اخبار فلسطين
موقع كل يوم -سي ان ان عربي
نشر بتاريخ: ٢٧ أب ٢٠٢٥
عمّان، الأردن (CNN)-- لم تتوانَ الشيف الأردنية ياسمين ناصر، منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في نهاية عام 2023، عن تسخير دراستها الأكاديمية وخبرتها في فنون الطهي لمساعدة الفلسطينيين داخل القطاع، على تحويل مكونات الغذاء المتوفرة إلى وصفات للنجاة ومحاربة الجوع، من خلال تقديم وصفات طعام معدة بتقنيات بسيطة، تتلاءم مع شح المواد التموينية والغذائية الأساسية هناك.
درست ناصر فنون الطهي في معهد لو كوردون بلو العالمي، الذي تأسس في باريس عام 1895. ومنذ بدايات مسيرتها، سعت إلى إضفاء قيمة إنسانية استثنائية على عملها، وهي قيمة تحولت إلى مسؤولية مضاعفة، بحسبها، مع تفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة و'حرب التجويع'، حيث برزت الحاجة إلى مزيد من الابتكار في طرق إعداد الأطعمة والحفاظ عليها، مثل طرق تنقية مياه الشرب أو إعداد الخبز كما فعلت مع بداية الحرب بمكون واحد من طحين القمح، مهما كانت جودته.
تقول ناصر لموقع CNN بالعربية: 'بدأت بهذا المسار منذ الأيام الأولى للحرب. في البداية كانت بعض المواد الأساسية متوفرة، لكن مع انقطاع خميرة الخبز مثلا في القطاع، نشرتُ فيديو يشرح كيفية تحضير الخميرة الطبيعية أو الاستغناء عنها تماما. كما عملت على تقطير مياه الشرب، خصوصًا للأطفال الرضع الذين لا يتحملون شرب مياه غير نقية. ومع قدوم فصل الصيف، قدّمت طرقًا لتبريد المياه باستخدام الفخّار والرمل. للأسف، كنت أراقب تدهور الأوضاع تدريجيًا في قطاع غزة بألم، حتى ضربت المجاعة القطاع. هنا انتقل التحدي بالنسبة لي من مرحلة ابتكار وصفات بمكونات قليلة جدا، إلى صناعة أي شيء من لا شيء'.
ويتابع الشيف الأردنية ناصر، 2.2 مليون شخص على منصة إنستغرام، ومليون متابع على منصة يوتيوب. وإلى جانب ذلك، فهي تقدم فقرات للطهي عبر شاشة قناة رؤيا المحلية، كما تستثمر خبرتها في إدارة الأعمال والتسويق لتوسيع نطاق انتشار محتواها، إلى أكبر شريحة ممكنة من سكان قطاع غزة، وفقا لها.
وتسرد الشيف ناصر للشبكة، التحديات المصاحبة لإعداد وصفة ناجحة تتلاءم مع احتياجات أهل قطاع غزة، وتقول: 'التحدي الأكبر أصبح بالنسبة لي، هو المزج بين مكونات قليلة لصناعة غذاء يشبه مأكولات مألوفة بقيت صورتها في أذهان الناس، مثل الدجاج من الطحين أو القهوة من حبوب الحمص. أحيانا قد يتجاوز الكبار عن شح الطعام، لكن حين يتعلق الأمر بالأطفال تصبح المسألة أكثر تعقيدا'.
وتوضح ناصر أن خلفيتها الأكاديمية العلمية في دراسة تقنيات الطهي وفنونه، ساعدتها كثيرًا في خوض هذه التحديات، وأضافت: 'دراسة فنون الطهي والتعامل مع المواد الغذائية، لعبت دورًا أساسيًا في ذلك. مثلاً، دجاج الطحين ليس ابتكارًا خاصًا بي، بل هو أحد أنواع اللحوم النباتية في النظام الغذائي للنباتيين. لكن التحدي كان أن أنجح في تحضيره بأقل مكونات ممكنة، اشتريت أرخص نوع طحين متوفر في الأسواق، وتأكدت أن الوصفة ستنجح مهما كانت جودته بعد عدة تجارب، لأنني لا أستطيع أن أطلب من عائلة في غزة التضحية بكيس طحين للتجربة لتذهب هباء. هذه أمانة في عنقي'.
وتتابع: 'الدجاج النباتي عادة يُحضّر من 10 مكونات، لكنني أعددته من مكونين فقط. كنت أجرّب باستمرار – مثلما فعلت مع شيبس الأرز حين اختبرت أنواعًا مختلفة منه – لأتأكد من نجاح الوصفات'.
ورغم ثقل المسؤولية واختلاط المشاعر بين الألم والدعم بالفكرة، كان التفاعل مع وصفاتها إيجابيًا، وتضيف ناصر: 'هذا جعلني أشعر بمسؤولية أكبر. أنا حزينة على الواقع، لكن صناعة الأمل في إدامة الحياة شغلتني. يكفيني أن يستفيد شخص واحد من أي طريقة. كما أن هناك جانبًا مهمًا يتعلق بالتوعية الإعلامية منذ بداية الحرب حتى اليوم. لقد تغيرت اتجاهات الرأي عالميًا، خصوصًا في أوروبا وأمريكا، نحو إدراك حقائق معاناة سكان غزة. استغرقنا وقتًا طويلًا لتغيير القناعات وإظهار الحقيقة. باعتقادي كل ما نفعله اليوم يصب في صالح رفع الوعي نحو عدالة وحق الفلسطينيين في الحياة'.
وقد أعادت العديد من الأمهات في القطاع، نشر وصفات الشيف ناصر، مثل 'لحمة العدس' و'دجاج القمح' و'شيبس الأرز'، تعبيرًا عن تقديرهن لهذه المبادرات التي تخفف من وطأة النزوح والتجويع.
وتؤكد الشيف ناصر في حديثها للشبكة، بأن فلسفتها في الطهي قامت منذ البدايات على مبدأ 'تقدير وحفظ نعمة الطعام'، وحين سُئلت عما تركته معاناة أهل قطاع غزة بسبب الحرب الإسرائيلية المستمرة من أثر على عملها، قالت: 'قبل غزة كنت حريصة دائمًا على مبدأ حفظ النعمة وتقديرها لأنها هدية من الخالق. اليوم، أصبحت أقدّر الطعام بشكل أكبر، ولم أكن أتخيل أنني سأضطر إلى إعداد وصفات بهذا القدر الضئيل من المكونات وشحها'.