اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شهاب للأنباء
نشر بتاريخ: ٢٦ أب ٢٠٢٥
تقرير – شهاب
'الأخطر منذ عقود في الشرق الأوسط'، هكذا أعلنت الأمم المتحدة عبر آلية تصنيف الأمن الغذائي المتكامل (IPC) أن قطاع غزة دخل رسميًا في مرحلة المجاعة، لتصبح هذه الحالة الأولى من نوعها في المنطقة، حيث ذكرت تقارير أممية أن أكثر من نصف مليون إنسان يواجهون ظروفًا كارثية تهدد حياتهم.
هذا الإعلان المتأخر، جاء بعد أشهر من التحذيرات المتكررة والتقارير الميدانية التي رسمت صورة قاتمة للوضع الإنساني في قطاع غزة، بعدما بلغت معدلات الجوع والموت مستويات كارثية غبر مسبوقة في التاريخ الحديث.
كما يحمل الإعلان أبعادًا سياسية وقانونية عميقة، فهو بمثابة إدانة ضمنية لسلوك الاحتلال الإسرائيلي المسؤول عن منع وصول الغذاء والدواء للقطاع، ويضع المجتمع الدولي أمام اختبار جديد حول التزامه بمبادئ القانون الدولي الإنساني.
وكانت الأمم المتحدة كانت قد حذرت منذ بداية العام من 'خطر وشيك للمجاعة'، لكن الانقسامات السياسية في مجلس الأمن، وتعقيدات إيصال المساعدات في ظل الحصار والعمليات العسكرية، جعلت التحرك الدولي بطيئًا وغير كافٍ.
وشددت الأمم المتحدة على أن المجاعة في غزة كان يمكن تجنبها، لولا العرقلة الإسرائيلية الممنهجة لوصول المساعدات الإنسانية والإمدادات الغذائية إلى المدنيين المحاصرين.
وقال مسؤولون في المنظمة الدولية إن “الغذاء يتكدس على الحدود بينما يموت الناس جوعا”، معلنين تسجيل وفاة أكثر من 200 شخص نتيجة سوء التغذية، إضافة إلى وجود 55 ألف امرأة حامل ومرضع بحاجة ماسة لتغذية إضافية، وتأكيد معاناة أكثر من 12 ألف طفل من سوء التغذية في أنحاء القطاع جميعه، وسط انهيار المنظومة الصحية وأنظمة التغذية بشكل كامل.
وبحسب منظمات الإغاثة، فإن آلاف الأرواح زُهقت خلال فترة الانتظار هذه، ما يثير تساؤلات ملحة، هل كان يمكن منع الكارثة لو تحرك المجتمع الدولي في الوقت المناسب؟
شهادة إدانة واضحة
رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد)، صلاح عبد العاطي، قال إن إعلان الأمم المتحدة الرسمي لقطاع غزة منطقة مجاعة كارثية 'يؤكد حجم الجريمة الممنهجة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين ضمن سياسة حرب الإبادة الجماعية'.
وأكد عبد العاطي في حديثه لوكالة 'شهاب' للأنباء، أن التقرير الأممي الصادر عن منظمات الأمم المتحدة المختصة، والذي أوضح أن أكثر من نصف مليون إنسان مهددون بالموت جوعاً، وأن 30% من أطفال القطاع يعانون من سوء تغذية حاد، 'يُعد شهادة إدانة واضحة تكشف بشاعة الحصار والحرمان الممنهج للغذاء والدواء والوقود، وإمعان الاحتلال في استخدام التجويع كسلاح إبادة جماعية'.
وأوضح أن الإعلان الأممي هو الأول من نوعه في الشرق الأوسط والخامس في التاريخ الحديث، وكان من الممكن تجنبه لو تم فتح المعابر والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية دون عراقيل.
وشدد عبد العاطي على أن 'إصرار الاحتلال على إغلاق المعابر وتدمير أنظمة الغذاء ومصادر المياه ومنع وصول المساعدات الإنسانية، إضافة إلى عسكرة المساعدات والاعتداء على المدنيين عند نقاط توزيعها، خلق واقعاً إنسانياً مأساوياً جعل جميع سكان القطاع يعانون بدرجات مختلفة من المجاعة والحرمان'.
وطالب رئيس الهيئة الدولية 'حشد' المجتمع الدولي والأمم المتحدة والدول الموقعة على اتفاقيات جنيف واتفاقية منع الإبادة الجماعية، بـ'تحرك دولي حاسم لوقف المجاعة وحرب الإبادة فوراً، وفتح جميع المعابر دون قيود أو ابتزاز، وإدخال الغذاء والدواء والوقود والفرق الطبية لإنقاذ حياة الأطفال والنساء والمرضى'.
كما دعا عبد العاطي إلى فرض المقاطعة والعقوبات على الاحتلال 'الإسرائيلي' ومحاسبة قادته أمام المحكمة الجنائية الدولية، وتفعيل قرار 'الاتحاد من أجل السلام' في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في ضوء فشل مجلس الأمن المتكرر بتشكيل قوة حماية دولية للفلسطينيين.
وشدد عبد العاطي بالقول: 'إعلان المجاعة من الأمم المتحدة يمثل وصمة عار أخلاقية وقانونية على جبين العالم، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية عاجلة لإنقاذ ما تبقى من حياة قبل فوات الأوان'.
