اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٥ تموز ٢٠٢٥
في مشهد يختصر الألم والمعاناة، جلست أم يوسف حسان، وهي سيدة في العقد الثالث من عمرها، أمام قدر صغير وضعته فوق بضع قطع من الخشب والنيلون المشتعل، تحاول إعداد ما تيسر من حساء العدس لأطفالها الأربعة. كان الأطفال يحيطون بها بأعين ذابلة ووجوه شاحبة، يرقبون بشغف إنضاج وجبتهم الأولى وربما الوحيدة لهذا اليوم.
هذا المشهد ليس استثناء، بل هو جزء من واقع يعيشه أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة، حيث تتوالى فصول المجاعة القاسية التي فرضها الحصار الإسرائيلي الخانق منذ 2 مارس/آذار 2025 بعد الإغلاق الكامل للمعابر.
بصوت متهدج ووجه تكسوه ملامح الإرهاق، قالت حسان لصحيفة 'فلسطين' : لم نتذوق الخبز منذ أكثر من أسبوع... كنا نشتري الدقيق لصناعته، أما الآن، فلا مال لدينا، وسعر الطحين بات خياليًا. زوجي بالكاد استطاع شراء القليل من العدس بخمسين شيكل لنطبخه للصغار'.
وتضيف: 'لا أعرف كيف أُطعم أطفالي الذين يتضورون جوعًا طوال اليوم. قلبي يتقطع عليهم، ولا أملك سوى الدموع أمام جوعهم وطلبهم لكسرة خبز أصبحت من الماضي. لقد أصبح الخبز حلماً بعيد المنال'.
وكان مجمع الشفاء الطبي أعلن، عن استشهاد 21 طفلا خلال 72 ساعة بفعل التجويع الذي يمارسه الاحتلال على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، في وقت تتصاعد فيه الكارثة الإنسانية في غزة إلى مستويات غير مسبوقة، وتحذر الأمم المتحدة من أن 'المجاعة تقرع كل الأبواب'.
8 كيلومترات من أجل لقمة
في مكان قريب كانت إيمان العطار، وهي أم لأربعة أطفال تجلس بجوار خيمتها، وقد بدت على وجهها الشاحب آثار الجوع والحرمان، تروي قصتها بصوت متعب: 'لا نجد الخبز، وإن وُجد فأسعاره نار. بالكاد أتمكن من شراء كيلو من الطحين في الأسبوع، ونقسمه على الأيام لنصمد. لم يتبق لدي شيء في البيت... حتى ما كنت أخزنه للأيام الصعبة نفد تمامًا'.
وتشير العطار لصحيفة 'فلسطين'، إلى أنها تضطر يوميًا للسير مسافة 8 كيلومترات ذهابًا وإيابًا إلى إحدى التكايا القليلة التي باتت تقدم الطعام في حي تل الهوى جنوب مدينة غزة، بحثًا عن مصدر طعام يسد رمق أسرته.
وتضيف: 'الخضروات مفقودة، وأسعارها إن وجدت فوق طاقة أي إنسان. خلال الأشهر الماضية كنا نعتمد على العدس، الفاصولياء، وبعض الأرز، لكنها نفدت. حتى النباتات البرية التي كنا نقتات منها أصبحت نادرة'.
أطفال على رصيف الانتظار
على الرصيف المقابل لإحدى التكايا الخيرية وسط غزة، جلست الطفلتان أمل أبو ردة (12 عامًا) ورنا عوض (10 أعوام) إلى جانب بعضهما البعض، تحمل كل منهما وعاءً بلاستيكيًا فارغًا، بانتظار أن تفتح التكية أبوابها لتقديم الطعام، لكن أبواب التكية كانت مغلقة.
كان التعب بادياً على ملامح أمل، وجهها الشاحب يكشف عن ليل طويل دون طعام، وقالت بصوت واهن: 'ما أكلتش من امبارح... خرجت أجيب أكل لإخوتي وأمي، بس التكية اليوم مسكرة. ما عناش ولا لقمة، وإخوتي جعانين'.
إلى جانبها كانت رنا تحدق في الباب المغلق بعينين ذابلتين ووجه تغزوه ملامح الهزال والوجع، قالت بخجل وكلمات متقطعة: 'كل يوم بجي لهون، بستنى الأكل... نفسي آكل خبز. بيوجعني بطني كتير، وماما ما عندها شي تطبخه إلنا. بنام وأنا جوعانة'.
والدة، رنا، كانت تقف في زاوية المكان تحاول البحث عن طعام يسد جوع أطفالها ، وتقول: 'رنا وأخوتها ما تذوقوش الحليب من شهور، ولا أي شيء طازج. كل يوم بنعيش على فضل ربنا. ما عندي شيء أطعميهم إياه. أقسم بالله إنهم بيناموا جوعانين وأنا عاجزة.'
وحذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من أن 900 ألف طفل في غزة يعانون من الجوع، منهم 70 ألف طفل دخلوا مرحلة 'سوء التغذية'.
ليس بعيداً، وقف أبو أحمد التوم، رجل خمسيني، وعلى وجهه ملامح القهر واليأس. قال بصوت مخنوق: 'إذا استمر هذا الوضع سنموت جوعًا. لا يوجد ما نأكله، حتى الفتات لم يعد موجودًا. نتضور جوعًا كل يوم، ولا نعلم إلى متى سنبقى على هذا الحال. أين ضمير العالم؟ لماذا يُترك هذا الشعب ليموت ببطء؟'
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي حرب إبادة تخللها التجويع والتدمير والتهجير القسري، وقد أسفرت حتى الآن عن استشهاد 59 ألف مواطن وإصابة 142 ألفا آخرين، في حين تعرض معظم سكان القطاع المنكوب للنزوح القسري.