اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
كم منزلٍ في الأرضِ يألفهُ الفتى، وحنينهُ أبدًا لأوّلِ منزلِ، ما سبق هو رأي الشاعر العباسي أبو تمام، ولا أظنه رأيه الوحيد، فقد عبر عن قلوب ملايين الناس.
هل أكون مبالغاً لو قلت بأن عودة الإنسان لمنزله وحارته تشبه عودته للحياة؟ أتمنى ألا أكون مبالغاً، فالسمكة لا تعيش خارج البحر رغم ملوحة مياهه، ورغم ما في البر من جمال، وهكذا الإنسان يخرج من بيته وهو بكامل ارادته، فيأخذه الحنين لبيته حتى يعود، فما بالكم لو كان الخروج قسرياً تحت أزيز الرصاص وقصف الصواريخ؟
العدوان 'الإسرائيلي' على غزة أكتوبر2023 أجبر 80%من سكان قطاع غزة للنزوح ومنذ تلك اللحظة بدأ الحنين للعودة للديار، حتى لو كان المنزل مهدوماً، المهم أن يستظل بما تبقى من حجارة ولسان حاله يقول ' بهمش طالما العود موجود، كله بيعود'.
وعن تجربتي الشخصية فقد خرجتُ من بيتي في مايو2024 وربما كنت من أواخر من خرجوا، وسكنت في خيمة في منطقة الشاكوش القريبة من رفح كي أبقى اتنفس هواء المدينة، ثم حينما اشتدت المحنة انتقلنا لمنطقة قيزان النجار لمدة شهر ثم اشتدت المحنة فانتقلنا لدير البلح.
وما أن بدأت هدنة 19 يناير 2025 وصار مسموحا العودة لرفح، خرجتُ من خيمتي بعد صلاة الفجر حتى أصل رفح مبكراً، وما إن وصلت شعرتُ أني كنتُ ميتاً فأحياني الله عز وجل، رغم ان رفح مدينة منكوبة بنسبة90% إلا أن دخولي لمدينتي أنعش نفسيتي، سرنا بين ركام الأحياء التي اختفت معالمها، وبالكاد يعرف الإنسان بيته ومنطقته وشوارعها، لكنها القلوب التي لا تخطئ الدروب.
وصلتُ لبيتي الساعة العاشرة صباحاً تقريباً يوم الاحد 19 يناير وجدته سليما بنسبة 90% سجدتُ شكراً لله على ذلك، وجدت الباب مفتوحاً فدخلته، لا كلمات تصف لحظة دخولي لبيتي وهو على ما تركته عليه إلا ما كان من دمار بنسبة10% بدأتُ أتفقدُ البيت، يا لتلك الدقائق ما أجمها وأروعها لقد عدتُ للتو للحياة بعد رحلة قسرية استمرت9شهور، رحلة قاسية جداً.
بدأتُ أتلمسُ جدران المنزل وأثاثه، كما تتلمس الأُم ابنها بعد غياب، وصعدتُ للطابق الثاني حيث مكتبتي وجدتها سليمة، حمدت الله على ذلك.
التقيتُ بالجيران الذين جاؤوا لتفقد بيوتهم مثلي، تلاقينا تعانقنا بعد غياب طويل، ثم قمنا بجولة في المنطقة، فما وجدناه من دمار يفوق تصور العقل البشري واحتماله.
عدتُ لبيتي وبدأتُ أفكر في كيفية ترتيبه وتنظيفه، بدأت العمل بشكلٍ يومي حتى وفقني الله عز وجل لعلاج ما به من أضرار خلّفها الاحتلال، وبدأت الناس تعود تدريجياً لمنازلها السليمة وبدأت المنطقة تستعيد عافيتها إلى حدٍ ما حتى جاء وقت اختراق الهدنة في مارس2025 فبدأ الخوف يتسلل لقلوب الناس فخرج أغلبهم من بيوتهم للمرة الثانية عائدين إلى الخيام من باب الاحتياط.
بقيت أنا حتى قبل ليلة اجتياح منطقة تل السلطان، فقد هداني الله عز وجل للخروج من بيتي، والمبيت عند أختي في مخيم للنازحين قريباً من رفح، وما إن بدأ النهار حتى سمعنا أخباراً عن اجتياح تل السلطان مرة ثانية، وأن طائرات العدو أجبرت الناس على الخروج دون حمل أي شيء من متاعهم ويومها حدثت مجزرة راح ضحيتها الكثير من الناس وطاقم الإسعاف والدفاع المدني واستشهد فيها رفيق النزوح زوج أختي عدنان أبو السعود.
نعم، بنا ألم كبير على فراق البيوت، فهي ليست حجارة، بل فيها ذكرياتٌ يصعب وصفها وسردها لكن العزاء أن الله عز وجل قال: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ (39) ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ). [الحج: 39].

























































