اخبار فلسطين
موقع كل يوم -سما الإخبارية
نشر بتاريخ: ٢٨ أيار ٢٠٢٥
تزامنًا مع اليوم الـ 600 للحرب المتوحشة غير المنتهية علىقطاع غزة، لجأت أوساط إسرائيلية سياسية وإعلامية إلى “جرد حساب” مرحلي أبرزت فيه مثالبها، خلط الحسابات والأوراق فيها، وتفويت فرص كبيرة تخللتها. وفي الجانب الفلسطيني، أسئلة ونقاشات حيوية مفتوحة تبدو مؤجلة أو معطلة لتغليب حسابات فصائلية.
في هذه المناسبة، اختار مقر هيئة عائلات المحتجزين، في بيان رسمي، المطالبة باستقالة رئيس طاقم المفاوضات، وزير الشؤون الإستراتيجية رون درمر، لأنه منذ بداية إشغاله وظيفته لم تتقدم الصفقة، بل باتت عالقة، واتهمته بالعمل على تعطيلها عمدًا.
وجدد رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود أولمرت حملته على نتنياهو وائتلافه، واتهمهم بتوريط إسرائيل في جرائم حرب، ودفعها إلى حضيض سياسي غير مسبوق.
في حديث لشبكة “سي إن إن”،قال أولمرت، الليلة الفائتة، إن تصريحات وزراء إسرائيليين يؤيدون التجويع وحرمان ملايين الغزيين من الماء والغذاء تُعد جريمة حرب.
أولمرت، الذي قال، قبل أيام لشبكة “بي بي سي”، إن إسرائيل قريبة جدًا من اقتراف جرائم حرب، مؤيدًا اتهامات رئيس حزب “الديمقراطيين”، الجنرال في الاحتياط يائير غولان، لإسرائيل حول قتل الأطفال “من باب الهواية”، خلص إلى القول أمس: “هذه لم تعد حربًا ضد حماس الإرهابية، بل حرب على غزة”.
من جهته، قال رئيس “الحزب الدولاني” بيني غانتس، في حديث للإذاعة العبرية صباح اليوم الأربعاء، إن “حماس” حُسمت لأنها لم تعد قادرة على تنفيذ هجمة واسعة على إسرائيل كما فعلت في السابع من أكتوبر، متهمًا نتنياهو بتفضيل المصالح الفئوية على المصالح العليا، ما يفسّر مواصلة حرب بلا هدف عملي حقيقي، ودون تحديد هوية جهة ترث “حماس” سياسيًا داخل القطاع.
وركزت وسائل الإعلام العبرية على هذه المناسبة، وحاولت قراءة دلالات الواقع الراهن ضمن مراجعة وحساب مرحلي للحرب التي طالت كل الحروب الإسرائيلية، بما في ذلك حرب 1948، التي امتدت من قرار التقسيم، في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947، حتى توقيع اتفاقات الهدنة في رودوس، خلال ربيع 1949.
اختارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” لهذه المناسبة عنوانًا رئيسًا: 600 يوم وحرب على عدة جبهات قابلة للتفجر… لبنان وسوريا واليمن وغزة والضفة الغربية. كما أبرزت معاناة ذوي المحتجزين، ونشرت مقالًا على صفحتها الأولى لسيدة ابنها الجندي أسير في غزة، تقول فيه: “600 هذا ليس رقمًا. هذه حياة، وهذا موت. هذا انتظار لا نهائي دون جواب”.
كما نشرت كاريكاتيرًا يسخر من مقولة نتنياهو قبل شهور: “إننا على بعد خطوة من الانتصار”، وفيه يظهر رقم 600 والصفران إلى جانب الرقم ستة مترابطان على شكل الرقم ثمانية، وفيها دبابة إسرائيلية تدور داخل حلقة أو دائرة دون مخرج.
واختارت صحيفة “معاريف” الرقم 600 عنوانًا رئيسًا لها باللون الأسود، وقالت في العناوين الفرعية: “حتى بعد عام ونصف العام منذ ذاك السبت الأسود، لا يزال الجيش عميقًا داخل القطاع، ولجنة تحقيق رسمية لفحص كل الإخفاقات العظيمة تبدو أبعد من أي وقت مضى، وثقة الإسرائيليين بعدالة الحرب المتواصلة تنخفض تباعًا، بينما لا يزال 58 إسرائيليًا أسرى بقبضة “حماس”، والنهاية لا تظهر في الأفق”. وتتساءل بالقول: “ومع ذلك، هل هناك صفقة؟”، ويتكوف يلمح: “احتمال تقدم جوهري، قريبًا”. وتتابع: “حلم توزيع المساعدات الإنسانية تحطم: جماهير فلسطينية انقضت على الغذاء خلال توزيعه من قبل جهة أمريكية”، وتضيف: “عائلات المخطوفين: لا نصدق أننا وصلنا لهذه اللحظة المأساوية”.
