اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة سوا الإخبارية
نشر بتاريخ: ٢١ أيلول ٢٠٢٥
هل كان الفيتو الأميركي الأخير مفاجئاً؟ .
المؤكد أن كل من استغرب رفع ممثلة الولايات المتحدة يدها مجهضة القرار الأممي الداعي لوقف الحرب يريد أن يقنع نفسه أن ثمة القليل من التعقل في الإدارة الأميركية.
مرة بعد أخرى وفي كل مناسبة تبرع واشنطن في إثبات أن المهمة الأساسية للسياسة الخارجية الأميركية هي دعم إسرائيل وإجهاض أي محاولة ليس للمساس بها بل حتى ولإدانتها، وهي بذلك تواصل سياسة متجذرة في الممارسة الأميركية منذ بداية المشروع الصهيوني في البلاد.
لذلك فإن كل من يتفاجأ من القرار يريد أن يخدع نفسه بان واشنطن يمكن أن تلتزم بالحد الأدنى من معايير الأخلاق.
تذكروا نقاط ويلسون الأربع عشرة التي تأسس عليها النظام الدولي الجديد ووفقها تم اختراع الشيء الذي سيكون اسمه لاحقاً الأمم المتحدة وكان باسم عصبة الأمم. يومها رفض مجلس الشيوخ المصادقة على اتفاقية فرساي.
هذه أميركا لا تتغير طالما ظلت تتمتع بامتيازات تعنتها وعدم انعكاس هذا التعنت على مصالحها الاقتصادية، كما أن واشنطن كانت من أوئل الدول التي اعترفت بإسرائيل في مطالع العام 1949.
تخيلوا كانت «موسكو» أول دولة تعترف بإسرائيل. يا للظلم الذي وقع على شعبنا الفلسطيني من كل جهات الأرض الأربع.
واشنطن عبر هذا الفيتو لا تخترع العجلة ولا تبتدع موقفاً جديداً بل هي تواصل سياستها وتتبع أخلاقها التي حكمت تلك السياسات بشكل ثابت ودون تغير.
نحن الذين نفترض أن يكون ما يجري في غزة قد غير من الوعي الأميركي.
العالم الأخلاقي هو من يفترض أن تغيراً يجب أن يحدث في مواقف واشنطن بسبب ما يجري.
لكن واشنطن لديها تلسكوب ثابت لا تغيره ترى من عدساته كل شيء، وعبر تلك العدسات تنظر تحديداً إلى الشرق الأوسط وجواره.
هذا التلسكوب اسمه إسرائيل، وهو تلسكوب لا يكذب بالنسبة لواشنطن وكل ما تراه عبره هو الحقيقة، وهي ليست بحاجة لحرب جديدة ولا لمذابح أخرى حتى تغير موقفها.
فهذا الموقف لا يتغير ولا يجب أن يتغير لأن مصالح واشنطن في المنطقة تتمتع بحماية منقطعة النظير.
لن يصل الأمر بالمرء للقول إن إسرائيل غير مسؤولة عما يجري في المنطقة، ولكن أيضاً يجب الإقرار بأن واشنطن تتحمل نفس القسط من المسؤولية عن الحرب ضد شعبنا في غزة وضد دول الجوار الذي تتحمله تل أبيب.
هذه حقيقة، وحقيقة يريد العرب أن يغمضوا عيونهم عليها.
يتعاملون مع واشنطن وكأنها فعلاً وسيط ووسيط يمكن الوثوق به.
فيما في الحقيقة فإن واشنطن طرف كامل في كل ما يجري.
صحيح أن إسرائيل هي من يقتل ويذبح ويشرد ولكن ما كانت لتفعل هذا لولا الحماية التي تتمتع بها من واشنطن ولولا الدعم الذي تعرف أنها تحظى به منها ولولا تأكدها من أنه لن يتم المساس بها في المؤسسات الدولية بفضل الفيتو الأميركي.
وإذا كان الأمر كذلك فإن القمة العربية الطارئة في الدوحة لم تقترب من جوهر الأزمة.
الحرب الهمجية التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة كما في الضفة الغربية لم تتوقف حدودها عند فلسطين بل طالت دولاً كثيرة في الإقليم من لبنان لسورية لإيران لليمن ووصلت إلى قطر.
لا حصانة لأحد ولا أحد بعيد بالنسبة لتل أبيب. وبقدر الصدمة التي أصابت حلفاء واشنطن من استهداف تل أبيب للدوحة بقدر الخيبة التي يمكن أن تصاحب المتابع لردات الفعل التي نظرت للأمر وكأنه مجرد نزوة من إسرائيل لاستهداف قيادة حماس .
كان يجب أن ينظر للأمر من زاوية أكثر عمقاً تتمثل في حقيقة الرسائل التي تبعثها تل أبيب من خلف هذه العملية.
عموماً هذا موضوع آخر، لكن يظل الموضوع الأهم هو تعامل الرد الرسمي العربي مع واشنطن.
لا أحد يريد أن يقتنع أن واشنطن طرف وطرف أساسي في كل شيء يحدث في المنطقة.
لا يمكن تخيل قيام إسرائيل بضرب الدوحة دون علم واشنطن.
من يريد أن يقتنع أو يفترض غير ذلك مثله مثل من يريد أن يتخيل أن واشنطن قد لا تقوم باستخدام حق النقض «الفيتو» لإجهاض مشروع قرار يمس إسرائيل. ببساطة يجب تسمية الأمور بمسمياتها وتوصيفها بما هي عليه وليس برغباتنا.
ما لم تشعر واشنطن بأن مواقفها الداعمة لإسرائيل تمس مصالحها فهي لن تغير في تلك المواقف، لذلك كان يجب أن يكون الموقف العربي أكثر صرامة في التعامل مع واشنطن، والحديث كان يجب أن يطال تحولاً شاملاً في السياسات العربية تجاه واشنطن والعلاقة معها.
حسناً فعلت الرياض بتوقيع اتفاقية الدفاع المشترك مع باكستان لكن كان الأولى أيضاً التفكير في مشروع نووي عربي موحد بقيادة سعودية مصرية جزائرية.
دون هذا المشروع سيظل الأمن العربي عرضة للنهش.
أيضاً يجب تحويل مشتريات السلاح من واشنطن للصين وللشرق بشكل عام. الأموال التي تتلقاها واشنطن كدعم من بعض العواصم العربية على شكل مشتريات سلاح يجب أن تتوقف.
واشنطن ليست صديقة للعرب ولا تتقاطع مصالحها مع مصالح العرب، ولن تتقاطع إلا بعد تغير مفهوم هذه المصالح.
الرئيس أبو مازن كان أول من انتبه لذلك حين قاطع إدارة ترامب في الدورة الأولى ثم اتخذ موقفاً واضحاً تجاه السياسات الأميركية، لكن أي موقف يجب أن يكون موقفاً عربياً موحداً حتى يكون له أثر. فيما يتعلق بقضيتنا الوطنية ثمة إدراك لدى القيادة الفلسطينية أنه دون تغير جذري في مواقف واشنطن فإننا ندور في نفس المكان.
وبقدر العمل على الجبهة الداخلية والرأي العام في المجتمع الأميركي ثمة حاجة لتحرك عربي حقيقي يقرن مصالح واشنطن واستفادتها من العلاقة مع الدول العربية الغنية بمواقفها تجاه إسرائيل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية