اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٨ أيار ٢٠٢٥
في خطوة تحمل أبعادًا سياسية وتلمودية خطيرة، عقدت حكومة الاحتلال الإسرائيلي اجتماعًا لافتًا في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك، في رسالة واضحة لتكريس السيطرة على القدس المحتلة ودمجها ضمن دولة الاحتلال.
الاجتماع الذي جاء أول من أمس في ذكرى الاحتلال الكامل للقدس، ليس مجرد إجراء رمزي، وفق ما يقول مختصون، بل يأتي في إطار خطة استراتيجية تستهدف ترسيخ الرواية التلمودية لتكون أساسًا للسيطرة السياسية على القدس، وفرض وقائع جديدة على الأرض تخدم المشروع الاستيطاني والتهويدي، وسط صمت دولي وتراجع في الموقفين العربي والإسلامي.
ومنذ عام 2017 تحرص حكومة الاحتلال على عقد اجتماعها في إحدى قاعات النفق الغربي أسفل المسجد الأقصى المبارك، لكنها قررت هذا العام ولأول مرة عقده فيما تسمى 'مدينة داود' الاستيطانية التي أُقيمت بقوة الاحتلال في أقصى شمال سلوان، وتقع بالتحديد في حي وادي حلوة، الملاصق للسور الجنوبي للبلدة القديمة والمسجد الأقصى، ويمتد على مساحة 750 دونما.
وورد في موقع 'والا' العبري، أن مكتب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو 'قرر عقد جلسة حكومية خاصة في (ما تسمى) حديقة مدينة داود، في قلب حي سلوان الفلسطيني في شرقي القدس، على الرغم من أن جهاز الأمن العام (الشاباك) أثار صعوبات أمنية جدية في عقد الحدث في قلب حي فلسطيني وفي تأمين طرق الوصول ومرافقة رئيس الوزراء والوزراء'.
وأوصى جهاز الشاباك بالبحث عن أماكن بديلة، لكن مكتب نتنياهو أصدر تعليماته إلى مسؤولي الأمن بالتحضير والإعداد لخطة أمنية لعقد اللقاء في المكان المحدد وفقا لعدد من المواقع الإخبارية العبرية، التي تحدثت أيضا عن أن جلسة الحكومة هذه ستتضمن الموافقة على القرارات المختلفة المتعلقة بما سمتها 'عاصمة (إسرائيل)' المزعومة.
ويدير مشروع ما تسمى 'مدينة داود' السياحي الاستيطاني جمعية 'إلعاد' الاستيطانية، وهي اختصار لـ 'إل عير ديفيد'، وتعني بالعربية 'نحو مدينة داود'، وتأسست عام 1986، وترمي وفقا لموقعها الإلكتروني لـ 'تعزيز العلاقة اليهودية في القدس عبر الأجيال من خلال الجولات، والإرشاد والإسكان وإصدار مواد ترويجية'.
وتدعي سلطات الاحتلال أن ما تسمى 'مدينة داود' التلمودية كانت قد أقيمت في هذه البقعة من حي وادي حلوة، بينما تشير الآثار التي وجدت في هذا الموقع في سلوان إلى أنها تعود إلى حقب زمنية مختلفة لما قبل التاريخ وبعده، وفق تقرير سابق لمؤسسة الحق الفلسطينية.
توظيف تلمودي
وقال مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية، د. خليل تفكجي، إن عقد حكومة الاحتلال اجتماعها في بلدة سلوان، بالتزامن مع ذكرى الاحتلال الكامل للقدس يأتي في سياق تكريس البعد الديني في الصراع على المدينة.
وأوضح تفكجي لـ 'فلسطين أون لاين'، أن اختيار سلوان ليس عبثياً، بل يستند إلى رواية تلمودية تزعم أن النبي داوود أقام دولته ومركز حكمه في هذه المنطقة، التي يطلق عليها الاحتلال اسم 'مدينة داوود'، وتعتبر جزءاً من ما يسمى بـ'الحوض التاريخي المقدس'.
وأضاف أن هذا الحوض، الذي تزيد مساحته عن 2.5 كيلومتر مربع، يشمل إلى جانب سلوان: نبع سلوان، وقبور الأنبياء، والمقبرة اليهودية، ووادي الربابة، وكلها مواقع تسعى (إسرائيل) لربطها بروايتها التلمودية لتبرير سيطرتها على القدس.
وأشار إلى أن الاجتماع الحكومي في سلوان يحمل رسالة سياسية واضحة، مفادها أن القدس، بروايتها التلمودية، هي 'عاصمة (ما يسمى) الشعب اليهودي' المزعومة، وأن '(إسرائيل) لم تحتلها بل حررتها'، كما جاء على لسان رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو خلال الاجتماع.
وأكد تفكجي أن هذا التحرك يُظهر بوضوح كيف توظف حكومة الاحتلال الدين كغطاء لتحقيق أهداف سياسية، ولفرض مزيد من السيطرة على المدينة المقدسة، في ظل استمرار مشاريع التهويد والاستيطان في القدس.
رسائل إسرائيلية
وأضاف تفكجي أن هذا الاجتماع يوجه عدة رسائل، أبرزها للأردن بوصفه صاحب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، مفادها: 'أين هي رعايتكم؟'، وثانيها للعالمين العربي والإسلامي، بأن القدس 'غير قابلة للتقسيم'، وأنها 'القلب والرأس لـ(ما يسمى) الشعب اليهودي'، بحسب الرواية الصهيونية.
وأشار إلى أن توقيت الاجتماع جاء بعد القمة العربية في بغداد، وفي ظل صمت عربي ودولي متصاعد، لافتاً إلى أن الاحتلال يواصل استثمار زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمنطقة والتي لم ينجم عنها شيء، إضافة لإعلانه القدس عاصمة مزعومة لدولة الاحتلال لتكريس سيطرته عليها.
وأشار إلى وجود تناغم واضح بين حكومة الاحتلال والمستوطنين المتطرفين، الذين يشكّلون 'الأداة التنفيذية' للمشروع السياسي الإسرائيلي، حيث ينفذون سياسات التهويد والاستيطان تحت غطاء رسمي، رغم أن المستوى السياسي قد لا يعلن ذلك صراحة.
وتابع: 'الاحتلال يسلّح المستوطنين، ويدعمهم في السيطرة على منازل الفلسطينيين، ويتم كل ذلك في إطار منظومة متكاملة بين السياسي والعسكري والاستيطاني، دون أي ضغوط دولية حقيقية على حكومة الاحتلال'.
وختم تفكجي بالتأكيد أن حكومة الاحتلال تستغل الأوضاع الإقليمية والدولية لتنفيذ أهداف استراتيجية، في مقدمتها فرض الأمر الواقع بأن القدس هي 'عاصمة' مزعومة لدولة الاحتلال فقط.