في تحليله، يقول المعلق السياسي البارز في “معاريف” والقناة 12 العبرية بن كاسبيت، إنه بعد المفاجأة المروعة في السابع من أكتوبر، وبعدما أضعنا وبددنا مكاسب الحرب، وتحولنا إلى دولة منبوذة، يتضح أن الخطة الأكثر نجاحًا التي تمت بلورتها مبكرًا، في الثامن من أكتوبر، كانت أُعدّت لضمان البقاء الشخصي لرئيس الحكومة.
وتشير هذه المصادر الإسرائيلية، ضمن “جرد الحساب”، إلى الخسائر الناجمة عن الحرب، فتقول إنه، علاوة على مقتل وإصابة آلاف المدنيين والجنود، لم تنتصر إسرائيل على “حماس”، ولم تحقق هدفيها المعلنين، رغم التدمير والتهجير والنكبة التي أوقعتها في القطاع، فيما لا يزال الجيش يتعرض لخسائر في صفوفه حتى الآن.
بالتزامن،تتعرض إسرائيللنزيف دبلوماسي غير مسبوقعلى مستوى الشعوب والمجتمع المدني العالمي، بعدما باتت “دولة مصابة بالجذام”، كما تُقِرّ جهات إسرائيلية واسعة.
كما أن الحرب أشعلت من جديد الانقسامات بين معسكرين متصارعين على هوية الدولة وروحها والسيطرة والسلطة فيها، وفي هذا السياق يتهم وزراء نائب قائد الجيش سابقًا، الجنرال في الاحتياط يائير غولان، بـ”الخيانة”، بعدما قال إن “دولة عاقلة لا تقتل أطفالًا لمجرد هواية”.
وعبّرت تصريحات داخلية لرئيس “الشاباك” المسمى ديفيد زيني عن حقيقة حسابات نتنياهو وأطماعه في حرب لا تنتهي، بقوله: “إن الحرب على غزة أبدية”، ما ينم عن رغبة حكومة نتنياهو في الانتقام، ليس فقط للخسائر، بل للإهانة التي لحقت بها نتيجة “طوفان الأقصى”، في ظل ميزان قوى يميل لصالح إسرائيل مقابل “حماس” المحاصرة.
وهكذا تنعكس أيضًا أطماع المستوى السياسي، برئاسة نتنياهو، في تصريحات براك حيرام، قائد فرقة غزة في جيش الاحتلال، الذي نقلت الإذاعة العبرية، اليوم، عنه قوله في اجتماعات مغلقة مع سكان “غلاف غزة”: “إن أهل غزة سيجرون آخر قادة “حماس” في الشوارع، كما فعل الليبيون بالقذافي”.
نتنياهو، المسكون بجنون العظمة، ويرى نفسه “تشرشل الإسرائيلي”، يعاني من “أنا” متضخمة ومنتفخة أغرقها “طوفان الأقصى”، ولذا فهو مصمم على “حرب أبدية”، طمعًا في نصر مطلق ضمن حرب وجودية: إما هو أو “حماس”.
تستمر الحرب لهذا الحد، لأن نتنياهو يستفيد من ضعف الضغط الخارجي (دعم أمريكي عميق، وانتقادات أوروبية بلا عقوبات، ولا مبالاة عربية)، ومن ضعف المعارضة الداخلية غير الموحدة والمتلعثمة، وهي بلا قائد كاريزمي، ولا تطرح بديلاً سياسيًا للحكومة.
في ظل المفاوضات العالقة (بسبب رفض الاحتلال بند إنهاء الحرب)، يواصل الأمريكيون التحدث مع “حماس” مباشرة، وهناك مخاوف إسرائيلية من قرار أمريكي يفرض نهاية الحرب دون شروط، كما يوضح موقع “واينت” العبري.
بالتزامن، التقى درمر ويتكوف في واشنطن أمس. لكن حتى الآن، يبدو موقف الإدارة الأمريكية من موضوع إنهاء الحرب غير ثابت ومتذبذب، لكنه قابل للتغيير في هذا الاتجاه، فترامب يسمع ويتأثر… وعندما لا يتلقى طلبات جادة وحقيقية عربية رسمية بضرورة وقف الحرب، سيفعل ذلك، خاصة إذا ما عاد من زيارته للمنطقة بصفقات اقتصادية ضخمة، ما قد يدفعه إلى هذا الاتجاه، خصوصًا في ضوء فشل عملية توزيع “المساعدات الإنسانية” أمس.