عجز (إسرائيل).. هل يدفع أمريكا للحرب على إيران؟

مع عجز (إسرائيل) عن تحقيق أهدافها العسكرية، وفشلها في توجيه ضربة قاصمة للمنشآت النووية الإيرانية، إلى جانب تصاعد الضربات الإيرانية للعمق الإسرائيلي تتصاعد التساؤلات بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة ستنتقل من موقع 'الداعم الكامل' إلى شريك مباشر في ساحة الحرب.

فبينما تراهن (تل أبيب) على تدخل أميركي يُعيد لها زمام المبادرة، خصوصًا مع انزلاقها إلى حرب استنزاف طويلة لا يبدو أنها قادرة على إدارتها منفردة، يرى مراقبون أن أي تدخل أميركي محتمل لن يكون فقط لإنقاذ (إسرائيل) من مأزقها العسكري، بل لهدف أوسع يتمثل في توجيه ضربات دقيقة إلى منشآت نووية رئيسية، على رأسها موقع 'فوردو' شديد التحصين، الذي تعجز قوات الاحتلال الإسرائيلي عن استهدافه، ويُعد تحديًا تقنيًا حتى للولايات المتحدة.

وأحجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الإجابة على أسئلة الصحافيين حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تخطط لقصف إيران أو منشآتها النووية قائلا: 'ربما أفعلها، وربما لا، لا أحد يعلم ما سأفعله'. كما زعم أنه لا يسعى للقتال، لكنه أضاف 'إذا كان الخيار هو القتال أو حيازتهم قنبلة نووية، يجب أن أفعل ما يلزم. وربما لا نحتاج إلى القتال'.

في المقابل، وجهت موسكو تحذيراً لواشنطن من مغبة التدخل المباشر في الحرب، ورفض ترامب عرض الرئيس فلاديمير بوتين التوسّط في النزاع، معتبراً أن على روسيا قبل ذلك وضع حد لحربها في أوكرانيا.

السيناريو الأقرب

ويؤكد المحلل السياسي د. حسن منيمنة، أن السيناريو الأقرب إلى التحقق هو أن الولايات المتحدة ستتدخل عسكريًا عبر ضربات محددة لمواقع في إيران، إلى جانب أشكال تدخلها الحالية في دعم (إسرائيل) سياسيًا واستخباراتيًا وعسكريًا.

وقال منيمنة لـ 'فلسطين أون لاين': 'طبعًا لا يمكن الجزم بالأمر، ولكن الأقرب إلى المتوقع هو أن الولايات المتحدة سوف تتدخل بشكل مباشر لضرب مواقع في إيران، بالإضافة طبعًا إلى الأشكال المتعددة لتدخلها الحالي مساندة ودعمًا لـ(إسرائيل)، وذلك لهدفين مترابطين: الأول هو الإجهاز على المقومات الكبرى في البرنامج النووي الإيراني، ولا سيما موقع 'فوردو'، والذي تعجز (إسرائيل) عن تدميره، بل إن تدميره يشكل تحديًا تقنيًا حتى للولايات المتحدة نفسها؛ والثاني هو إرغام إيران على التوقف عن قصف (إسرائيل)، بعد أن تمكنت طهران من استيعاب الضربة الإسرائيلية، على فداحتها، وفرض واقع من الندية في القدرة على الإيلام'.

وشدد على أن 'ما لا يُعقل أميركيًا هو أن تخرج (إسرائيل) من هذه المواجهة دون أن تكون إيران قد هُزمت؛ إذ عندها يرتفع سقف المطالبات الإيرانية في التفاوض حول البرنامج النووي، ليصبح الإصرار على الاحتفاظ بالحق في التخصيب، في حين أن الولايات المتحدة تتوقع، في حال جرى إنزال الهزيمة بإيران، أن ينتقل الموضوع إلى شطب البرنامج النووي بأكمله'.

واذا ما كانت المشاركة الأمريكية يمكن أن تؤدي لحرب شاملة في المنطقة، قال منيمنة: 'المسألة تتوقف على ما إذا اعتبرت طهران أن واشنطن تجاري المسعى الإسرائيلي إلى إسقاط النظام في إيران، أو أنها تعتزم بالفعل الاقتصار على ضرب المنشآت النووية'.

