، وتشغيل القدرات، قلنا أنه محكوم بعقلية ضباط المدرعات، التي ترى وتعتقد أنها تحمل مطرقة ثقيلة للتعامل مع المواقف التعوبية، وصعوبات الميدان، فهم ــ ضباط الدروع ــ يرون المشاكل على صورة مسامير، يمكن التخلص منها عبر الطرق على رأسها! ورائدهم وموجههم في أفعالهم وإجراءاتهم؛ أن ما لا يتم بالقوة، يمكن إنجازه بمزيد من القوة! لذلك تراهم ــ ضباط الدروع ـــ (يدقون) رؤوسم في المشكلة، مستخدمين نفس الأدوات، والإجراءات، علّهم يحلون مشكلها، ويخرجون منها مكللين بغار النصر!
في المقابل، فإن ضباط سلاح المشاة، يتمتعون بعقلية أكثر مرونة، وقدرات أكثر تطابقاً مع الواقع، وبحس جمعي يستطيعون من خلاله رؤية كامل المشهد، لذلك لا يقاربون المشكلة (إقرأ الموقف) إن تعذر حلها مرة، لا يقاربونها بنفس الأدوات، أو طرق العمل ذاتها مرة أخرى، فتراهم مرة يحاولون حلها بكمين، وأخرى بإغارة، فإن تعذر؛ سيطروا عليها بالنار والنظر، مانعين الموقف من التطور، وحاصرين المشكلة، شكلا ًومضموناً في أضيق نطاق جغرافي إلى حين توفر أسباب حلها، فتقل في صفوفهم الخسائر، ويخرجون ـــ في العادة ــ من الموقف في أسرع وقت وبأقل الأكلاف.
والمراقب للموقف في غزة منذ تسلم 'زامير' من ' هاليفي' يرى أن خسائر الأول في العتاد والأرواح يفوق خسائر سلفه بمرات. وما هذا إلّا لطبيعة تفكير كلاً من الرجلين، والخلفية المهنية التي جاؤوا منها، ورؤيتهم لكيفية تشغيل القدرات.
على خلفية كمين بيت حانون الذي وقع في 07 07 2025 ، والذي كبد فيه المجاهدون العدو خمسة قتلى وما يزيد عن عشرة جرحى؛ تأتي هذه الورقة لتعرض مقارنة سريعة بين عقلية ضباط سلاح الدروع، ونظرائهم من سلاح المشاة، وخصائص كل منهم، وكيف يقاربون المواقف ويتعاملون معها.
ثانياً: عقلية ضابط المشاة:
يتميز ضباط المشاة، بمجموعة من الصفات والميزات الشخصية والمهنية التي تجعلهم يقاربون المواقف التعبوية بطرق عمل مغايرة لما يقاربه نظراؤهم من الضباط في سلاح الدروع مثلاً، أو سلاح الجو والبحرية، ومن أهم هذه السمات ما يأتي:
1. إيلاء العامل البشري أهمية كبيرة:
فأفراد سلاح المشاة، قريبون من بعضهم البعض، يقاتلون كتفاً إلى كتفي، يرون تطور الموقف، ويتعاملون مع تعقيداته عن قرب، ويرون ضعف أحدهم، ضعفاً للجميع، يسيرون معاً، وينامون ويأكلون في حيز جغرافي واحد، لذلك يهتم بعضهم ببعض، على اعتبار أن نقطة ضعفهم، ومكمن ضررهم، يكمن في أضعفهم، لذلك يحرصون على تقوية بعضهم بعضاً، وستر مكامن ضرر المجموع، عبر ستر وتغطية مكامن ضرر الفرد.
2. قربهم من الأرض وفهمهم لها:
فهم يسيرون عليها بأقدامهم، ويعلو غبارها وجوههم، يعرفون كل تلة فيها وخلّة وواد، يلامسوها بأجسادهم، تحدثهم ويحدثونها، ويرون في هذه المعرفة، العامل الأهم في التغلب عليهاــ على الأرض ــ ، وقهر عقباتها، والاستفادة مما تقدمه من فرص، لا يُضيعون الوقت في محاولة قهرها، وإنما يبذلون الجهد في التماهي معها، واجتراح الحلول لعقباتها، ولا ( يدقون ) الرأس في صخورها، وإنما يبحثون عن سبل السير فيها، بهدوء وسلاسة، وصولاً للغاية، وتحقيقاً للهدف، وتنفيذاً للمهمة.
3. مرونة عالية:
تمكنهم من التعامل مع المواقف المتقلبة لمناطق العمليات و/ أو المسؤولية، فإن أخفقت مناورة الخرق، قد يعمدون إلى العمل الجبهي، وإن تعذر هذا، فالإحاطة والإلتفاف متاح ممكن التنفيذ، أدواتهم خفيفة، وأجسامهم نحيلة، مما يعني سرعة في الأداء، ومرونة في الاستجابة لمستجدات الميدان، وساحة الاشتباك والاحتكاك.
4. الرؤية التفصيلية للموقف:
فهم منتشرون في كامل منطقة المسؤولية و/ أو العمليات، يرونها بكامل تفاصيلها، بأعينهم هم، لا بأعين غيرهم وما توفره لهم قدرات السيطرة والمراقبة من معلومات، يفحصون دقة وموثوقية ما يصلهم من معلومات ومعطيات بأبصارهم، فهم الأقرب للعدو، والأقدر على معرفة التهديد والمخاطر الناتجة عنه، لذلك يرون الموقف، ويبنون عنه صورة أقرب ما تكون إلى الواقع، بعكس ما قد تراه باقي قدات السطع الجوي أو السيطرة الالكترونية.
