اخبار فلسطين
موقع كل يوم -شبكة قدس الإخبارية
نشر بتاريخ: ١٩ حزيران ٢٠٢٥
خاص - شبكة قُدس: 'الإيرانيون بعثوا برسائل إلى إسرائيل عبر دول عربية أنهم يريدون إنهاء الأعمال القتالية واستئناف المحادثات بشأن البرنامج النووي'، 'طهران بعثت رسائل غير رسمية إلى إسرائيل تشير فيها إلى ضرورة احتواء التصعيد لما فيه مصلحة الطرفين'، 'الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وافق على الخطط الهجومية ضد إيران'، ثلاثة أخبار رئيسية نقلتها وتناقلتها معظم وسائل الإعلام العالمية نقلا عن صحيفة وول ستريت جورنال في اليومين الأخيرين.
ورغم أن مثل هذه الأخبار والمعلومات من شأنها أن تحقق النشوة للإسرائيليين، وتمنحهم شعورا بالقوة، إلا أن بعضهم قرر أن يكون واقعيا بعض الشيء. فقد علّق المراسل العسكري لصحيفة هآرتس العبرية عاموس هرئيل على هذه الأخبار بالقول إن 'صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية العريقة أصبحت محل شبهة في السنوات الأخيرة بأنها تنشر ما هو مريح ومحبب لدى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو'.
ولم يتوان ترامب نفسه عن انتقاد الصحيفة التي ادعت أنه وافق على خطط الهجوم على إيران. ونشر على حسابه الشخصي في منصة 'تروث سوشال' أن 'وول ستريت جورنال لا تملك معلومات عن قراراته بشأن إيران، وهو لم يتخذ قرارا بعد بالانضمام للمواجهة'. تزامن نشر الصحيفة الأمريكية عن موافقة ترامب على المشاركة في الهجوم، مع ضخ كثيف في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن موافقة أمريكية بالخصوص.
رغم كونها واحدة من أهم الصحف الاقتصادية والسياسية في الولايات المتحدة، باتت صحيفة وول ستريت جورنال في السنوات الأخيرة تُتهم بتبني خطاب ينسجم مع المصالح الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالسياسات الإقليمية تجاه إيران وغزة. ويُلاحظ أن تغطيتها للأزمات في الشرق الأوسط، خصوصًا تلك التي تخص 'إسرائيل'، تميل إلى تقديم السردية الإسرائيلية كحقيقة موضوعية، مع تقليل مساحة الشك أو التعدد في الروايات.
لا يمكن فصل علاقة وول ستريت جورنال بإسرائيل عن الخلفية السياسية والاقتصادية لمؤسسة نيوز كورب المالكة لها، والتي يترأسها روبرت مردوخ، أحد أبرز الداعمين للمشروع الصهيوني في الولايات المتحدة والعالم، والذي قال في إحدى المناسبات إن 'الوقوف إلى جانب إسرائيل ليس خيارًا، بل ضرورة أخلاقية'. مردوخ، المعروف بتوجهاته اليمينية ودعمه غير المحدود لسياسات الاحتلال، سعى باستمرار إلى توظيف إمبراطوريته الإعلامية لتعزيز صورة 'إسرائيل'، ومهاجمة خصومها في المنطقة. وفي هذا السياق، أصبحت الصحيفة منبرًا مفضّلًا لنقل تسريبات 'موجهة' تخدم أهدافًا استراتيجية لـ'إسرائيل' تسعى إلى ترسيخها أمام الرأي العام الغربي والدولي.
توقيت نشر التقارير الحساسة عن إيران عبر وول ستريت جورنال يثير أيضًا شبهات متكررة حول التنسيق بين الصحيفة ومصادر أمنية إسرائيلية أو أمريكية مقربة من اللوبي الصهيوني. ففي أوقات التصعيد، غالبًا ما تنشر الصحيفة معلومات غير موثقة حول 'رسائل من طهران'، أو 'خطط أمريكية للهجوم'، مما يخلق مناخًا نفسيًا يخدم رواية الردع الإسرائيلي ويمنحها زخمًا إعلاميًا دون التحقق من صحة هذه المزاعم. وفي بعض الحالات، كما أظهر تصريح ترامب نفسه، تنشر الصحيفة معطيات تنفيها لاحقًا شخصيات رسمية، ما يضع مصداقيتها موضع تساؤل.
لا يقتصر الدور الذي تلعبه وول ستريت جورنال على التغطية الصحفية، بل يمتد إلى صياغة بيئة تحليلية تصب في مصلحة الرواية الإسرائيلية ضمن أروقة صنع القرار الأمريكي. إذ تحظى مقالات الرأي والتحقيقات المنشورة فيها بمتابعة واسعة من قبل المؤسسات السياسية والمالية الأمريكية، ما يجعل الصحيفة أداة تأثير ناعمة في توجيه السياسات الخارجية، خاصة تجاه الشرق الأوسط. وعليه، فإن تكرار نشر تسريبات 'مريحة لإسرائيل' لا يبدو عشوائيًا، بل هو انعكاس لمنظومة مصالح تربط الإعلام اليميني بالمشروع الصهيوني من باب التحالف الأيديولوجي والاستراتيجي.
وتُظهر تغطية وول ستريت جورنال للحرب على غزة ميلًا واضحًا لتبني الرواية الأمنية الإسرائيلية، مع التركيز على 'حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها' وتهميش الأصوات الفلسطينية أو تجاهلها تمامًا. في معظم التقارير، تُقدَّم حركة حماس كطرف منفصل عن السياق الاستعماري والاحتلالي، بينما يُغيَّب الحديث عن الحصار المفروض على غزة منذ أكثر من 17 عامًا. كما تتعامل الصحيفة مع الشهداء الفلسطينيين كـ'أضرار جانبية' بدلًا من تسليط الضوء على انتهاكات القانون الدولي، مما يعزز النظرة النمطية المنحازة لصالح الاحتلال.
في أكثر من مناسبة، لعبت وول ستريت جورنال دورًا في تمرير سرديات استراتيجية إسرائيلية تتعلق بغزة، لا سيما في ما يخص العمليات العسكرية أو مواقف الإدارة الأمريكية منها. على سبيل المثال، خلال الحرب على غزة، نقلت الصحيفة تقارير تشير إلى 'دقة الضربات الإسرائيلية' و'جهود تل أبيب لتجنب استهداف المدنيين'، بينما تجاهلت شهادات ميدانية وتوثيقات منظمات حقوقية تشير إلى مجازر موثقة. هذا النمط من التغطية لا يخدم فقط تبييض صورة الاحتلال، بل يساهم أيضًا في تشكيل وعي عام أمريكي متبلّد تجاه المعاناة الإنسانية في القطاع.