اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١١ أيار ٢٠٢٥
بعد مناشدات واستغاثات متواصلة على مدار ثمانية عشر شهرًا بضرورة التدخل العربي والدولي لوقف جرائم الإبادة الجماعية؛ والقصف العشوائي؛ والتجويع الممنهج لمليوني فلسطيني في قطاع غزة -دون جدوى-؛ طالعتنا وسائل الإعلام المختلفة بخطة أمريكية جاري العمل على تسويقها دوليًا لإدخال المساعدات الغذائية لقطاع غزة وفق رؤية الرئيس الأمريكي 'دونالد ترامب'.
خطة ترامب ترتكز على توفير وجبات غذائية للمدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة؛ وتختزل عدوان الاحتلال الهمجي والمتواصل على غزة في قضية 'إطعام جوعى'؛ متجاهلةً بشكل مقصود ضرورة الإنهاء الفوري للعدوان؛ وإيقاف جريمة الإبادة الجماعية؛ ورفع الحصار الخانق عن مليوني فلسطيني في غزة؛ وإنهاء السيطرة العسكرية الإسرائيلية على الأرض؛ وانسحاب جيش الاحتلال من القطاع؛ وضمان عدم تدخّل حكومة الاحتلال في رسم مستقبل قطاع غزة سياسيًا وأمنيًا.
إن التسويق الأمريكي الزائف لمعاناة غزة في قضية 'إطعام جوعى' علاوة على كونه يبرئ الاحتلال من مسؤولية تجويع أهالي غزة؛ وهي جريمة وجّهتها 'محكمة الجنايات الدولية' ضد رئيس وزراء الاحتلال المجرم نتنياهو ووزير جيشه السابق؛ فهو أيضًا محاولة غير أخلاقية لاستخدام الغذاء وسلاح التجويع وسيلةً لابتزاز أهالي غزة؛ وفرض حلول مستقبلية وفق الرؤية الأمنية الإسرائيلية دون أفق سياسي لليوم التالي بعد الحرب يضمن تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني برفع الحصار الخانق؛ ووضع مسار سياسي فلسطيني يشمل استعادة الوحدة السياسية بين غزة والضفة وفق قواعد الشراكة والاحتكام لصندوق الانتخابات؛ وكفّ اليد الغليظة للاحتلال عن الشعب الفلسطيني.
من جهة أخرى فإن إقامة مراكز توزيع للمساعدات الغذائية تحت حراسةٍ أمنيةٍ أمريكية؛ يحقق عمليًا مخططات نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف؛ والذي يقوم على مطالبة الفلسطينيين بالحضور لتلك المراكز الأمنية؛ والحصول على المساعدات وِفق الموافقة الأمنية الإسرائيلية؛ مع حرمان الأسر والعوائل التي يُشتَبه بانخراط أبنائها ضمن أطر المقاومة الفلسطينية؛ والتي تتجاوز عشرات الألوف من الأسر؛ وهي خطوة تمهد لفرز الفلسطينيين وفق المنظور الأمني الإسرائيلي؛ وابتزازهم سياسيًا وأمنيًا لنبذ خيار المقاومة والمقاومين لاحقًا.
إن آخر ما يفكر فيه الفلسطينيون هو استبدال جيش الاحتلال الصهيوني بمرتزقة من الجيش الأمريكي تحت مسمى 'شركات أمنية'؛ حيث يدرك الفلسطينيون جيدًا الجرائم التي ارتكبتها تلك الشركات الأمنية في العراق وأفغانستان وغيرها من الدول؛ حيث كانت تلك الشركات الأمنية رديفًا للاحتلال الأمريكي هناك؛ ويراد لها اليوم أن تكون رديفًا لجيش الاحتلال الإسرائيلي داخل قطاع غزة.
ما يثير الغثيان في آلية ترامب الجديدة لتقديم مساعدات غذائية لأهالي غزة؛ أن هذه الآلية تحدد كمية السعرات الحرارية التي سيتم توفيرها لكل فلسطيني في غزة؛ وهي ذات الآلية التي لطالما تفاخرت بها حكومات الاحتلال المتعاقبة وهي تُنكر لسنوات طوال حصار قطاع غزة؛ وكأن أهالى غزة هم أسرى يعيشون داخل معتقلات إسرائيلية كي يتم احتساب السعرات الحرارية التي يتوجب توفيرها لكل فرد داخل غزة التي يراد لها أن تصبح معتقلًا كبيرًا يحاصره الاحتلال الإسرائيلي جوًّا وبحرًا وبرًا.
'دونالد ترامب' الذي يسوّق اليوم لتوفير مساعدات غذائية لأهالي غزة هو نفسه الرئيس الأمريكي الذي نفذ الرؤية الإسرائيلية بحذافيرها حين اتخذ قرارًا في فترة ولايته الأولى بإيقاف التمويل الأمريكي عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين 'الأونروا' التي كانت طيلة سبعة عقود مضت توفر غذاءً لمئات الألوف من اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة؛ ورفع الحصانة القانونية عنها؛ رغم أنها وكالة أممية تحظى بحصانة قانونية من الجمعية العامة للأمم المتحدة؛؛ بل وطالب حلفائه من دول العالم بعدم تمويلها؛ في تناقضٍ مريب؛ بين القفز على القانون الدولي وتجاوز المؤسسات الأممية؛ ليتم لاحقًا إنشاء صندوق أمريكي ينفذ أجندة اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يتجاهل أية حقوق سياسية للشعب الفلسطيني ويتعامل معهم على أنهم مجرد جوعى يبحثون عن طعام.
إن المدخل الصحيح لمعالجة مشكلات غزة؛ -حال صدق ترامب- يبدأ بإنهاء العدوان الإسرائيلي؛ ورفع كامل للحصار الظالم؛ عن غزة ومنح الفلسطينيين حقوقهم السياسية والوطنية دون تمييز؛ ومحاسبة الاحتلال عن جرائمه غير المسبوقة؛ سوى ذلك ستؤول خطة ترامب الحالية إلى سراب كما آلت صفقة القرن في ولايته الأولى؛ وستبقى أرض غزة مهدًا للثورة الفلسطينية؛ وغُصّةً في حلق الاحتلال وحلفائه؛ والنصر في النهاية لغزة صاحبة الحق والإرادة مهما طال أمد العدوان.