اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢ أيلول ٢٠٢٥
لم يكن إطلاق وزير المالية 'الإسرائيلي' المتطرف بتسلئيل سموتريتش خطته 'الأمل الوحيد' أو 'حسم الصراع' في عام 2017 مجرد حملة دعائية انتخابية، بل كان منهجًا تم تنضيجُه بعناية ليصبح واقعًا ملموسًا يهدف إلى تمهيد الطريق لضم الضفة الغربية والقضاء نهائيًا على أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة غرب نهر الأردن. ويتوافق هذا التوجه مع تصور قيام 'إسرائيل الكبرى' الذي يرفض أي وجود لدولة فلسطينية بين النهر والبحر.
شكّلت الخطة صلب برنامجه سموتريتش الانتخابي المعلن وأساس اتفاقه مع حزب «الليكود» لتشكيل الائتلاف الحكومي، كما كانت برنامج عمله على الأرض منذ مطلع عام 2023. ومنذ توليه منصبه، شرع في تنفيذ الخطة عبر تخصيص مبالغ مالية ضخمة للاستيطان، بالتوازي مع دفع السلطة الفلسطينية نحو الانهيار، وحجز مستحقاتها المالية الضريبية ضمن آلية 'المقاصة الدولية'، فضلًا عن إشعال الأوضاع الأمنية في الضفة على أيدي عصابات المستوطنين.
تمهيد الضم عبر أدوات إدارية وقانونية
يتضح جوهر الخطة من خلال الإجراءات التي بدأها سموتريتش منذ دخوله الحكومة، والتي تهدف إلى انتزاع السيطرة على الضفة من الجيش الإسرائيلي وتسليمها لموظفين مدنيين تابعين لوزارة الدفاع، حيث كان يشغل فيها منصب وزير إضافي، مع نقل بعض السلطات إليهم، بما يشبه الوضع قبل 'اتفاقية أوسلو' ودخول السلطة الفلسطينية إلى الأراضي المحتلة.
أنشأت الحكومة ما يُعرف بـ«نظام مدني منفصل» تحت غطاء استمرار وجود الجيش الإسرائيلي، ليبدو للعالم أن الجيش ما يزال جزءًا من الحكم في الضفة، ما يسهل ابتلاع الأراضي دون تحميل 'إسرائيل' مسؤولية ضمها رسميًا.
نتيجة لذلك، تسارعت عمليات إقرار مشاريع البناء الجديدة وتوسيع البؤر الاستيطانية العشوائية وتحويلها إلى مستوطنات معترف بها رسميًا، كما عززت هذه الصلاحيات إنشاء طرق التفافية تفصل التجمعات الفلسطينية وتربط المستوطنات بشبكات النقل الإسرائيلية، لترسيخ واقع الضم عبر أدوات قانونية وإدارية تجعل التراجع شبه مستحيل.
مشروع سياسي متكامل
لم يعد الاستيطان في الضفة الغربية مجرد سياسة توسعية تقليدية، بل تحوّل خلال السنوات الأخيرة إلى مشروع سياسي شامل يهدف إلى الضم الفعلي سواء بشكل كامل أو جزئي. والتطورات الإسرائيلية الأخيرة على الصعيد الإداري والمالي والسياسي تكشف عن توجه استراتيجي يسعى إلى إلغاء أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتحويل السيطرة العسكرية المؤقتة إلى سيادة مدنية دائمة.
'الإمارات الفلسطينية'
تأتي تصريحات مسؤولين إسرائيليين حول إقامة “إمارات فلسطينية” تبدأ من الخليل، وتدار كجزر معزولة دون ترابط جغرافي، لتجسّد إعادة تدوير لمفهوم 'الحكم الذاتي' المجتزأ. حيث تُمنح بعض المدن صلاحيات إدارية محدودة بينما تبقى 'إسرائيل' مسيطرة على الأرض والحدود والموارد.
يهدف هذا التوجه إلى تفكيك الهوية الوطنية الفلسطينية وتحويل المجتمع إلى تجمعات محاصرة أشبه بـ'كانتونات'، بما يلغي أي فرصة لإقامة دولة مستقلة قابلة للحياة.
استغلال مرحلة ترامب والحرب على غزة
لا يمكن فهم تسارع الإجراءات الإسرائيلية بمعزل عن الفرصة التي وفرتها الإدارتان الأمريكية السابقة والحالية للرئيس دونالد ترامب، إذ مثّلت ذروة الانحياز الأمريكي للمشروع الإسرائيلي، سواء عبر الاعتراف بالقدس عاصمة لـ'إسرائيل'، أو دعم 'صفقة القرن' التي شرعت عمليًا السيطرة الإسرائيلية على مساحات واسعة من الضفة.
استغلت 'إسرائيل' هذا الغطاء لتوسيع الاستيطان بوتيرة غير مسبوقة، وترسيخ مشاريع الضم حتى دون إعلان رسمي، مستفيدة من اللحظة السياسية قبل أي إدارة أمريكية محتملة قد تعيد التوازن أو تضغط لوقف التوسع.
كما يرى التيار اليميني الصهيوني الديني والقومي أن الانشغال الدولي بالحرب على غزة والاضطرابات الإقليمية يوفر فرصة لفرض السيادة على الضفة الغربية. بعض الوزراء يفضلون ضمًا تدريجيًا بدءًا بالمستوطنات الكبرى، بينما يدفع تيار الصهيونية الدينية نحو ضم كامل يُعلن رسميًا نهاية 'حل الدولتين'.
خارجيًا، سرّبت وسائل إعلام إسرائيلية أن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أبلغ نظيره الأمريكي بخطط محتملة للضم، ما يدل على رغبة الحكومة في قياس رد الفعل الدولي قبل اتخاذ القرار، إضافة إلى اعتبار الضم وسيلة 'انتقامية' من اعترافات بعض الدول بدولة فلسطين.
تماهي أمريكي على الأرض
لم تقتصر المساعي الإسرائيلية على الداخل، بل رافقتها محاولات لتأمين الشرعية الدولية للاستيطان تمهيدًا للضم، عبر استغلال الموقف الأمريكي. فقد زار السفير الأمريكي في 'إسرائيل' مؤخرًا مستوطنة 'إفرات'، في إشارة دعم صريحة لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة، ووصفها الإعلام الإسرائيلي بأنها 'لحظة تاريخية'. وفي خطوة غير مسبوقة، زار رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون يوم الإثنين 4 أغسطس 2025 مستوطنة 'آريئيل'، برفقة وفد من أعضاء الكونغرس الجمهوريين، ما منح الحكومة الإسرائيلية ثقة إضافية للمضي في خططها.
نحو ضم جزئي متدرج
من خلال متابعة الخطوات الأخيرة، يمكن القول إن الكيان يتجه نحو ضم جزئي متدرج يبدأ بالمستوطنات الكبرى ومناطق 'ج' الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، مع إمكانية توسيع الضم لاحقًا وفقًا للظروف الإقليمية والدولية.
هذا النهج يحقق مكاسب مزدوجة: تعزيز القاعدة الانتخابية الداخلية لليمين الأكثر تطرفاً، وفرض أمر واقع يصعب التراجع عنه في أي مفاوضات مستقبلية، ويؤكد أن الاستيطان لم يعد مجرد مشروع سكني أو أمني، بل أداة استراتيجية لتهيئة الأرضية لقرار الضم الكامل.