اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ٢٧ أيلول ٢٠٢٥
الكاتب: عوني المشني
ليس بخبر جديد او تحليل عميق القول بان امريكياً هي من ترعى وتساعد وتغطي حرب الابادة التي تشنها إسرائيل ضد شعبنا الفلسطيني ، فهذا لم يعد مجرد رأي بل اصبح بديهية سياسية واضحة ولا تحتاج إلى معطيات إضافية لاثباتها ، لكن الجديد والمختلف والذي يحتاج إلى عمق في التحليل هو : ما الذي تغير ليصبح الموقف الأمريكي ساعيا بجدية إلى وقف هذه الحرب ؟؟؟ ولكن قبل البحث في اسباب هذا التغير علينا التيقن بان الموقف الأمريكي فعلا قد تغير خاصة اننا نعلم ان الرئيس الأمريكي كثيرا ما تعكس مزاجيته نفسها على الموقف الأمريكي ، واحيانا يقول أشياء متناقضة تبعا لمتغيرات آنية متغيرة ، لكن هذه المرة فالأمر مختلف لا لان هناك اختلاف في طرائق عمل الرئيس الأمريكي بل لان متغيرات حدثت ، بعضها دراماتيكي ومفاجئ وخارج اطار المتوقع ، وبعضها الاخر حدث عبر تراكم كمّي تدريجي ادى لتغييرات نوعية . وسوق تلك المتغيرات اضافة لكونه يبرر اسباب هذا التغير فانه يعطي إضاءات على هذا المتغير ويؤكده ،
المتغيرات الذي حدثت نتاج التطور التدريجي هو الحراك الدولي الشعبي الذي يجتاح العالم منددا بالإبادة الجماعية ، هذا الحراك الذي تطور ليفرض متغيرات سياسية على المستوى الرسمي في أوروبا ، امتد إلى امريكيا وغير إلى العمق مفاهيم الحزب الديمقراطي وبشكل اقل احدث تغييرات في الحزب الجمهوري وان كانت غير ملموسة سياسيا . الاهم ان هذا الحرك امتد إلى الجمهور اليهودي وأحدث انقساما حادا في هذا الجمهور مما اضعف تاثيرات ايباك اقوى لوبي ضغط في امريكيا ، وعندما تضعف ايباك يضعف التأثير الاسرائيلي في الكونغرس الأمريكي ويقلق الرئيس ترامب بشكل جدي . والحراك الدولي هذا دفع المباردة الفرنسية السعودية لدعم حل الدولتين إلى الامام كثيرا وحوله إلى استراتيجية سياسية دولية مدعومة شعبيا ، وهذا لم يعزل إسرائيل فحسب بل ساهم في عزلة حقيقية لامريكيا ، تلك العزلة التي بدأت تمس المصالح القومية الأمريكية وتفقد الادارة الأمريكية جزء كبير من تأثيرها وهيبتها . وكما صرح اكثر من مسئول أمريكي فان الحرص على اسرائيل دفع الادارة الأمريكية وبالتحديد التيار المحافظ والداعم لها والذي يتربع على كرسي الحكم الآن إلى الدفع بقوة لوقف الحرب حرصا على إنقاذ إسرائيل من غباء قيادتها اليمينية المفصولة عن الواقع والتي أفقدتها نشوة القوة القدرة على التفكير السوي .
هناك سبب آخر لا يقل اهمية وهو ان الحرب عبر سنتين وبكل القوة المفرطة والتي استخدمتها إسرائيل قد فشلت في تحقيق الاهداف السياسية منها ، لم تقضي على حماس ومن غير المتوقع انها تستطيع القضاء عليها ، لم تطلق سراح الاسرى الاسرائيليين ، والاهم من لم تحقق التهجير وهو الهدف الاهم لتلك الابادة ، فشلت تلك الاهداف وتحقق عكسها تماما ، الصمود الفلسطيني الأسطوري الذي التقى مع المخاوف المصرية الأردنية والدعم الدولي في رفض التهجير اسقطا هدف الحرب الأساسي بل واسقطت استراتيجية اليمين الصهيوني كاملة والقائمة على الاستيلاء على الارض بدون سكان . وعندما يفشل التهجير تكون الاستراتيجية اليمينية الاسرائيلية قد اصطدمت بالحائط وفشلت في تقديم اجابات استراتيجية . أف فشل التهجير ليس حدثا عابرا ففي ظل الدعم الأمريكي للتهجير والفرصة التي وفرتها احداث السابع من اكتوبر لدعم الحرب فان الفشل يعني اضاعة فرصة لن تتكرر خاصة بعد ان اعترف العالم باغلبيته الساحقة بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره عبر دولة مستقلة على ترابه الوطني . لقد اسقط في يد اليمين بهذا الفشل وفقد عقله وذهب يضرب يمينا وشمالا مما يعمق أزمته وازمة كل اسرائيل من خلفه .
