اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
المقاومة بالسلاح وبثبات المفاوض أيضا. معادلة تبنتها حركة المقاومة الإسلامية حماس على مدار 24 شهرا من الهجوم والدفاع عسكريا، والتفاوض غير المباشر لتحقيق أهداف وطنية، أبرزها وقف حرب الإبادة الجماعية، ومنع التهجير القسري.
ويلقي ذلك بظلاله على واقع ومستقبل القضية الفلسطينية، لاسيما أن الأهداف الإسرائيلية المعلنة كانت ترمي إلى تصفية هذه القضية، على مدار سنتين من حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة.
وبينما كان المقاومون ينفذون عمليات يصفها مراقبون فلسطينيون وإسرائيليون على حد سواء بأنها مؤلمة للاحتلال، أكد مفاوضو الحركة برئاسة رئيسها في قطاع غزة د.خليل الحية، ورفاقه في قيادة فصائل المقاومة، مرارا، أن ما لم يحققه جيش الاحتلال عسكريا لن يجنيه على طاولة المفاوضات غير المباشرة.
وعلى مدار أشهر الإبادة، صممت حماس على موقف حظى بإجماعي وطني، يرمي إلى إنهاء الحرب، وانسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة، وإعادة الإعمار، وإنجاز صفقة لتبادل الأسرى، في مواجهة تعنت حكومة المستوطنين الفاشية برئاسة بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية.
وبموازاة ذلك، أطلقت كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، سلسلة من العمليات لمقاومة الاحتلال في غزة تحت عناوين منها 'عصا موسى'، و'حجارة داود'، وغيرها.
وعسكريا، أقرت وزارة جيش الاحتلال بمقتل 1150 من عناصر الجيش والأمن من ضمنهم 1035 جنديا، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو اليوم الذي أطلقت فيه حماس عملية 'طوفان الأقصى'، ردا على جرائم الاحتلال لاسيما في القدس المحتلة.
وسياسيا، توصلت حماس إلى جانب فصائل المقاومة، إلى تفاهمات واتفاقات مع الوسطاء في نوفمبر/تشرين الأول 2023، ويناير/كانون الثاني 2025، ومايو/أيار 2025، وأكتوبر/تشرين الأول 2025، ضمن محددات وقف العدوان، والانسحاب الإسرائيلي وإعادة الإعمار.
لكن الاحتلال الذي اعتاد الانقلاب على تلك الاتفاقات، تتجه إليه الأنظار الآن لمراقبة مدى التزامه بالاتفاق الأخير، المبرم برعاية أمريكية مصرية قطرية تركية، لإنهاء حرب الإبادة الجماعية بشكل كامل، وتحقيق المطالب الوطنية.
وفي إقرار منه بقوة مفاوضي حماس، وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في مؤتمر صحفي، الجمعة، قادة الحركة بأنهم 'مفاوضون جيدون وأقوياء جدا وأذكياء'.
وأعلنت حماس، في التاسع من سبتمبر/أيلول نجاة قيادتها من محاولة اغتيال إسرائيلية استهدفتها في العاصمة القطرية الدوحة، لكن الهجوم خلّف عددا من الشهداء من بينهم نجل القيادي الحية ومدير مكتبه وعنصر بقوة الأمن الداخلي القطري.
كينونة القضية الفلسطينية
ومن منظور المستشار الدبلوماسي تيسير محيسن، فإن تموضع حماس والمقاومة الآن في معادلة الصراع هو أضعاف ما كان عليه في السابق، مما يعطي دليلا على أن الحركة استطاعت أن تحافظ على كينونة القضية الفلسطينية ووجودها كقوة فاعلة وإعادة رسم معالم المشهد المستقبلي لهذه القضية في إطار الصراع مع الاحتلال.
ويضيف محيسن لصحيفة 'فلسطين': استطاعت المقاومة في الاتفاق الأخير أن تحافظ على حضورها كقوة ولاعب رئيس في معادلة الصراع ليس فقط كجسم مقاومة في الميدان وإنما أيضا على الصعيد الدولي، إذ إن العالم بكل أطيافه وتوجهاته ومؤسساته يتحدث الآن عن أن الطرف الآخر الذي يقابل دولة الاحتلال الإسرائيلي هو المقاومة وعلى رأسها حركة حماس.
ومن ناحية سياسية، يقول محيسن: إن الاحتلال خضع لحالة من المقاربة السياسية بعد أن كان يعلن أنه يريد ما يسميه 'حسما واستسلاما كاملين' مع حركة حماس تحديدا ومع المقاومة بشكل عام في قطاع غزة، وفي النهاية فاوض على جنوده الأسرى لدى المقاومة، التي استطاعت أن تثبت جدية وقوة وإرادة حقيقية.
