اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٤ أيار ٢٠٢٥
في مشهد يعكس عمق الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، يواجه سكان حي تل الهوا، أحد أبرز أحياء مدينة غزة، أزمة عطش غير مسبوقة، بعد أن أقدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على قطع خط المياه الوحيد المغذي للقطاع، المعروف بـ'خط ميكروت'، ما فاقم معاناة أكثر من مليوني فلسطيني.
حي تل الهوا، الذي كان يومًا من أكثر الأحياء تنظيمًا، تحوّل إلى منطقة منكوبة؛ إذ يكافح السكان لتأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم اليومية من المياه، حيث يعيش معظم سكان الحي في خيام، بعدما دُمرت منازلهم خلال العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من عام وسبعة أشهر.
وفق تقرير رسمي نشرته بلدية غزة، فإن كميات المياه المتاحة للسكان تراجعت بنسبة 97% منذ بداية الحرب في أكتوبر 2023، في حين حذرت اليونيسف من أن معدل استهلاك الفرد من المياه في غزة انخفض إلى أقل من 1.5 لتر يوميًا، في حين أن الحد الأدنى المطلوب للبقاء هو 3 لترات.
شهادات من الخيام
في أحد التجمعات المؤقتة للخيام المقامة بين أنقاض المنازل في تل الهوا، التقينا الحاجة 'أم إبراهيم حسنين'، نازحة من حي الشجاعية، والتي قالت: 'منذ عدة أيام تفاقمت أزمة المياه عندنا، وبعد أن كانت عربات المياه تأتي بشكل يومي، أصبحت تأتي كل يومين أو ثلاثة، ونبقى مقطوعين بدون ماء'.
وأضافت لصحيفة 'فلسطين': 'المياه التي كانت تحضرها صهاريج المياه للمخيم كانت لا تكفي، وكنا نشتري المياه الحلوة للشرب، بالإضافة إلى تعبئة بعض الجالونات من مياه البلدية التي تأتي في أحد خطوط الشارع التي أصلحتها البلدية منذ فترة'.
وأشارت حسنين إلى أنه منذ قطع الاحتلال لخط مياه ميكروت أصبحت المياه شحيحة للغاية وصعب الحصول عليها، وهو ما انعكس على قدرتنا على استخدامها سواء للطهي أو غسل الملابس وغيرها من الاحتياجات اليومية.
ويواجه سكان حي تل الهوا، وخاصة النازحين الذين يعيشون في خيام، معاناة شديدة بسبب نقص المياه، حيث تضطر العائلات إلى الوقوف في طوابير طويلة للحصول على كميات محدودة من المياه، مما يؤثر سلبًا على النظافة الشخصية والصحة العامة، ويزيد من خطر انتشار الأمراض.
الفتى زين دغمش (13 عامًا) النازح في مخيم بملعب برشلونة، يعبر عن امتعاضه الشديد من انقطاع المياه، وهو ما يجبره على التوجه إلى أماكن بعيدة يوميًا لتعبئة جالونين من المياه لاحتياجات عائلته النازحة في المخيم.
وقال دغمش لـ'فلسطين': 'أستيقظ منذ ساعات الصباح الباكر لأجد أمي تطلب مني توفير بعض المياه، أسير في الشوارع وأحيانًا أجد بعض عربات المياه التي تعبئ للمواطنين، وأحيانًا أضطر إلى التوجه إلى أماكن بعيدة مثل مقر الدفاع المدني لتعبئة المياه منه إن توفرت هناك'.
في البيوت أيضًا
أما عبير النجار، التي تعيش في بقايا بيتها المدمر في حي تل الهوا، فتوضح أن كمية المياه التي أصبحت تصلهم في الفترة الأخيرة قليلة للغاية ولا تكفي للعيش بشكل أدمي كباقي الناس، لافتة إلى أن المشكلة الأكبر بالنسبة لها هي قدوم فصل الصيف، وهذا يعني زيادة كمية المياه التي تحتاجها.
ونبهت النجار لـ'فلسطين' إلى أن أطفالها يعانون من حساسية كبيرة تظهر على جلودهم خاصة في فصل الصيف بسبب ارتفاع درجة الحرارة، وهو ما يضطرها إلى تغسيلهم بشكل يومي للحفاظ عليهم من تفاقم الحساسية لديهم.
وتذكّر النجار أن المشكلة عندها ستتفاقم بسبب عدم توفر الأدوية الخاصة بالحساسية أو لأي مرض آخر في ظل إغلاق الاحتلال للمعابر وعدم إدخال الأدوية منذ أكثر من شهرين، كما أن الأدوية الموجودة في العيادات الحكومية والأونروا ليست ذات فعالية كبيرة، مؤكدة: 'هذه ليست حياة، هذا موت بطيء'.
وفي ظل غياب أفق سياسي للحل، دعت منظمات دولية، من بينها الصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية، إلى فتح خطوط الإمداد الإنسانية فورًا، وضمان تدفق المياه والغذاء والدواء إلى غزة دون قيد أو شرط. كما طالبت بلدية غزة المجتمع الدولي بالتحرك العاجل لوقف سياسة 'التعطيش الممنهج' التي تمارسها إسرائيل كأداة من أدوات العقاب الجماعي.
فقطع الاحتلال المياه تزامن مع الحصار الخانق على إدخال الغذاء والدواء والوقود، مما تسبب بتوقف عمل محطات التحلية ومعالجة مياه الصرف الصحي، ونتيجة لذلك بدأت تظهر أمراض مثل الإسهال والتهابات الكلى بين الأطفال وكبار السن.
شهادات سكان حي تل الهوا تكشف عن معاناة إنسانية مركبة يعيشها الغزيون في ظل الحرب والحصار وانقطاع الماء. إنها أزمة ليست فقط في الموارد، بل في الضمير العالمي الصامت، وبينما تتحدث التقارير الدولية عن أرقام، يروي المواطنون هنا فصول العطش والحاجة، في كل شربة ماء مفقودة.