اخبار فلسطين
موقع كل يوم -سي ان ان عربي
نشر بتاريخ: ٢٩ أيلول ٢٠٢٥
(CNN)-- عندما يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو بالرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في البيت الأبيض، الاثنين، سيناقشان الشرق الأوسط الذي شهد تغييرا جذريا.
يقول الرئيس الأمريكي إن التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في غزة أمر محتمل. لكن ما هو مطروح يمثل مشكلة سياسية بالنسبة لنتنياهو، وبقدر ما تغيرت المنطقة، تغير نتنياهو أيضا. إن التغيير الجذري في نهجه يجعل من الصعب للغاية التنبؤ بما سيأتي بعد ذلك.
على مدار عامين، قامت الطائرات والقوات الخاصة الإسرائيلية بمهام جريئة، وضربت أهدافا كانت تُعتبر في السابق أنه لا يمكن المساس بها، مع تحمل العواصم الإقليمية من الدوحة إلى طهران ودمشق تبعات تعهد نتنياهو بإعادة تشكيل الشرق الأوسط بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على إسرائيل.
وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، أشاد نتنياهو مفتخرا بالعمليات العسكرية الإسرائيلية.
'لقد ضربنا الحوثيين. سحقنا الجزء الأكبر من آلة حماس الإرهابية، وقمنا بشل حزب الله، وقضينا على معظم قادته وجزء كبير من ترسانته من الأسلحة، ودمرنا ترسانة الأسد في سوريا، وردعنا الميليشيات الشيعية الإيرانية في العراق، والأهم من ذلك كله وقبل كل شيء، دمرنا برامج الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية الإيرانية'.
وأضاف: 'نهضت إسرائيل من أحلك أيامها لتُحقق واحدة من أكثر الانتصارات العسكرية إثارةً في التاريخ'.
يعكس العدد المتزايد من أيام حرب إسرائيل في غزة جانبا آخر من القصة ذاتها.
فعلى مدى سنوات، اتسم نهج نتنياهو في الحرب بصراعات قصيرة ومحدودة، وخاصة في غزة. على سبيل المثال، استمرت عملية 'عمود السحاب' في عام 2012 ثمانية أيام فقط. ستكمل حرب غزة الحالية عامها الثاني في الشهر المقبل، وهي الأطول في تاريخ إسرائيل.
عندما عاد إلى السلطة في عام 2009، أعلن نتنياهو أن أحد أهدافه هو القضاء على حماس. ومن الناحية العملية، وعلى الرغم من خطابه، كان يُنظر إلى السياسة الأمنية التي ينتهجها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأطول خدمة على نطاق واسع على أنها حذرة ومقيدة نسبيا، حتى أن منافسيه السياسيين سخروا منها باعتبارها جبانة، وسخروا أيضاً من عجزه عن اتخاذ خطوات حاسمة. تحولت سنواته من الكلام الكثير إلى قرارات صغيرة.
ثم جاء السابع من أكتوبر.
بعد يومين من الهجوم الذي قادته حماس وأسفر عن مقتل أكثر من 1200 إسرائيلي، وعد نتنياهو الإسرائيليين 'بأننا سوف نغير الشرق الأوسط'. وهذه المرة، كان يعني ما قاله.
المحللون الذين توقعوا الحذر في السابق يواجهون واقعا جديدا. كان نتنياهو سابقا يتجنب الحروب الطويلة والعمليات البرية، مدركا التكلفة والربح السياسي اللذين يقودان إلى نتائج مترددة أو إلى طريق مسدود. أما الآن، فهو يُواصلها - غالبا ضد نصيحة جيشه.
عارض رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، اللواء إيال زامير، بشدة القرار الأخير بالاستيلاء على مدينة غزة، وشكك في العملية عالية الخطورة التي استهدفت قيادة حماس في قطر. لكن نتنياهو تجاهل تحذيراته.
وقال نتنياهو في مؤتمر صحفي عُقد في وقت سابق من هذا الشهر: 'منذ بداية الحرب وحتى القرارات الأخيرة، بما في ذلك إيران وقطر، وفي كل مرحلة من هذه المراحل، كان هناك دائما أشخاص في الغرفة من عارضوا أو ترددوا أو أبدوا تحفظات من نوع ما'. وأضاف: 'وهذا أمر طبيعي تماما، فهذا دورهم، وعليهم إبداء رأيهم، ولكن في النهاية، فإن من يقرر هو مجلس الوزراء'.
ويثير هذا التحول سؤالا جوهريا، يزداد أهمية مع اقتراب اجتماع البيت الأبيض: هل تغير نتنياهو بالفعل؟
بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، أصبح نتنياهو 'شخصا مختلفا تماما، خضع لتطور داخلي، مستبدلا ميوله الرافضة للمخاطرة بنهج أمني أكثر استباقية ومغامرة'، حسبما قالت مزال المعلم، مؤلفة كتاب 'شفرة نتنياهو'.
وقالت المعلم إن الانهيار الأمني في السابع من أكتوبر كان بمثابة 'جرس إنذار'.
وأضافت: 'لم يعترف بذلك، لكنه أصيب بعمى استراتيجي تام، والدرس الذي استخلصه هو أنه يجب عليه تحرير نفسه من المؤسسة الأمنية، التي لطالما أخافته بتحذيرات من وقوع خسائر من التوغلات البرية. وتوافق هذا مع روح العصر الإسرائيلي، الذي قاوم لسنوات دفع ثمن الحرب الباهظ. لقد غيره السابع من أكتوبر وغير ذلك'.
