اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١١ شباط ٢٠٢٥
لا يتوقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب، منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير المنصرم، عن اتخاذ قرارات مؤثرة على قطاع غزة، بدءًا من دعوته إلى تهجير سكانه، وصولًا إلى فرضه عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، لمنعها من محاكمة المسؤولين الإسرائيليين عن سلسلة الجرائم التي استهدفت الفلسطينيين خلال 471 يومًا من حرب الإبادة في غزة.
ووقع ترمب، نهاية الأسبوع الفائت، أمرًا تنفيذيًا بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، متهمًا إياها باستهداف الولايات المتحدة وإسرائيل 'بشكل غير لائق'. وسرعان ما أشاد رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بهذا القرار، واصفًا المحكمة بالفساد.
انعكاس العقلية الاستعمارية
عدّ الخبير في القانون الجنائي الدولي، الدكتور عصام عابدين، القرار انعكاسًا للعقلية الاستعمارية، سواء الأميركية أو الأوروبية، مشيرًا إلى شراكة الإدارة الأميركية في جرائم الإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتُكبت في غزة، من خلال إمداد الاحتلال الإسرائيلي بالسلاح والقذائف التي أحدثت دمارًا هائلًا، ونسفت أحياءً سكنية بأكملها، وأدت إلى مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، معتبرًا ذلك 'اشتراكًا جرميًا مكتمل الأركان'.
وفي ردّه على مزاعم ترمب بأن المحكمة الجنائية الدولية ليس لها ولاية قضائية على أميركا و(إسرائيل)، أوضح عابدين أن ذلك لا يجنبهم الملاحقة الجنائية، لأن الجرائم وقعت على أرض فلسطين، وهي دولة طرف في المحكمة الدولية.
وقال عابدين لـ 'فلسطين أون لاين': 'من حيث المبدأ، ينبغي ألا تؤثر هذه القرارات إطلاقًا على المحكمة الجنائية الدولية، ولا على قضاتها أو المدعي العام، لأن استقلالية المحكمة هو جوهر عملها في ملاحقة ومحاكمة مرتكبي الجرائم بحق الشعب الفلسطيني'.
وأضاف: 'يفترض ألا يتأثر قضاة المحكمة أو مكتب المدعي العام بمثل هذه التهديدات، وألا تؤثر على سير التحقيقات والمحاكمات، إذ إن عرقلة سير العدالة تُعد جريمة وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية، وهذه التهديدات تندرج ضمن الجرائم الموصوفة المعاقب عليها في النظام الأساسي'.
قصور أم تواطؤ؟
وانتقد الخبير القانوني أداء المدعي العام للمحكمة، كريم خان، لعدم إدراجه العديد من الجرائم على لوائح الاتهام، سواء لنتنياهو أو غالانت، مثل جرائم التهجير القسري، والإبادة الجماعية، والانتهاكات بحق الأسرى والمعتقلين، والتعذيب المروع لهم، وقتل أعداد منهم داخل مراكز الاعتقال، بالإضافة إلى الاستيطان في الضفة الغربية والقتل العمد.
كما استهجن اقتصار الاتهامات على اثنين فقط من مجرمي الحرب الإسرائيليين (نتنياهو وغالانت)، متسائلًا عن سبب عدم إدراج أسماء مسؤولين آخرين في الحكومة الفاشية والمتطرفين فيها، مثل بن غفير وسموتريتش، وقادة الفرق والألوية العسكرية، الذين يفترض أن تشملهم لوائح الاتهام.
وأعرب عن أسفه للانتقائية التي يمارسها المدعي العام للمحكمة الجنائية، قائلًا: 'مهما ادّعى خان المهنية والموضوعية، تبقى الانتقائية والتوازنات السياسية حاضرة'.
وحذّر عابدين من احتمال توجيه المدعي العام لوائح اتهام ضد فلسطينيين، بعد التغير الذي حصل في المشهد الفلسطيني، وذلك بسقوط الاتهامات عن القادة الفلسطينيين الثلاثة (إسماعيل هنية، يحيى السنوار، محمد الضيف) إثر استشهادهم.
الحذر في الفضاء الرقمي
ودعا الخبير القانوني عموم الفلسطينيين، وخاصة المسؤولين السياسيين والمقاومين، إلى توخي الحذر الشديد عند الإدلاء بأي تعليقات عبر الفضاء الرقمي.
وتوقّع أن يعمد المدعي العام كريم خان وفريق التحقيقات إلى البحث في المحتوى الرقمي لجمع أدلة تمكنهم من إعداد لوائح اتهام جديدة ضد فلسطينيين.
كما شدد على ضرورة الانتباه إلى شخصية المدعي العام الماكرة، مؤكدًا أنه يجيد التعامل مع الملفات الجنائية بدهاء.
تقصير السلطة والمجتمع المدني
ووجّه عابدين انتقادات حادة للتقصير الكبير من قبل المستوى الرسمي الفلسطيني، وخاصة الدبلوماسية، وكذلك من مؤسسات المجتمع المدني والحقوقية، في متابعة الجرائم الدولية التي تُرتكب على مدار عام ونصف في غزة والضفة الغربية.
وأرجع عابدين هذا التقصير إلى حالة الترهل الشديد التي تصيب الجسد القيادي الرسمي والأهلي، مشيرًا إلى أنه كان من الواجب على هذه الجهات الفلسطينية أن تغرق مكتب الادعاء العام للجنائية الدولية بالبلاغات حول الجرائم الإسرائيلية.
وختم حديثه بالقول: 'الاحتلال الإسرائيلي ارتكب خلال حرب الإبادة في غزة معظم الجرائم المنصوص عليها في نظام المحكمة الجنائية الدولية، والتي تصل إلى 53 جريمة دولية، وكان يجب على الجهات الفلسطينية استغلال هذا الأمر قانونيًا بأقصى طاقاتها'.