5. عدم الاستخاف بالعدو:
إن من دواعي الاستخفاف بالعدو؛ الشعور بمستوى أفضل من الحماية والحراسة والتأمين، وامتلاك قدرات اشتباك مع العدو خارج ناره المؤثرة وبعيداً عنها، لذلك فإن قربهم ــ عناصر المشاة ــ من العدو، ومناورتهم ضمن المدى القاتل لأسلحته، والتدريع الخفيف الذي يملكونه، يجعلهم لا يستخفون بالعدو، وبما يملك من قدرات، لذلك تقل فيهم الخسائر والإصابات.
ثالثاً: عقلية ضابط الدروع:
أما عن ضابط الدروع، فيمكن اختصار أهم ما يتميز به من صفات وميزات شخصية وفنية، على النحو الآتي:
1. بطء في التأقلم مع المحيط:
هم في توصيفهم المهني؛ قدرات دعم قتالي، يأتون لمضاعفة قوة، أو إسناد مناورة، ثم ينسحبون، ولا يرون أن من واجبهم التأقلم مع المحيط، أو التماهي معه، فطبيعة المهمة، والقدرات تحت الإمرة، لا تساعدهم لتحقيق هذا التأقلم. فإن كان القائد العام للقوات، والمطلوب منه التخطيط لها وتشغيلها، قادمٌ مع هذه الخلفية المهنية، فإنه سيواجه صعوبة في التأقلم مع منطقة العمليات و/ أو المسؤولية، مما ينعكس تعثراً في المناورات، وخسائر في القدرات.
2. قدرات فعل محدودة وهامش مناورة ضيق:
هو مطرقة! والباقي مسامير! والحل يكمن في الطرق على الرأس!! لكن المواقف القتالية ليست كلها (مسامير)، ولا يمكن تحقيق النصر دائماً بالطرق، فقد يؤدي كثرة الطرق إلى كسر عصى المطرقة، أو إجهاد الطارق، أو ثني (المسمار)، مع بقائه ظاهراً نافراً، عصي على القلع، مما يعني بقاء المشكلة، وعدم حلها، لتعود للظهور مرة أخرى.
3. مقاتلة الجغرافيا والأرض:
يدخل ضابط الدروع إلى منطقة العمليات و/ أو المسؤولية بأدات فعل ثقيلة، قد تحُدّ الأرض وطبيعتها من فاعليتها وكفاءتها، فيستدعي قدرات أثقل لتمهيد مسارات التقدم، ومناطق المناورة، إنه يقاتل الأرض، ويخسر كثيراً من طاقته، وجهده في جعلها مناسبة لحركة آلياته، يرى في الأرض عوارض تعيق الحركة، وتمنع التقدم، ولا يمكن التحايل عليها، بل يجب قهرها أولاً، ليقهر من فيها ثانياً، وفي هذا الفعل إضاعة للموارد، وإطالة للوقت، الذي لا يملك المقاتلون منه الكثير.
4. عدم إيلاء العامل البشري الأهمية اللازمة:
هو، وهم ــ عناصر الدروع ــ معزولين عن بعضهم البعض، في عرباتهم وآلياتهم، ويرون الخطر ليس على المجموع، وإنما على الآلية التي هم فيها، هم محصنون مدرعون بدروع تزن أطناناً، لذلك فحس الأهمية للأفراد والعامل البشري، أقل منه في حالة مقاتلو المشاة، الذين يرون الخطر على أحدهم، خطراً على المجموع.
5. الاستخفاف بالعدو:
فالعدو غير مدرع، أو درعه أقل كفاءة وجودة من دروعنا، ويمكن أن يُشتبك معه عن بعد، كما أنه ــ العدو ــ في ساحة معركة تملؤها آليات ومدرعات تسير تحت غطاء جوي، وعليه لن يجرأ على الإقتراب، فضلاً عن الاشتباك معنا، الأمر الذي يعني في المحصلة؛ عدم توقع مفاجأة، عندها تتحقق المفاجأة، وتقع الخسائر.
رابعاً: خلاصة واستنتاج:
في الخلاصة، إن عقلية الفريق' زامير' القادم من سلاح الدروع، ومن مدرسة ما لا يتم بالقوة ، يمكن أن ينجز بمزيد من القوة، والمسؤول عن تشغيل القدرات القتالية في غزة، جعلت من تشكيلاته المناورة والتي وصلت إلى قوام خمس فرق، جعلت منها كلها بلا استثناء، قوات ثقيلة، غير مرنة، تتصرف مع المعاضل التعبوية بعقلية غير ابتكارية، الأمر ــ بعد فضل الله وستره وتوفيقه ــــ الذي مكّن المقاومون في غزة من تكبيد هذه القوات خاسر يعتد بها، فضلاً عن تمكن هؤلاء المقامون من تشغيل قدرات نارية من مربعات جغرافية لصيقة لمناطق مناورة العدو، الأمر الذي إن دل فإنما يدل على كفاءة وخبرة وحرفية رجال المقاومة، الذين عرفوا عدوهم، فأعدوا واستعدوا له. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.