واشنطن تواصل محاولات إلغاء الوجود والصوت الفلسطيني وسط عزلة دولية عالمية

الكاتب: بروفيسور عوض سليمية

قرار وزارة الخارجية الامريكية منع منح او الغاء تأشيرات دخول الوفد الفلسطيني للأراضي الامريكية لحضور جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة المُقرر عقدها على مدار اسبوع في سبتمبر القادم، لمناقشة مختلف القضايا العالمية؛ وفي مقدمتها بحث مسار تنفيذ حل الدولتين وسط تعهدات دولية واوروبية جديدة بإعلان الاعتراف بدولة فلسطين رسمياً على منصة الامم المتحدة؛ هو قرار مخالف للقانون الدولي ولاتفاقية المقر لعام 1947، لكنه ليس مُستغرباً وليس سابقة.

هذا القرار يمكن إدراجه بسهولة تحت عنوان تأكيد الشراكة الامريكية-الاسرائيلية ومواصلة تحدي مواقف الاغلبية الساحقة لدول العالم، ليس فقط في برنامج إسرائيل المُعلن والقائم على الابادة الجماعية والتطهير العرقي، التهجير، الضم والاحتلال، بل يتعدى ذلك الى مستوى رفيع من الابتزاز السياسي الأجوف، يحاول من خلاله ساسة واشنطن الضغط على القيادة الفلسطينية للتوقف عن مواصلة مسيرتها نحو تحقيق الاهداف الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وسعيها الدؤوب للحصول على مزيد من الاعترافات الدولية، كمقدمة لتنفيذ حل الدولتين.

نقطة التحول التي يمكن التوقف عندها في هذا الاعلان هي؛ ان قادة واشنطن ونخبها السياسية أصبحوا علناً وبلا حرج يلتصقون أكثر بمواقف اليمين المتطرف في إسرائيل ويتبنون افكارهم ومخططاتهم ورواياتهم دون تدقيق. والتي طالما اتهموا فيها القيادة الفلسطينية بأنها تمول وتدعم 'الارهاب'. وان الرئيس محمود عباس هو 'ارهابي دبلوماسي خطير' يعمل على 'مخطط' عزل اسرائيل على الساحة الدولية، ولا يريد الجلوس على طاولة المفاوضات.

ترامب الذي أعلن صفقة القرن في فترة رئاسته الاولى، وكشف نواياه باحتلال قطاع غزة وتهجير سكانه، وتحويل القطاع بعد الانتهاء من هدمه كلياً الى قطعة ارض مملوكة لشركاته الخاصة 'ريفييرا'، يواصل سياساته لاسترضاء قادة إسرائيل ولوبيات الضغط الداعمة لها، لضمان دعم قوي للجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس المُقرر اجراؤها يوم 3 تشرين ثاني/نوفمبر 2026. والحفاظ على اغلبية جمهورية في مجلسي الشيوخ والنواب، لإكمال سنواته المُتبقية في البيت الابيض دون وجود معارضة حقيقية داخل مركز صنع القرار في واشنطن. ولذلك تحاول الادارة الجمهورية من خلال هذا الاعلان الى تحقيق أيٍ من الاهداف التالية او جميعها:

1. الضغط على القيادة الفلسطينية للتوقف عن التحركات الدبلوماسية الهادفة للحصول على مزيد من الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية.

2. الضغط على القيادة الفلسطينية لوقف القضايا القانونية الدولية المرفوعة ضد اسرائيل، وفي مقدمتها محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية.

3. الضغط على دول العالم لوقف توجهاتها نحو الاعترافات بالدولة الفلسطينية، وتجاهل البحث في مسارات تنفيذ حل الدولتين، خلال الاجتماع القادم للجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر المقبل.

من وجهة نظر قانونية فإن إعلان وزارة الخارجية الامريكية يخرق بشكل فاضح اتفاقية استضافة المقر 'الأمم المتحدة' لعام 1947، وهي اتفاقية موقعة بين الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، تحدد الحقوق والواجبات المتعلقة بوصول ممثلي الدول الأعضاء والمراقبين إلى المقر. وفقاً لنصوص الاتفاقية، فإن الولايات المتحدة تنتهك المواد (الرابعة، الحادية عشر، الثانية عشر، والثالثة عشر) والتي تنص على 'تعهد الولايات المتحدة بعدم فرض أية قيود على دخول ممثلي الدول الأعضاء أو المُراقبة، إلى مقر الأمم المتحدة لحضور الاجتماعات الرسمية.' وهذا يشمل رؤساء الدول والوفود، بغض النظر عن موقف واشنطن السياسي تجاههم'. ويترتب على الولايات المتحدة طبقاً للاتفاقية عدم جواز استخدام السلطة بشكل تمييزي 'لا يجوز للولايات المتحدة استخدام حقها في منح أو رفض التأشيرات لأغراض سياسية أو تقييدية.' وبالتالي يحظر على واشنطن استخدام منح التأشيرات كسلاح سياسي ضد أي دولة عضو أو مراقب في الأمم المتحدة.