ويشير إلى أن النظرة الإستراتيجية للمقاومة كانت أنه لابد من عدم تمكين الاحتلال من تحقيق أهدافه، التي عجز عنها باستخدام القوة العسكرية، على طاولة المفاوضات.
ويرى المحلل السياسي، أنه رغم وجود تعقيدات في الميدان التنفيذي لاتفاق وقف حرب الإبادة، فإنه أمام الإرادة والرؤية الواضحة يمكن التغلب عليها وإضعاف مكاسب الاحتلال وتعظيم مكاسب الشعب الفلسطيني على صعيد إعادة الحياة إلى قطاع غزة وديمومة البقاء وإفشال خطط الاحتلال بالتهجير والاقتلاع وطمس القضية الفلسطينية التي بات حضورها أضعاف ما كان عليه في السابق.
ويدلل على ذلك، بأن العالم كله الآن يتحدث عن ضرورة إنهاء حالة الصراع العربي الإسرائيلي بتمكين الشعب الفلسطيني من تحقيق أهدافه وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة على حدود السابع من يونيو/ حزيران 1967 وعاصمتها القدس، وهو الحد الأدنى الذي توافقت عليه القوى الفلسطينية جمعاء.
نموذج غير مسبوق
'عندما نتحدث عن مقاومة واجهت واحدة من أعتى الآلات العسكرية في العالم، المدعومة سياسيا واقتصاديا وتقنيا من الولايات المتحدة والغرب، ثم نراها بعد ذلك ندا، قاتلت ولا تزال تقاتل منذ عامين، وتبادر وتفرض شروطها على طاولة المفاوضات، فنحن أمام نموذج غير مسبوق في صمود وتكيف حركات المقاومة'، والحديث هذه المرة للباحث في الشأن العسكري والأمني رامي أبو زبيدة.
ويؤكد أبو زبيدة لصحيفة 'فلسطين'، أن المقاومة وخاصة حركة حماس وجناحها العسكري كتائب القسام، رسخت نفسها في هذه الحرب ليس فقط كقوة عسكرية بل أيضا كفاعل إستراتيجي مؤثر في مجريات الصراع وصياغة القرار السياسي.
ويشير إلى أن نجاح المقاومة لم يأت من فراغ بل من خلال تراكم تجربة طويلة في فهم طبيعة الاحتلال وأساليب قتاله، إذ أن حماس ومن خلفها فصائل المقاومة طورت عقيدة قتالية هجومية تقوم على الحركة والمرونة والمباغتة مستفيدة من قدرات شبكات الأنفاق وخبرة ميدانية واسعة وعمق شعبي يمدها بهذا الزخم.
ويتابع: أعادت المقاومة تعريف ساحة المعركة، فلم تعد المواجهة بين جيش نظامي وتنظيم مقاوم فحسب، بل هي حرب عقول وإرادات: جيش يمتلك التكنولوجيا في مواجهة مقاومة تمتلك المعرفة بالجغرافيا والإيمان بهذه القضية.
ويرى أبو زبيدة أن حماس رسخت أنها أصبحت عنوان القرار في غزة والمنطقة ولا يمكن لأي اتفاق أو ترتيبات أمنية أو سياسية أن تمر دون تكون طرفا مباشرا فيها، وهو ما تجلى في المفاوضات الأخيرة، إذ لا تزال المقاومة الطرف الأساسي في النقاش حول وقف إطلاق النار ومستقبل غزة والإعمار وهذا بحد ذاته اعتراف عملي من المجتمع الدولي بأنها رقم لا يمكن تجاوزه.
ووفق أبو زبيدة، استطاعت المقاومة أن تدمج بين الأداء العسكري والسياسي، فهي لم تستدرج لتنازلات كان يفترض أن تقبل بها في خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رغم العدوان الهائل، وفي المقابل حافظت على رسائلها السياسة الواضحة بأن غزة لن تركع ولا تهجير لغزة ولن يحكم غزة إلا أهلها وأن الحل لا يكون إلا بإنهاء العدوان ورفع الحصار.
ومن الناحية الرمزية، فإن المقاومة اليوم -والحديث لا يزال لأبو زبيدة- تمثل حالة وعي وطني وأممي، في وقت باتت السردية الفلسطينية هي الأكثر رواجا في العالم.
ويفسر: حماس لم تعد مجرد تنظيم فلسطيني فحسب، بل باتت نموذجا لمعادلة الإرادة في وجه القوة ورسالة مفادها أن الشعوب التي تمتلك الإيمان والهدف قادرة على الصمود أمام آلة الاحتلال مهما بلغت قوتها.
ويخلص أبو زبيدة ومحيسن، إلى أن حماس رسخت مكانتها من خلال التوازن بين البندقية والعقل والصمود والإرادة وبين المقاومة الميدانية والمبادرة السياسية