اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٠ أيار ٢٠٢٥
على الرغم من استخدام جيش الاحتلال عدة وسائل لإنجاح عملية تسلل قوة إسرائيلية خاصة (مستعربين) صباح أمس في منطقة الكتيبة وسط مدينة خان يونس، من خلال التنكر بملابس نسائية، واستخدام معدات مدنية تُحاكي ما يحمله النازحون لإخفاء السلاح، وتوفير غطاء ناري لإرباك المنطقة، ونشر أوامر إخلاء لتفريغها من السكان لتسهيل تحرك القوة، إلا أن العملية فشلت في تحقيق هدفها باعتقال أحمد سرحان، الذي تنبّه لأمر القوة واشتبك معها من مسافة صفر.
وإضافة إلى الفشل الأمني والاستخباري الذي مُنيت به القوة الخاصة، ارتكبت مجازر عديدة للتغطية على انسحابها، عبر شن أكثر من 30 غارة جوية أدت إلى استشهاد 6 مواطنين، كما استخدمت الطفل محمد سرحان (12 عامًا) وأمه دروعًا بشرية في أثناء الانسحاب، وقتلت طفلًا آخر، في جرائم حرب مركبة.
وتسللت القوة، المكونة من تسعة أفراد، خلف زي نسائي، باستخدام صندوق مموّه من الخارج على هيئة أمتعة نازحين، ومن الداخل يشبه القفص، عبر حافلة صغيرة. وحسب شهود عيان، دار اشتباك مسلح بينها وبين المواطن أحمد سرحان، ما أدى إلى استشهاده، فيما نعت 'ألوية الناصر صلاح الدين' لاحقًا سرحان، وأكدت أنه 'مسؤول العمل الخاص في الألوية'. وانسحبت القوة تحت غطاء ناري من الطيران المروحي والحربي وطائرات الاستطلاع، فيما كان جسد الطفل الصغير درعها الأساسي للاختباء.
وقد أدى الفشل العملياتي إلى تخبط جيش الاحتلال في إصدار رواية واضحة للمجتمع الإسرائيلي، وسط سخط كبير في وسائل الإعلام العبرية، التي تبنّت في النهاية رواية الجيش بأن العملية كانت تهدف إلى اعتقال قيادي في المقاومة بهدف استجوابه في قضية الأسرى، لتغطية الفشل الكبير للعملية.
وشكك مراقبون ومختصون عسكريون، تحدثوا لصحيفة 'فلسطين'، في رواية جيش الاحتلال، مؤكدين أن الزعم بمحاولة اعتقال سرحان حيًّا يخفي وراءه فشلًا استخباريًا متواصلًا، خاصة في الوصول إلى أسراه.
وقال مراسل إذاعة جيش الاحتلال إن 'العملية في خان يونس تعثرت ولم تحقق هدفها الحقيقي، ولا حاجة لاغتيال شخص بتعريض قوة خاصة للخطر، إذ يمكن مهاجمته جوًّا'.
وقد نفذ الاحتلال عدة عمليات تسلل فاشلة قبل هذه، ففي يونيو/ حزيران 2024، تسللت قوة خاصة بشاحنة مدنية خلال محاولة تحرير إسرائيليين احتجزتهم المقاومة في مخيم النصيرات وسط القطاع، واستخدمت الكثافة النارية ذاتها. كما كشفت 'كتائب القسام' في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 عن تسلل قوة خاصة إلى شرق خان يونس، واشتبكت معها، ما أدى إلى مقتل ضابط برتبة عقيد وإصابة آخر، وفرار القوة تحت غطاء ناري.
انكشاف عنصر المفاجأة
ورأى الخبير العسكري د. رامي أبو زبيدة أن الفشل الأمني في عملية التسلل يعود إلى انكشاف عنصر المفاجأة، وهو الركيزة الأساسية في عمل الوحدات الخاصة، خصوصًا المستعربين، لافتًا إلى أن العملية اعتمدت على تنكر معقد وتمويه محكم (حافلة نازحين، لباس نسائي، توقيت بعد الإخلاء)، ما يدل على أن التخطيط قام على فرضية أن البيئة ستكون مخترقة بالكامل وهادئة أمنيًا.
وقال أبو زبيدة لصحيفة 'فلسطين': 'انكشاف القوة ووقوع الاشتباك خلال دقائق يدل على أحد احتمالين: إما رصد استخباري مسبق من فصائل المقاومة وتحضير كمين مضاد، أو خطأ تكتيكي من القوة المنفذة أدى إلى كشفها (سلوك مشبوه أو إخفاق أمني)'.