وأضاف: 'إذا كان الهدف هو البرنامج النووي، فقد تعمد طهران إلى استيعاب الضربة الأميركية والاقتصاد في الرد منعًا لتدهور المواجهة. أما إذا اعتبرت أن الهدف هو فعلاً القضاء على النظام، فعندها لا داعي إيرانياً للتحفظ، بل قد تذهب طهران إلى تلغيم مضيق هرمز وضرب المواقع الأميركية على امتداد المنطقة'، وفق تقديره.

الموعد والكيفية

بدورها، رأت أستاذة العلوم السياسية د. لينا الطبال أن السؤال الحقيقي لم يعد متعلقًا بإمكانية التدخل الأمريكي، بل بموعده وكيفيته وتكلفته.

وقالت الطبال لـ 'فلسطين أون لاين': 'الولايات المتحدة، حتى الآن، تتبنى موقف 'الداعم الكامل' لـ(إسرائيل) سياسيًا وعسكريًا، دون انخراط مباشر في القتال، لكنها تُبقي على جاهزيتها الكاملة في قواعدها المنتشرة في الخليج وشرق المتوسط'.

وأضافت: أن 'التصريحات الأميركية تتحدث عن 'منع التصعيد'، لكن الواقع يتجه نحو معادلة جديدة: 'كلما اقتربت الصواريخ من (تل أبيب)، اقتربت واشنطن من خط النار'.

وبحسب الطبّال، فإن 'البيت الأبيض يراهن في هذه المرحلة على الحرب من بعيد، من خلال دعم لوجستي واستخباراتي، وتشغيل منظومات الدفاع الجوي، وتوفير غطاء دبلوماسي واسع، 'لكن ضربة إيرانية واحدة على قاعدة أميركية أو ممر ملاحي قد تغير كل شيء، وتدفع واشنطن من 'داعم' إلى 'طرف مباشر'.

وترى أن الإدارة الأميركية تفضل بطبيعة الحال التمسك بموقع 'الضامن' لا 'المنفّذ'، خشية الانزلاق إلى مواجهة إقليمية شاملة، إلا أن استهداف العمق الإسرائيلي المتواصل يزيد من الضغوط على البيت الأبيض، خاصة من قِبل اللوبيات المؤيدة لـ(إسرائيل)، والتي تدفع باتجاه تحوّل واشنطن من داعم إلى طرف فاعل'.

ووفق تقديرها، فإن التدخل الأميركي المباشر يبقى مشروطًا بعاملين اثنين: أولًا، تعرّض المصالح أو القواعد الأميركية لهجوم مباشر؛ وثانيًا، اتساع رقعة المواجهة لتشمل العراق أو سوريا أو منطقة الخليج.

واختتمت الطبال بالقول: 'نعم، (إسرائيل) التي اعتادت أن تبدأ الحروب دون استشارة أحد، قد تجرّ واشنطن إلى ساحة لم تكن مستعدة لدخولها. نعم، التدخل الأميركي وارد جدًا، لكنه سيكون نتيجة لحدث... فأميركا أيضًا لا تريد أن تخسر (إسرائيل) هذه الحرب'.

ومنذ فجر الجمعة قبل الماضية، بدأت (إسرائيل)، وبدعم ضمني من الولايات المتحدة، هجوما واسعا على إيران، سمته 'الأسد الصاعد' وقصفت خلاله منشآت نووية وعسكرية بمناطق مختلفة، واغتالت قادة عسكريين بارزين وعلماء نوويين، كما استهدفت مقار مدنية وسيادية من بينها مبنى التلفزيون الرسمي.

ومساء اليوم نفسه، بدأت إيران عملية سمتها 'الوعد الصادق-3″ للرد على هذا الهجوم بسلسلة من الضربات الصاروخية الباليستية والمسيّرات، أدت وفق المصادر الإسرائيلية حتى الآن لمقتل وإصابة مئات المستوطنين، فضلا عن أضرار مادية كبيرة طالت مباني ومركبات في (تل أبيب) وحيفا وعدد من المدن.