اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ٢٤ أيلول ٢٠٢٥
الخليل- معا- تشهد الساحة الفلسطينية تصعيدا إسرائيليا مزدوجا يجمع بين العقوبات الاقتصادية على السلطة الفلسطينية والتوسع الاستيطاني الرعوي في الضفة الغربية، ردا على اعتراف عدد من الدول بدولة فلسطين، مع تحذيرات دولية وعربية من انعكاسات هذا التصعيد على الاستقرار الإقليمي.
العقوبات الاقتصادية.. أداة خنق مالي
تواصل إسرائيل احتجاز أموال المقاصة، الضرائب والجمارك التي تجبيها نيابة عن الفلسطينيين، وتشكل أكثر من 65% من إيرادات الموازنة الفلسطينية. هذا الاحتجاز يحرم الحكومة من مصدر دخلها الرئيسي ويؤدي إلى أزمة سيولة خانقة أعاقت دفع الرواتب وتمويل الخدمات الأساسية.
وفي الوقت نفسه، يلوّح وزير مالية حكومة الاحتلال بعدم توقيع 'رسائل الضمان' للبنوك الإسرائيلية، ما قد يشل النظام المالي ويقطع صلته بالمنظومة المصرفية الإسرائيلية. وفي هذا السياق، يقع على عاتق سلطة النقد الفلسطينية، مهمة إيجاد حلول عاجلة لضمان استقرار الجهاز المصرفي وحماية السيولة ومنع اهتزاز الثقة بالنظام البنكي.
إلى جانب ذلك، تسيطر إسرائيل على جميع المعابر البرية والحدودية. إغلاق معبر الكرامة أو تشديد القيود عليه يعزل الضفة عن العالم. شبكة الحواجز والبوابات الحديدية تعرقل حركة النقل والتجارة الداخلية، ما يزيد تكاليف الإنتاج ويرفع معدلات البطالة والفقر.
الاستيطان الرعوي: استيلاء صامت على الأرض
يتسارع التوسع الاستيطاني عبر البؤر الاستيطانية الرعوية، التي تسيطر على مساحات واسعة بذريعة تربية المواشي. وتحظى هذه البؤر بحماية الجيش وغالبا تُشرعن لاحقًا، مما يسمح لإسرائيل بالسيطرة على آلاف الدونمات بكلفة بشرية منخفضة.
هذه السيطرة تعزل القرى الفلسطينية وتمنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، وتضعف الزراعة المحلية، ما يدفع السكان نحو الهجرة القسرية ويزيد الاعتماد على الاستيراد. في المقابل، تتحول هذه الأراضي لاحقا إلى مشاريع زراعية إسرائيلية تدر أرباحا على المستوطنين.
ضغط مزدوج ونتائج عميقة
توظف إسرائيل مسارين متكاملين: العقوبات المالية لإضعاف السلطة في المدن، والاستيطان الرعوي لمصادرة الأرض وإضعاف صمود الأرياف. هذا الضغط المزدوج يخلق واقعا صعبا على الفلسطينيين، حيث تصبح السلطة عاجزة ماليا والمجتمع محاصرا مكانيا.
تحذيرات أوروبية وعربية
أصدر الاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الأوروبية، مثل إسبانيا وإيرلندا والنرويج، تحذيرات لإسرائيل من أن استمرار العقوبات يمثل 'عقابا جماعيا' مخالفا للقانون الدولي. عربيا، حذّرت السعودية والإمارات وقطر من انعكاسات الإجراءات الإسرائيلية على استقرار المنطقة، وربطت السعودية أي تقدم في التطبيع بوقف العقوبات والتوسع الاستيطاني.
الأردن الأكثر تضررا، إذ يرى في إغلاق معبر الكرامة تهديدا مباشرا لمصالحه، ويخشى من أن يؤدي الانهيار الاقتصادي في الضفة إلى تداعيات أمنية واجتماعية تمتد إلى أراضيه، فيما ترى مصر أن تصعيد الضغوط قد يشعل الوضع في المنطقة ويزيد تعقيد ملفاتها الإقليمية.
دور الحكومة الفلسطينية في مواجهة التعقيدات
من موقع مسؤوليته، يفترض برئيس الحكومة ووزرائه التوجه مباشرة إلى المواطنين عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي للمكاشفة والمصارحة بكل ما يحدث على الصعيد الاقتصادي والسياسي والأمني، وشرح التحديات القادمة التي قد تكون أشد وطأة، بما في ذلك تأثير احتجاز أموال المقاصة والقيود على المعابر والتوسع الاستيطاني. كما تعمل الحكومة على وضع خطط طوارئ مالية وتنظيمية لضمان استمرار دفع الرواتب والخدمات الأساسية، وتعزيز استقرار الجهاز المصرفي عبر سلطة النقد الفلسطينية، مع دعم القطاعات الحيوية وتشجيع الإنتاج المحلي لتخفيف أثر القيود على الحركة والتجارة.
مستقبل غامض بين الضغط والدعم
الفلسطينيون يواجهون معركة مزدوجة: من جهة المال، حيث تُخنق السلطة بالعقوبات ويعاني التجار والصناع من القيود الاقتصادية، ومن جهة الأرض، حيث تُسلب القرى والحقول عبر الاستيطان الرعوي، ما يزيد من هشاشة الاقتصاد المحلي ويضعف صمود المجتمع الفلسطيني.
وتبقى التحذيرات الدولية مفيدة فقط إذا تحولت إلى دعم مالي مباشر أو ضغط سياسي عملي على إسرائيل. وفي انتظار ذلك، يظل الفلسطينيون محاصرين بين أزمة مالية خانقة وأزمة جغرافية تهدد قدرتهم على الصمود واستمرار حياتهم الاقتصادية والاجتماعية.