وأضاف أن الانسحاب تحت غطاء ناري كثيف يدل على ارتباك ميداني وفقدان السيطرة على مجريات العملية، وهو ما يشير إلى فشل عملياتي منظومي يشمل التخطيط والتمويه والتنفيذ.
وتابع: 'إذا كان الهدف تصفية سرحان، فالخيار الجوي كان الأسهل والأقل مخاطرة. لكن استخدام وحدة مستعربين يعني أن الاحتلال أراد اعتقاله حيًّا، إما لانتزاع معلومات تتعلق بملف الأسرى أو بالبنية العملياتية لقيادة المقاومة'.
وأشار إلى أن هذا الفشل يكشف عن تآكل قدرة الاحتلال على العمل الاستخباري الميداني العميق داخل القطاع، خاصة بعد أشهر من الحرب والاستنزاف المستمر لوحداته الخاصة.
وعن استخدام طفل وأمه كدروع بشرية أثناء الانسحاب، أوضح أن ذلك يعكس حالة ارتباك وخوف لدى القوة المنفذة من التعرض للإبادة، حيث وفر وجود رهائن من العائلة المستهدفة 'حصانة نسبية' من إطلاق النار.
وأكد أن هذا السلوك مخالف لقواعد الاشتباك الدولية، ويُصنّف ضمن جرائم الحرب، كونه يستغل المدنيين لتأمين انسحاب قوة عسكرية. عسكريًا، يدل ذلك على غياب خطة بديلة للانسحاب في حال الفشل، واللجوء لاستخدام المدنيين كوسيلة ضغط ميداني لحماية الجنود.
كما رأى أبو زبيدة أن استخدام الطفل يعكس استنزافًا كبيرًا في قدرات الوحدات الخاصة الإسرائيلية، التي باتت تعتمد على تكتيكات ضعيفة أخلاقيًا وعملياتيًا.
بدوره، أكد رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني 'حشد'، د. صلاح عبد العاطي، أن استهداف العائلات الفلسطينية من قبل الوحدات الخاصة التي تدخل القطاع، واستخدام المدنيين كدروع بشرية كما جرى مع عائلة سرحان، يُعدّ جريمة حرب وانتهاكًا صارخًا لقواعد القانون الدولي الإنساني، التي توفّر حماية خاصة للأطفال والنساء والمدنيين.
وقال عبد العاطي لـ'فلسطين': 'القانون الدولي يحظر استخدام المدنيين كدروع بشرية، ويحظر القتل خارج إطار القانون'، مؤكدًا أن الاحتلال ارتكب جريمة مركبة، ويجب محاسبة مرتكبيها أمام محكمة الجنايات الدولية، وأن دولة الاحتلال بهذه الجريمة تتجاوز أحكام اتفاقيات لاهاي وجنيف التي تحظر هذا السلوك.
وأشار إلى أن سياسة استخدام المدنيين دروعًا بشرية تتواصل في ظل عجز المجتمع الدولي عن وقف جرائم الإبادة، واستخدام مختلف أنواع الأسلحة المحرمة، وقتل المدنيين، وتدمير المباني في جرائم تندى لها جبين الإنسانية.
وأمس، أعلنت ألوية الناصر صلاح الدين، عن استشهاد مسؤول العمل الخاص في الألوية القائد أحمد كامل سرحان، وذلك بعد تسلّل قوة إسرائيلية خاصة إلى مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، وسط قصف إسرائيلي عنيف، ترافق مع قصف مدفعي.
وقالت الألوية في منشور عبر منصة 'تليغرام'، إن 'الشهيد سرحان خاض اشتباكاً بطولياً مع قوة خاصة صهيونية سعت لاعتقاله من منزله في خانيونس'، مؤكدة 'فشل العملية الخاصة التي سعى من خلالها العدو لاعتقال القائد أحمد سرحان'.
وأكّدت أن 'اغتيال قادة المقاومة لن يزيدنا إلّا إصراراً وصلابةً على مواصلة طريق الجهاد والمقاومة، حتى زوال ودحر الكيان الصهيوني الغاصب'، مشدّدة على أن 'جرائم العدو ومجازره ستبقى محاولات بائسة وفاشلة في فرض إرادة العدو على شعبنا وتركيعه، ولن تفلح أبداً في كسر إرادتنا وعزيمتنا، بل ستزيد من جذوة المقاومة وعنفوانها'.