اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٦ نيسان ٢٠٢٥
رحلة علاج مرهقة جسديًا وماديًا ونفسيًا خاضتها نيفين عدوان، حتى رزقها الله أخيرًا بطفلها كنان، بعد ثمانية عشر عامًا من الزواج، ليكون سندًا لشقيقاته الأربع وشقيقه المريض. لحظة رؤيتها له أنستها عذاب السنوات، وأحيت الأمل في قلبها من جديد.
نيفين، زوجة الصحفي أحمد عدوان من مدينة رفح، تزوجا قبل واحد وعشرين عامًا، ورُزقا بأربع بنات، ثم أنعم الله عليهما بولد سمّياه حكمت. لكن حكمت جاء إلى الدنيا بمعاناة صحية كبيرة اكتشفتها نيفين منذ اللحظات الأولى بعد الولادة.
تقول عدوان لصحيفة 'فلسطين': 'كانت فرحتنا عظيمة بمولود ذكر يكون سندًا لشقيقاته الأربع، لكن الفرحة لم تدم طويلًا. بمجرد عودتي للمنزل لاحظت أن الطفل غير طبيعي، فهو غير قادر على الإخراج'.
تتابع نيفين: 'عدنا فورًا إلى المستشفى، وبعد مراجعة الأطباء، اكتشفنا أن فتحة الشرج لديه مغلقة، وأن حجرات قلبه الأربع مفتوحة، لا يفصل بينها أي جدران، ما جعل وضعه الصحي حرجًا للغاية. وعندما واجهنا الطاقم الطبي الذي أجرى عملية الولادة، تبين أنهم صنّفوه مصابا بمتلازمة داون، دون أن يُبلغونا بذلك'.
تحولت الفرحة في بيت عدوان إلى حزن دائم. الطفل يحتاج إلى عدة عمليات عاجلة. أُجريت له بالفعل عمليات جراحية في غزة، ثم نُقل إلى القدس المحتلة لإجراء عملية قسطرة قلبية مع فرص نجاح ضئيلة، لكنها تكللت بالنجاح بفضل الله.
ومن هنا بدأت نيفين واقعًا جديدًا، لم تألفه رغم خبرتها الطويلة كمديرة روضة أطفال. تقول: 'شعرت بالعجز التام، فلم أتعامل يومًا مع طفل بهذه الحالة. شيئًا فشيئًا بدأت أتعلم، وتحديت مجتمعًا لا يرحم، مجتمعًا ينعت المصابين بهذه المتلازمة بأنهم متخلفون أو معاقون'.
وبعد أن بلغ حكمت الثالثة من عمره، شعرت نيفين بأن عليه أن يكون له سند، أخ يقف إلى جانبه ويحميه من قسوة نظرة المجتمع. قررت محاولة الحمل مجددًا.
توضح نيفين: 'جربنا الإنجاب الطبيعي، لكن لم يحدث الحمل. لجأنا إلى زراعة أطفال الأنابيب، فشلت محاولتان. ثم حملت أكثر من مرة بشكل طبيعي، لكن الحمل لم يكتمل. وبعد سلسلة من الفحوصات، تبين أنني أعاني من سيولة في الدم، وكان يجب أن أحقن نفسي بإبر 'هيبارين' أو 'كليكسان' يوميًا قبل وأثناء وبعد الحمل'.
ورغم الصعوبات، تحقق حلم نيفين، وحملت بطفلها 'كنان'. لكن رحلة الحمل كانت قاسية. تقول: 'كنت أعاني من نزيف دائم، ومنعني الأطباء من الحركة، فتركت عملي، ولزمت الفراش. وكانت ابنتي الكبرى في الثانوية العامة، تولت هي كل شؤون المنزل بجانب دراستها'.
مرت الشهور العصيبة، ورزقت العائلة بكنان، الطفل الذي أدخل الفرح إلى بيت عدوان، وأصبح فاكهته ورفيق شقيقه حكمت. ومع اشتداد الحرب الإسرائيلية على غزة، ازدادت معاناة الأسرة، لكن براءة كنان ولطفه كانا يخففان عنهم مرارة النزوح ونقص الغذاء والدواء.
نجت الأسرة من موت محقق أثناء قصف استهدف منزل جيرانهم في رفح. أصيبوا بجراح طفيفة وخرجوا من تحت الأنقاض، لكن نجاتهم لم تدم طويلًا.
في منزل استأجروه بخانيونس، وأثناء زيارة شقيقة أحمد عدوان وابنها، جلس الأطفال يلعبون بفرح بعد العشاء. فجأة دوى انفجار ضخم، غطاهم الدخان وملأ المكان برائحة البارود، وتساقطت الحجارة من كل اتجاه.
تحكي نيفين: 'فقدنا القدرة على الرؤية أو الحركة، كنا نصرخ وننادي حتى سمعنا الجيران، وجاءوا لإنقاذنا رغم الظلام وغياب المعدات. خرج الجميع مصابين بجروح خفيفة، إلا كنان... فقد سقط عليه حزام من الباطون ألصقه بالحائط'.
أُسعف كنان إلى المستشفى وهو بين الحياة والموت، ودخل غرفة العمليات في محاولة أخيرة لإنقاذه. وبينما كانت نيفين تبتهل إلى الله أن يحفظ 'سندها'، قطع الأطباء دعاءها بخبر قاسٍ: 'كنان قد استشهد'.
تقول نيفين بصوت مكسور: 'ربط الله على قلبي بصبر لم أكن أتوقعه، لم أصرخ، لم أجن. فقط قلت: حسبي الله ونعم الوكيل على الاحتلال الذي حرمني من طفلي، من حلمي، من سندي الذي انتظرته ثمانية عشر عامًا'.