إعلان وزير الخارجية روبيو أظهر شللاً كاملاً في قدرات الدبلوماسية الامريكية على الاستمرار في إقناع دول العالم بمواقف إسرائيل. ويمكن أيضاً ان نقرأ فيه، ان هيمنة واشنطن على العالم لم تعد مكسوة بدرع من حديد، كما ساد الوضع لعدة عقود بعد انهيار المنظومة الاشتراكية. وعليه فإن امام دولة فلسطين والاشقاء في المجموعة العربية والاسلامية والاصدقاء عبر العالم، فرصة كبيرة لمواجهة هذا الاعلان واسقاطه عبر أكثر من مسار، من بينها؛ طلب جلسة طارئة للجمعية العامة لبحث خرق الولايات المتحدة لاتفاقية المقر 1947. طلب اجتماع طارئ تحت مظلة مبادرة 'متحدون من اجل السلام'، وهو قرار اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1950 يحمل رقم 377 وصدر بناءً على طلب واشنطن. هذا القرار يُمكّن الجمعية من 'إصدار توصيات جماعية للدول الأعضاء في الامم المتحدة لاتخاذ إجراءات لحفظ أو استعادة السلام في حال فشل اعضاء مجلس الامن الخمسة بالقيام بواجباتهم بسبب عدم الاجماع'.

على المستوى القانوني، يمكن التحرك نحو تقديم شكوى قانونية ضد الولايات المتحدة إلى محكمة العدل الدولية لانتهاكها اتفاقية المقر. وفي حال استمرت واشنطن على موقفها، يمكن النظر في إطلاق حملة دولية لنقل مقر الامم المتحدة الى دولة غير الولايات المتحدة تلتزم باتفاقية استضافة المقر. حتى يتم اتخاذ هذه الاجراءات، بإمكان المندوب الفلسطيني في الامم المتحدة ان يطالب الامانة العامة بنقل الجلسات المتعلقة بفلسطين إلى مدينة بديلة خارج حدود الولايات المتحدة كما حدث عام 1988، لتوفير مزيد من العدالة لمناقشة مسار تنفيذ حل الدولتين.

تقول الحكمة، ان السياسي الموهوب هو من يلعب بكل الاوراق الرابحة لمصالح شعبه، وينجح في سحب حلفاء الخصم الى خطوطه، وهو ما اظهرته القيادة الاستثنائية للرئيس محمود عباس في ظل عالم مليء بالتحديات والتعقيدات السياسية، بينما تلوح في الافق ملامح اشتباك دبلوماسي بين دول الاتحاد الاوروبي بقيادة فرنسا ورعاة الحرب في واشنطن وانصارهم في إسرائيل. يقف ترامب ونتنياهو على ارض باليه بعد فشل سلاح معاداة السامية. بالمقابل، تتحرك القيادة الفلسطينية بخطوات سلسة وبحالة ثبات نحو تصحيح السرد التاريخي، حماية شرعية التمثيل وضمان حق إسماع صوت فلسطين على المنصات الاممية، كدولة مراقب في الأمم المتحدة، وتثبيت حق المشاركة في كل الاجتماعات الرسمية، دون قيد أو شرط. واشنطن تواصل محاولات إلغاء الوجود والصوت الفلسطيني،

وسط عزلة دولية عالمية

بروفيسور عوض سليمية

باحث في العلاقات الدولية

تقول الحكمة، ان السياسي الموهوب هو من يلعب بكل الاوراق الرابحة لمصالح شعبه، وينجح في سحب حلفاء الخصم الى خطوطه، وهو ما اظهرته القيادة الاستثنائية للرئيس محمود عباس في ظل عالم مليء بالتحديات والتعقيدات السياسية، بينما تلوح في الافق ملامح اشتباك دبلوماسي بين دول الاتحاد الاوروبي بقيادة فرنسا ورعاة الحرب في واشنطن وانصارهم في إسرائيل. يقف ترامب ونتنياهو على ارض باليه بعد فشل سلاح معاداة السامية. بالمقابل، تتحرك القيادة الفلسطينية بخطوات سلسة وبحالة ثبات نحو تصحيح السرد التاريخي، حماية شرعية التمثيل وضمان حق إسماع صوت فلسطين على المنصات الاممية، كدولة مراقب في الأمم المتحدة، وتثبيت حق المشاركة في كل الاجتماعات الرسمية، دون قيد أو شرط.