وبصفته الزعيم الأطول خدمة في إسرائيل، كان من المعروف أن نتنياهو مدفوع - جزئيا على الأقل- بالخوف: من انهيار حكومته، ومن الانتخابات، ومن تأرجح نتائج استطلاعات الرأي ضده. والآن، الخوف من محاكمته الجارية بتهم الفساد.
لقد منعه هذا الخوف من إجراء تغييرات جذرية وشاملة. بدلا من ذلك، سمح للاقتصاد الإسرائيلي بالازدهار، ونسب لنفسه الفضل في القائمة المتزايدة من عدد الدول التي ترغب في المشاركة في صناعتي التكنولوجيا والأسلحة الإسرائيليتين.
لا يمكن لنتنياهو أن يكون 'تشرشل' إسرائيل
يقول أنشيل فيفر، مراسل مجلة الإيكونوميست في إسرائيل ومؤلف كتاب 'بيبي: الحياة والأوقات المضطربة لبنيامين نتنياهو'، إن الدافع لم يتغير إطلاقا، حتى لو تغير تأثيره.
وقال: 'لطالما كان نتنياهو، ولا يزال، شديد التحفظ تجاه المخاطر. يخشى التغيير ويتمسك بالوضع الراهن'. وأضاف: 'عادة ما يتجنب الحروب والاختراقات الدبلوماسية. حتى أن اتفاقيات إبراهام فُرضت عليه من قِبل إدارة ترامب. وحرب غزة فُرضت عليه من قِبل حماس. بمجرد أن أصبحت الحرب هي الوضع الراهن، تكيف نتنياهو. لا يزال مدمنا على الوضع الراهن - لكن الآن، الوضع الراهن هو الحرب'.
ويقول فيفر إن نتنياهو لا يزال يحكمه الخوف، 'لكن الآن يخشى شركاءه في الائتلاف أكثر من أي شيء آخر'.
ويعارض حليفاه من أقصى اليمين، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، أي مفاوضات مع حماس، ويدفعان باتجاه احتلال دائم لغزة، وقد أدى تهديدهما بإسقاط الحكومة إذا انتهت الحرب قبل أوانها إلى تقييد قدرة نتنياهو في عملية اتخاذ القرارات الاستراتيجية. ويُقال إن اقتراح ترامب يعترف بالتطلعات الإقامة دولة فلسطينية، وهو أمر يعارضه الرجلان بشدة.
ومع ذلك، يعترف فيفر بحدوث تحول في الرؤية، ويقول إن نتنياهو 'في مرحلة يخشى فيها حكم التاريخ، ولن يتم تذكره كتشرشل وكمدافع عن إسرائيل. إنه في حاجة ماسة إلى إنجاز كبير يعيد كتابة التاريخ. فهو مقتنع بأن شيئا ما سيمحو في النهاية السابع من أكتوبر من ذاكرة الإسرائيليين ويُظهره كمنقذهم'.
'لكن تلك اللحظة لن تأتي'.
يشبه فيفر نتنياهو بـ'مقامر يائس، يراهن على شيء مختلف في كل مرة على أمل ترسيخ مكانته في التاريخ'. وخلص إلى أن نتنياهو كائن مُعقد، 'لذا ربما تحمل جميع النظريات بعض الحقيقة. فهو لا يزال يتجنب المخاطرة، ويخشى وقف إطلاق النار بقدر ما يخشى الحروب، رهينة ائتلافه، ورجل شديد الحذر تحول إلى مقامر يائس'.
سواءٌ أكان مدفوعا بالتطور الاستراتيجي الحقيقي أم بغرائز البقاء، فإن تحوّل نتنياهو من مدير حذر إلى مقامر إقليمي لا يزال غير مكتمل.
ربما قد تكون العمليات العسكرية على جبهات متعددة أعادت بعضا من قوة الردع الإسرائيلية، لكنها لم تُحقق بعد النصر الحاسم الذي يأمل أن يُعيد إحياء إرثه أو يضمن مستقبله السياسي.
لقد تآكل التأييد الشعبي الإسرائيلي للحرب، الذي كان ساحقا في البداية، بشكل كبير. وكذلك تراجعت شرعية إسرائيل الدولية، وسط موجات من التهديدات بفرض عقوبات والاعتراف الدولي بدولة فلسطينية.
ولا يزال مستقبل قواعد اللعبة الجريئة الجديدة لنتنياهو غير واضح قبل اجتماعه مع ترامب في البيت الأبيض. وحتى الآن، لم تبذل إدارة ترامب الكثير من الجهد لكبح جماح المساعي العسكرية الإسرائيلية ودعمت استمرار نتنياهو في حرب غزة.
لكن هذا الدعم جاء مع قيود صارمة- ومفاجئة أحيانا. ففي يونيو/حزيران، دعم ترامب الضربات الإسرائيلية على إيران خلال الهجوم الذي استمر 12 يوما، ثم أجبر إسرائيل على إعادة طائراتها المقاتلة التي كانت في طريقها للهجوم بعد إعلانه انتهاء الأعمال العدائية. طبيعة الرئيس المتقلبة تعني أن بإمكانه معارضة الخطوة التالية لإسرائيل مباشرة بعد دعمه للخطوة السابقة.
ولكن في الواقع، قد تشير التصريحات المتفائلة الأخيرة التي أدلى بها ترامب حول اتفاق وشيك لإنهاء القتال، إلى أنه قد يجبر نتنياهو قريبا على قبول الوضع الراهن الجديد - وهو الوضع الذي قد يوقف محاولة رئيس الوزراء لبناء إرث من خلال العدوان العسكري، ويجبره بدلا من ذلك على مواجهة حساباته السياسية.