خطوة مهمة لكنها غير كافية
ومن جانبه، أكد الحقوقي فريد الأطرش أن إعلان المجاعة في غزة يمثل قرارًا مهمًا لتسليط الضوء على جريمة التجويع التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، ويستخدمها سلاحًا ضد المدنيين والمقاتلين على حد سواء، معتبراً أنها جريمة مرفوضة ومخالفة للقانون الدولي الإنساني.
وأوضح الأطرش في حديثه لوكالة 'شهاب' للأنباء، أن الإعلان بحد ذاته 'خطوة مهمة لكنها غير كافية'، مشددًا على أنه لن تكون له قيمة حقيقية ما لم يتبعه فرض عقوبات ومساءلة جدية وقرارات من الأمم المتحدة ومجلس الأمن لوقف سياسة التجويع، التي وصفها بأنها 'جريمة مفتعلة بفعل الإنسان'، مستشهدًا بتأكيد الأمين العام للأمم المتحدة على ذلك.
وأشار إلى أن اتفاقيات جنيف وميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية تحظر بشكل صريح استخدام التجويع وسيلة حرب، داعيًا إلى محاسبة قادة الاحتلال على هذه الجرائم أمام القضاء الدولي.
وانتقد الأطرش بشدة موقف الأمم المتحدة، قائلاً إن ما يحدث في غزة من تجويع للمدنيين يضعها على المحك، مضيفًا: 'المطلوب ليس فقط الإعلان، بل وقف التجويع والقتل وتهجير السكان، وإلا فإن صمت الأمم المتحدة سيُعد تواطؤًا وتشجيعًا للاحتلال على الاستمرار في جرائمه'، محذرًا من أن عجزها قد يقود إلى 'سقوط مدوٍ' لمصداقيتها.
كما حمّل الأطرش المجتمع الدولي، بما فيه الدول العربية والإسلامية، مسؤولية تقاعسهم عن التحرك، قائلاً: 'علينا أن نخجل جميعًا من كل إنسان يُقتل جوعًا، فاستمرار التجويع وصمة عار على جبين الإنسانية، ولا عذر لأحد في الصمت عنه'.
كارثة من صنع الاحتلال
ووجهت الأمم المتحدة رسالة مباشرة إلى رئيس حكومة الاحتلال (المطلوب للجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب) بنيامين نتنياهو قائلة: 'كفى، وعليك فتح المعابر فورا والسماح بدخول المساعدات إلى غزة'.
وأكدت أن المجاعة في غزة 'ليست مجاعة محلية، بل مجاعة العالم بأسره'، مشددة على أنها كان يمكن أن تُتفادى لو سُمح للمنظمات الإنسانية بالعمل دون عراقيل.
في غضون ذلك، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن المجاعة في غزة كارثة من صنع الإنسان، مطالبًا الاحتلال الإسرائيلي ضمان توافر الغذاء والإمدادات الطبية لسكان غزة.
وقال غوتيريش، إنه لا يمكن السماح باستمرار الوضع في قطاع غزة دون محاسبة، مشددا على الحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار وضمان وصول المساعدات.
من جهته، أعلن المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني أن المجاعة في غزة متعمدة، وهي نتيجة مباشرة لحظر 'إسرائيل' دخول الغذاء والمواد الأساسية على مدى شهور.
وأضاف لازاريني أن إعلان المجاعة بشكل رسمي في مدينة غزة أمر مقلق للغاية لكنه ليس مفاجئا، مؤكدا أن وقف انتشار المجاعة ممكن عبر وقف إطلاق النار والسماح للمنظمات الإنسانية بأداء عملها.
وفي السياق، قال مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك إن المجاعة في غزة نتيجة مباشرة لإجراءات الحكومة الإسرائيلية، مضيفًا أن الوفيات الناجمة عن التجويع في غزة قد تكون جريمة حرب تتمثل في القتل العمد.
كما قال توم فليتشر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إن تجنب المجاعة في غزة كان ممكنا لكن كانت هناك عرقلة للمنظمة الأممية، مضيفا أن نظام توزيع المساعدات في القطاع تم تفكيكه.
وعقب التأكيد الأممي، أصدرت الخارجية الألمانية بيانا حذرت فيه من تفاقم المجاعة في غزة، ودعت 'إسرائيل' للسماح بدخول المساعدات الإنسانية بشكل فوري وكاف.
وتوفيت رضيعة في خان يونس جنوبي قطاع غزة بسبب سوء التغذية لتكون أحدث ضحايا التجويع الذي تسبب حتى الآن في استشهاد 272 فلسطينيا -بينهم 113 طفلا- وفقا لأحدث بيانات وزارة الصحة في غزة.
وعقب انقلابها على اتفاق وقف إطلاق النار في مارس/آذار الماضي، بدأت 'إسرائيل' تجويعا ممنهجا لسكان غزة من خلال تقييد دخول المساعدات وحصرها بداية من مايو/أيار بيد ما تسمى 'مؤسسة غزة الإنسانية'.
ومنذ ذلك الوقت، ارتكبت قوات الاحتلال والمتعاقدون الأجانب مع المؤسسة الأميركية مجازر في محيط مراكز التحكم بالمساعدات، أسفرت عن استشهاد أكثر من ألفي فلسطيني وإصابة 15 ألفا آخرين.