اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٦ تشرين الثاني ٢٠٢٥
صادَق الكنيست 'الإسرائيلي' بالقراءة الأولى على مشروع قانون يسمح بفرض عقوبة الإعدام على منفّذي العمليات ضد المستوطنين، في خطوة تُعدّ سابقة خطيرة في تاريخ التشريع 'الإسرائيلي'، ويستهدف القانون بصورة مباشرة كلّ من جرى اعتقاله صبيحة السابع من أكتوبر 2023، في لحظةٍ فارقة شهدت انهيار فرقة غزة العسكرية وعبور مئات الفلسطينيين للسياج الفاصل، وقد صنّفتهم سلطات الاحتلال جميعًا بمن فيهم المدنيون والصحفيون بصفتهم مقاتلين غير شرعيين، في محاولةٍ لمنح غطاء قانوني للإجراءات الانتقامية اللاحقة.
ويمثّل هذا التشريع تحوّلًا لافتًا في البنية القانونية لدولةٍ تدّعي الانتماء للمنظومة الديمقراطية الغربية، إذ إن غالبية الدول الغربية تُعارض عقوبة الإعدام وتعتبرها انتهاكًا جوهريًا لحقوق الإنسان، ولم تُقدم 'إسرائيل' منذ تأسيسها عام 1948 على تنفيذ عقوبة الإعدام سوى في حالتين: الأولى بحق الضابط مئير طوبنسكي بتهمة الخيانة قبل أن تُثبت براءته لاحقًا، والثانية بحق الضابط النازي أدولف آيخمان عقب عملية الموساد الشهيرة لاعتقاله في الأرجنتين، ومنذ ذلك الحين ظلّ تنفيذ الإعدام مُجمّدًا، ما يجعل المشروع الحالي خروجًا جذريًا عن المسار القضائي 'الأخلاقي' الذي تبنّته الدولة لعقود.
وبعد هجوم السابع من أكتوبر، ظهر الناطق العسكري لكتائب القسام 'أبو عبيدة' بخطاب لوّح فيه باللجوء إلى إعدام الأسرى 'الإسرائيليين' إذا استمر الاحتلال في قتل المدنيين في غزة، وقد استغل الاحتلال هذا التصريح لتصعيد حملته الإعلامية ضد المقاومة وتشويه صورتها، عبر تصويرها في الخطاب الغربي كتنظيمٍ متطرف يشبه 'داعش'، مستثمرًا حالة الذعر التي يمكن لهذا التشبيه أن يُنتجها على مستوى الرأي العام الدولي.
إلّا أنّ المقاومة الفلسطينية امتنعت عن تنفيذ هذا التهديد، التزامًا بأحكام الشريعة الإسلامية وبما ينسجم مع قواعد القانون الإنساني، وحرصًا على عدم منح الاحتلال ذريعةً إضافية لتضليل الرأي العام العالمي، وقد شكّل هذا الامتناع خطوةً سياسيةً واعيةً تهدف للحفاظ على الصورة الأخلاقية للمقاتل الفلسطيني، ونسف الرواية 'الإسرائيلية' التي تعمل على ربط المقاومة بالإرهاب والتطرّف.
وبناءاً على ما سبق، فإن تمرير قانون الإعدام، في حال إقراره نهائيًا، سيجعل 'إسرائيل' تظهر بصورة دولة فصلٍ عنصري تمارس الإبادة الجماعية وتشرعن القتل خارج إطار القانون، كما سيُفاقم من عزلة قادتها على الساحة الدولية، ويُسقط آخر ما تبقّى من سردية 'الجيش الأكثر أخلاقية في العالم'، إذ إن تشريع الإعدام المباشر للأسرى يتعارض بصورة صارخة مع اتفاقيات جنيف ومعايير القانون الدولي الإنساني، ويُعدّ انتهاكًا مباشرًا لالتزامات الدول في النزاعات المسلحة.
ومن شأن هذا التحوّل أن يعمّق إدراك المجتمع الدولي لطبيعة المشروع الاحتلالي 'الإسرائيلي'، ويُبرز مظلومية الشعب الفلسطيني كقضية تحرّر وطنية تواجه منظومة عنصرية تُقنّن العنف الممنهج، وبذلك تتضح ملامح التآكل المتسارع في شرعية الرواية 'الإسرائيلية' التي لطالما حاولت تغليف طابعها الاحتلالي بخطاباتٍ متعلقة بالديمقراطية والأمن.
وفي ضوء هذه التطورات المتسارعة، يبدو أن مشروع قانون الإعدام ليس مجرد ردّ فعل على هجوم محدد، بل هو تعبير عن أزمة بنيوية أعمق داخل المنظومة السياسية والأمنية 'الإسرائيلية'، حيث إن تبنّي تشريعات عقابية قصوى يكشف عن حالة ارتباك استراتيجي، وفقدان الثقة بقدرة الردع التقليدية، ومحاولة لإعادة إنتاج صورة القوة عبر استخدام القانون كأداة للانتقام.
كما يعكس صعود التيارات اليمينية المتطرفة التي باتت تتحكم بدفة القرار وتفرض رؤية تقوم على نزع الإنسانية عن الشعب الفلسطيني، بما يهدد بتوسيع دائرة العنف ونسف أي إمكانية للحلول السياسية مستقبلًا، كما أن هذا الاتجاه التشريعي حال اكتماله لن يضعف فقط صورة الاحتلال خارجيًا، بل سيضرب أيضًا أسس ما تبقّى من العقد الاجتماعي الداخلي ويعمّق انقسام المجتمع 'الإسرائيلي' الذي يشهد أصلاً تناحرًا غير مسبوق حول هوية الدولة وطبيعة نظامها السياسي.
كما أنه لن يعمل على ردع الشعب الفلسطيني على تنفيذ العمليات بل سيعمل على مفاقمة ذلك من خلال انتاج روح الثأر لدى الشعب الفلسطيني بشكلٍ متوارث خصوصًا أن الدوافع الفلسطينية للقتال ضد الاحتلال ليست دوافع قومية فحسب بل تعود جذورها للعقيدة الاسلامية التي يدين لها غالبية الشعب الفلسطيني،
مما يوقع الاحتلال في أزمةٍ أكبر كما حدث خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 حيث اتبع الاحتلال سياسة تكسير العظام في محاولةٍ منه لردع الشعب الفلسطيني عن تنفيذ العديد من العمليات ضد قوات الاحتلال، ما يخمد نيران الشارع الفلسطيني، إلا أن ذلك عاد عليه سلبيًا بسبب زيادة الاندفاع لدى الشعب الفلسطيني وتأجيج نار الانتفاضة.

























































