اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٥ تشرين الثاني ٢٠٢٥
أمام خيمة نزوحه القسري وسط مدينة غزة، يغلي حازم الغرابلي (43 عاما) الماء ليطهو لأطفاله الستة بعض البقوليات، دون أن يتمكن وأسرته للشهر التاسع تواليا من تناول اللحوم أو الفواكه أو البيض أو الحليب، ضمن أصناف غذائية أساسية يمنعها الاحتلال أو يتلاعب في إدخالها.
وحتى البقوليات، يشتريها الغرابلي رغم تعطله عن العمل، وعدم استلامه أي طرد غذائي من المنظمات الدولية خلال الفترة ذاتها. وكان آخر طرد غذائي حصل عليه قبل مدة بجهود من إدارة مخيم النزوح.
ورغم دخول اتفاق وقف حرب الإبادة الجماعية حيز التنفيذ في 10 أكتوبر/تشرين الأول، فإن أوساطا دولية وفلسطينية تؤكد أن كمية المساعدات الواردة للقطاع لا تلبي الاحتياجات العاجلة للأهالي. ولا تزال ستة آلاف شاحنة إغاثية لوكالة 'أونروا' عالقة في انتظار سماح الاحتلال لها بالدخول.
ووفق تلك الأوساط، اعتمد الاحتلال التجويع سلاح حرب منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. وفي 22 أغسطس/آب 2025، أعلنت الأمم المتحدة وخبراء دوليون رسميا للمرة الأولى تفشي المجاعة على نطاق واسع في القطاع.
لكن الاحتلال يحاول التغطية على المجاعة القائمة بقناع فتات المساعدات والبضائع الشحيحة. ويتهم المكتب الإعلامي الحكومي في غزة في سلسلة بيانات، سلطات الاحتلال بـ'هندسة التجويع'، عبر التنصل في فتح جميع المعابر وإدخال الاحتياجات الحقيقية للأهالي من المساعدات الإنسانية.
ومن أبرز المواد الغذائية الحيوية التي يحظر الاحتلال إدخالها أو يحد من كمياتها وتباع بأسعار توصف بـ'الخيالية': اللحوم الحمراء والبيضاء، والأسماك، والألبان ومشتقاتها، وبيض المائدة، والمكملات الغذائية، إضافة إلى عشرات الأصناف الأخرى مثل المدعمات التي تحتاجها السيدات الحوامل والمرضى بأمراض مزمنة.
'كل اشي غالي'
'مفش لحوم ولا أسماك ولا اشي الواحد يغذي جسمه. وكل اشي غالي، لأنه ما بيدخل كتير من المعابر'، يقول الغرابلي لـ 'فلسطين أون لاين'، بينما يحيط به بعض أطفاله الذين أنهكهم التجويع.
ويحاول الرجل سد جوع أسرته عبر شراء معلبات البقوليات والتونة أو بعض الأرز الذي توفره أحيانا تكية خيرية، بينما يشاهد أبناؤه بعض الأصناف الغذائية الأساسية مرتفعة الثمن في الأسواق، دون أن يتمكنوا من شرائها.
يضيف: 'الأسعار غالية وخيالية لو بدنا نشتري مفش معنا مصاري... بنقدرش نشتريها اللحمة'. وكان الغرابلي يعمل سائق أجرة قبل حرب الإبادة، لكن الاحتلال قصف سيارته وبيته الواقع في حي الشجاعية شرق مدينة غزة.
وتعاني طفلته البالغة عامين ونصف العام، من سوء التغذية، الذي أكل جسدها، مع افتقار والدها عن توفير الحليب أو الفواكه أو ما شابه.
رفع الوزن الظاهري
بدوره، يقول الاستشاري القانوني في مجال حقوق الإنسان عبد الله شرشرة: 'الإبادة لم تتوقف! في غزة، جزء من أدوات الحصار اليوم يتمثل في السماح بدخول عدد كبير من السلع تتكون بشكل أساسي من الكاربوهيدات، والسكريات، والنشويات والمُسليات مثل (قهوة، شوكولاتة، بوظة، مكونات حلويات، جبن فاخر… إلخ)، وذلك بهدف إجبار المواطنين على تناول سلع ذات سعرات حرارية مرتفعة'.
ويوضح شرشرة عبر منشور في فيسبوك، أن هدف ذلك رفع الوزن الظاهري، وإخفاء ملامح التجويع الذي مورس على الفلسطينيين طول 700 يوم مضت.
ويروي تجربته الشخصية: 'فقدت 20 كيلو جرام من وزني، لكن وزني الآن يرتفع لأنني مجبر على تناول أطعمة ذات نسب دهون وسكريات مرتفعة! انها غير صحية، لكن هذا ما تسمح (إسرائيل) بدخوله! ولا تعوّض قيمة البروتين، ولا الفيتامينات، ولا المعادن الأساسية اللازمة لمنع سوء التغذية الحقيقي'.
ويتابع: 'إنهم يجبروننا على رفع أوزاننا بشكل ممنهج! حتى يثبتوا للأمم المتحدة أن المجاعة قد انتهت، إنهم يمنعون دخول اللحوم إلا بكميات ضئيلة جدا، بينما يغرقون الأسواق بجُبنة الموتزاريلا'.
ويصف شرشرة ذلك بأنه 'أسلوب من أساليب العنف البنيوي والعقاب الجماعي، إنه توحّش يتم من خلال مجموعة من الحيوانات البشرية المتعلمة والتي تعرف تماما ماذا تفعل'، مردفا: 'يجب أن يدرس ذلك في أدبيات الابادة الجماعية، وأن يكتب عن هذه الأساليب على نطاق واسع'.
ومنذ سريان اتفاق وقف الحرب، يبلغ المتوسط اليومي لدخول الشاحنات التجارية والمساعدات 145 شاحنة فقط، من أصل 600 شاحنة يفترض دخولها يوميا وفقا للاتفاق من ضمنها 50 شاحنة وقود ومحروقات، ما يعني أن نسبة التزام الاحتلال 24% من الكميات المفترض إدخالها، بحسب بيان سابق لـ'الإعلامي الحكومي'.
وبينما تواصل (إسرائيل) التحكم في شرايين الحياة إلى غزة، يحاول الغزيون النجاة بما يصلهم من فتات المساعدات، في مشهد تختلط فيه مظاهر الحياة بالمجاعة.

























