هناك متغير آخر وجاء بشكل دراماتيكي ولكن عميق الاثر ، محاولة اغتيال قادة حماس في قطر كانت القشة التي قصمت ظهر البعير ،اكدت المخاوف الكامنة لدى النظام الرسمي العربي من اخطار اسرائيل على الإسلام الاقليمي بما فيها الأنظمة الحليفة لامريكيا والمتصالحة مع اسرائيل ، وازالت الاوهام حول دور التطبيع في استقرار الاقليم ، والاهم لم تترك مجالا للشك بان اسرائيل لا تحترم تعهداتها او التزاماتها ، وما زاد الطين بلة ان تلك الضربة ترافقت مع تصريحات نتنياهو وأقطاب اليمين الإسرائيلي حول الأطماع التوسعية فيما يعرف باوهام ' إسرائيل الكبرى ' والتي تعني احتلال الأردن وسوريا ولبنان والعراق وأجزاء من السعودية وأجزاء من مصر ، ان ضربة الدوحة أيقظت كل تلك المخاوف دفعة واحدة وازالت الغشاوة عن أعين النظام العربي والتي كانت تخفي التواطؤ الأمريكي حتى ضد حلفاء امريكياً من الأنظمة العربية .
وهناك من الاسباب الأخرى والتي ساعدت بدرجات متفاوته ، وصول امريكيا إلى مرحلة متقدمة من التورط في حروب ليس من مصلحتها ان تغوص فيها ، التخوفات من انهيار السلام المصري الإسرائيلي ، التوجه الملفت لدول عربية إلى التنوع في التسليح وبالتحديد اتجاه الصين ……. الخ كلها عوامل كان لها اثر على التغير في مواقف الادارة الأمريكية .
حتى اللحظة وصل التغيير إلى مستوى القناعة بوقف الحرب ولجم التصرفات الاستفزازية الاسرائيلية اتجاه المحيط ، وحتى الان التغير الأمريكي مرده الحفاظ على إسرائيل كما تراها امريكيا ، وحتى الان التغير في الوسائط وليس في جوهر الانحياز الامريكي لاسرائيل ، ولكن تلك بداية ، ربما لن يتعمق هذا التغيير في عهد ترامب ، ولكن حتما ان المتغيرات الدولية والشعبية في العالم وفي امريكيا وفي الوسط اليهودي هناك ستقود إلى تغييرات اعمق واشد ، كانت تلك التغييرات تحتاج لعشرات السنوات ولكن الغباء والتوحش الإسرائيلي ساهم في تكثيف الزمن واستعجالها لتكون في بضع سنوات ، بضعة سنوات لا اكثر .
اما لماذا هذا اليقين بان المتغيرات الاتية ستعمق في تغيير الموقف الأمريكي فذلك مرده ان التغييرات في الاواسط الشعبية الامريكية وصلت إلى حد اليقين بان اسرائيل تمارس العنصرية والابادة والجماعية وان سياستها اصبحت عبئ على امريكيا ، وخلال سنوات قليلة سيكون هذا الجيل الشاب المؤمن بهذه القناعات في قمة هرم القرار الأمريكي ، من ناحية اخرى فان ضعف الايباك سيحرر مستوى القرار الأمريكي من ابتزاز تلك المجموعة وسيجعل التعارض معها امرا ممكنا ، وليس اخراً فان كل حلفاء امريكيا بلا استثناء غيروا موقفهم واصبحوا يتفهمون الحقوق الفلسطينية ولم يعودوا تحت تأثيرها ، هذا سيجعل امريكيا وتحت تاثير مصالحها تلتفت لهذا الامر وتأخذه في الاعتبار .