اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٦ حزيران ٢٠٢٥
مع ساعات الفجر الأولى جلس محمد أبو ريالة، بالقرب من مفترق التوام شمال غرب قطاع غزة، إلى جانب عشرات من الأهالي المجوعين في انتظار طويل أملا بدخول شاحنات مساعدات غذائية، وسط حصار مطبق.
لم يكن في الأذهان أكثر من رغيف خبز أو كيس دقيق يسد جوع الأطفال الذين بات الجوع جزءًا من تفاصيل حياتهم اليومية.
يقول أبو ريالة لـ 'فلسطين أون لاين'، بصوت أنهكه التعب والحزن: كنا ننتظر منذ الساعة الواحدة فجر أمس، لم نكن نحمل سلاحًا ولا نُشكل خطرًا على أحد، كنا فقط ننتظر المساعدات، لكن الانتظار الطويل انقلب فجأة إلى فاجعة، حين سقط صاروخ إسرائيلي في المكان.
ويصف أبو ريالة، المشهد الصادم قائلاً: رأيت ستة من الشبان الذين كنت معهم يسقطون فورًا، أجسادهم تمزقت، والدماء غطت الأرض، لم أصدق أنني نجوت من هناك'.
ويلفت إلى أنه لم يتمكن من البقاء في المكان فقرر الهرب سريعًا تحت وقع إطلاق الاحتلال النار، قائلًا كنت أنظر خلفي ومن كان يجلس بالقرب منى أصيبوا أو فقدوا حياتهم.
ويتابع بحزن: بعض المصابين ظلوا ينزفون لساعات، فالطريق إلى مجمع الشفاء الطبي كان محفوفًا بالمخاطر، والمستشفى نفسه يعاني من أضرار كبيرة بسبب حرب الإبادة الجماعية.
ما زاد من قلق أبو ريالة، هو أن أحد الشبان الذين أُصيبوا، تم اعتقله جيش الاحتلال، ولم تعرف تفاصيل وضعه حتى الآن.
ويشير إلى أن جيش الاحتلال يتعمد بإطلاق النار باتجاه كل من يحاول تأمين احتياجات أسرته الأساسية مدللًا على ذلك بالمجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال بين الفينة والأخرى بحق منتظري المساعدات الشحيحة.
انتشال الشهداء
وفي منطقة برج الأندلس المدمر، شمالي غزة، تجمع عدد من الشبان، ومن بينهم خليل زيدان، لمحاولة انتشال الشهداء والجرحى بعد ساعات من استهداف مفترق التوام وبيت لاهيا شمالي قطاع غزة، قائلًا لصحيفة 'فلسطين': كانت المهمة صعبة، لكننا عملنا على انتشالهم رغم الخطر المحدق.
يقول زيدان: استطعنا إخراج سبعة شهداء، ونقلنا عشرة جرحى وسط الخطر وصعوبة التحرك في هذه المناطق، فأي محاولة للاقتراب قد يؤدي إلى قصف جديد.
ويضيف: هناك شهداء آخرين في مناطق لم يتمكن أحد من الوصول إليها حتى الآن، نظرا لصعوبة وخطورة المكان.
كما يشير إلى أن الأوضاع الميدانية في شمال قطاع غزة شديدة التعقيد، إذ أن الطرق المؤدية إلى أماكن تواجد شاحنات المساعدات غير آمنة، وبعض المناطق لا تزال مغلقة أو مستهدفة من قبل الاحتلال.
وفي حادثة مشابهة، كان الشاب بلال موسى، موجودًا في منطقة السودانية شمال غرب غزة، عندما أُطلقت ثلاثة صواريخ تجاه تجمع من المدنيين المنتظرين للمساعدات.
يقول موسى لـ 'فلسطين أون لاين': كنا ننتظر المساعدات تحت مبنى مدمر، وفجأة دوى انفجار ضخم، فرأيت أجسادًا تتطاير في الهواء وتسقط بقوة على الأرض، لم يكن أحد يتوقع أن تنتهي محاولتنا للحصول على الطعام بهذا الشكل.
ويتابع بحزن: بعض الشبان حملوا المصابين باستخدام عربات تجرها الحيوانات، لم يكن هناك سيارات إسعاف كافية بسبب خطورة المكان، وكان الخوف مسيطرًا على الجميع'.
وبلغ عدد شهداء المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال يومين 79 شهيدًا، حيث سجلت مدينة غزة وشمالي القطاع ارتقاء 21 شهيدًا، بينما بلغ عدد شهداء ووسط القطاع 19 شهيدًا، وجنوبي القطاع 39 شهيدًا، بحسب بيانات رسمية.
ويقول محمود أبو شنب، أحد شهود العيان: إن المشاهد في مواقع القصف تفوق الوصف، مشيرًا إلى أن كثيرًا من الضحايا هم من المدنيين الذين لم يكن هدفهم سوى الحصول على الغذاء.
ويضيف أبو شنب لـ 'فلسطين أون لاين': رأيت أشلاء على الأرض، ومواطنين يبحثون بين الأنقاض عن أقاربهم، ولم يكن هذا مشهد ساحة معركة، بل ساحة انتظار طعام، مردفًا: من لا يموت بالقصف في غزة، يموت من الجوع أو المرض.
وتمنع قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ الثاني من مارس/آذار دخول المساعدات الإنسانية لغزة، في وقت تدعم عصابات من اللصوص لسرقة كميات شحيحة من المساعدات التي سمحت أخيرا بإدخالها تحت ضغط دولي. وتستهدف قوات الاحتلال منهجيا، طواقم وزارة الداخلية في غزة منذ بدء حرب الإبادة الجماعية قبل ٢٠ شهرا.
وأنشأت سلطات الاحتلال بدعم أمريكي ما تسمى 'مؤسسة غزة الإنسانية' المشبوهة بدعوى توزيع المساعدات الإنسانية في جنوب ووسط القطاع، لكن المنظمات الدولية المعنية ترفض عمل تلك المؤسسة، التي تسعى لتحقيق أهداف عسكرية وأمنية.
وكان مراقبون محليون ومؤسسات إغاثية أشاروا إلى الحاجة الماسة إلى توفير ممرات آمنة ومستقرة لتوصيل المساعدات وضمان وصولها للمدنيين دون مخاطر إضافية.
وفي ظل استمرار التصعيد وغياب آفاق الحل، يعيش أهالي قطاع غزة، أزمة مركبة، ما بين نزوح جماعي، ونقص حاد في الغذاء والدواء، ودمار واسع في البنية التحتية، وانهيار كبير في النظام الصحي.