اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٣٠ تشرين الأول ٢٠٢٥
كان مستشفى شهداء الأقصى، يعج بجثامين الشهداء، نساء وأطفالا تراصت أجسادهم في داخل المشرحة، بعضهم جاء من استهداف أول، وآخرون من استهدافٍ ثانٍ، ليجتمعوا جميعا في الصباح على نعش واحد لعائلة أبو دلال التي فقدت ثمانية عشر فردا من أبنائها في استهدافين منفصلين.
وبين مساء الثلاثاء وفجر الأربعاء، عاش أهالي القطاع الأجواء أهوالا من أيام الإبادة، إذ عجت السماء بكافة أنواع الطائرات الحربية الإسرائيلية، ولم يتوقف صوت القصف، وحركة الإسعافات ومركبات الدفاع المدني وهي تجوب الشوارع عائدة بالمصابين والشهداء من أماكن الاستهدافات، ليطل الصباح قاسيًا، باستشهاد 104 فلسطينيين بينهم 46 طفلاً و20 امرأة، ليرتفع عدد الشهداء منذ وقف إطلاق النار المبرم في 11 أكتوبر/ تشرين أول الجاري إلى 211 شهيدًا.
وبلغ مجموع الإصابات أكثر من 253 إصابة، وفق إحصائية نشرتها وزارة الصحة بغزة، بينهم 78 طفلا و84 من النساء، ليرتفع إجمالي عدد الإصابات منذ إعلان اتفاق وقف إطلاق النار إلى 597 إصابة.
في ساحة المشفى، كان يضم طفلته بين ذراعيه، تتدفق الصرخات من قلبه، تكسر سكون المكان داخل مشرحة الموتى والشهداء: 'والله ظلم'، تحاول إحدى قريباته، مواساته في فقده، ولم تجد سوى دموع ذرفتها بصمت مع غياب الكلمات أمام قسوة الرحيل وثقله على القلب.
بعد تلك الليلة الدامية، فتح الاحتلال جرحا جديدا نازفا في قلوب أهالي القطاع، وخرجت جنازات التشييع حزينة وهي تواري الشهداء، في مشهد من أيام حرب الإبادة، التي لم تتنهِ أو تتوقف رغم إعلان وقف إطلاق النار الذي لم يلتزم به الاحتلال، لتتحول صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لجدر نعي للشهداء والأقارب، وتتجدد مشاهد النزوح والتشرد لعشرات العائلات التي دمر الاحتلال منازلها أو مربعاتها السكنية.
إخلاء مفاجئ
قبل أن تطرق الساعة العاشرة صباحًا، وهو الموعد الذي حدده جيش الاحتلال لوقف غاراته على غزة ليعود لحالة الهدوء بنحو 15 دقيقة، تلقى يوسف القيشاوي (34 سنة) وجيرانه في بلوك (11) بمخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، اتصالا مفاجئا من ضباط جيش الاحتلال يطلبون منهم مغادرة الحي بالكامل دون تحديد المنزل المستهدف.
أعطى اقتراب المدة بين وقت الاتصال ودخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ مرة أخرى، أملا للأهالي بأن يتراجع الاحتلال عن استهداف المربع، فوقف الجميع يراقب من بعيد، إلا أن صاروخا حربيا ضخما، أحدث هزة أرضية وزلزالا بالمكان، ارتفعت معه سحابة دخان كبيرة، أنهى تلك الآمال.
عاد جميعهم ينظرون بملامح صدمة، وعيون باكية، وجوه شاحبة، إلى مربع سكني أصبح شبه مدمر بالكامل، بعضهم كان يبحث بين الركام عن شيء يعود به من بقايا الذكريات من أسفل الحطام، وبعضهم كان يفكر بخيارات معدومة لمكان بديل، ينزح إليه بلا ملابس أو أغراض.
عصر الأربعاء، كان القيشاوي يبحث بين ركام منزلهم المدمر والذي كان يضم سبع شقق سكنية، هو وأخوته، عن فراش أو غطاء أو بعض الملابس التي يحاول انتشالها عبر إزالة الركام، كي تحميهم من البرد.
وهو يقف على أطلال منزله المدمر، يروي لصحيفة 'فلسطين' بقلب مثقل بوجع الفقد: 'طلب منا جيش الاحتلال إخلاء المربع دون تحديد المنزل المستهدف، وكان الاتصال بطريقة همجية، بطلب الإخلاء الفوري. مخيم الشاطئ به بيوت متلاصقة، وتسكنه عائلات ممتدة تضم آباء وأجداد. رأيت الأطفال يركضون قبل الآباء، والآباء يبحثون عن أطفالهم، وصعوبة بنقل كبار السن، وحالة فوضى صعبة عمت المكان، كانت مشاهد محزنة ابتعدوا مسافة عن المكان والجميع تفاجأ بحجم الدمار'.
قصف الاحتلال منزلا واحدا بالمربع السكني بقنبلة ضخمة، لكنها أدت لتدمير خمسة منازل بشكل كامل، ونحو عشرين منزلا تعرضت لأضرار جزئية.
يختلط القهر بين نبرات صوته، ويجثم على ملامحه، وهو يمسك ببعض الحجارة أمام بيته ويفتش بين الركام، يضيف: 'تدمر البيت بشكل كامل، لا يوجد مأوى أو مساحات يمكن أن ننصب فيها خيام أو مدارس إيواء ممكن نلجأ إليها، في بيتنا كنت أعيش مع أبي وأمي وأخوتي الستة، أصبحنا بلا مأوى ولا يوجد لدينا خيارات، حتى خيار الاستئجار أو التوجه لجنوب القطاع ليس ممكنا'.
وبشق الأنفس وبعد بحث طويل بين الركام، استطاع إيجاد بعض أوراقه المهمة على بعد مسافة كبيرة من البيت، يحكي بصوت متعب: 'نحاول أخذ غطاء يُؤوينا لهذه الليلة على الأقل، فالأجواء باردة في الليل ونحن في فصل الخريف، علنا نجد فرشة أو غطاء، فقدان المنزل بهذه الظروف ليس أمرا هينا مطلق'.
مشاهد من المجازر
وواجهت طواقم الدفاع المدني صعوبة في إخراج المصابين وانتشال الشهداء، كما واجهت المستشفيات ذات الصعوبة في التعامل مع عدد كبير من المصابين، وصلوا دفعة واحدة، في أوقات مسائية تكون فيه الطواقم غير مهيئة للتعامل مع هذه الحالات، عوضا عن نقص المستلزمات والأدوية وتدمير المستشفيات.
وليلة الثلاثاء، عاش الأهالي بمخيم الشاطئ على وقع انفجار هز المخيم، مستهدفا عائلة سالم بشكل مفاجئ أدى لاستشهاد 7 مواطنين، وإصابة العديد من أبناء الجيران بينهم أطفال وكبار سن، نتيجة تلاصق المباني التي لم يكترث لها الاحتلال، مرتكبًا في كل قصف مجزرة دامية.
فلم تخلو كل جنازة تشييع من نساء وأطفال وكبار سن، ليكون هذا بنك الأهداف الذي جهزه الاحتلال لغزة، ليعمق جراحها، رافضا منحها فرصة لتضميد الجراح بعيدا عن الدمار والموت والقتل الذي لا يتوقف.
في حي الصبرة نشر الدفاع المدني مقطع فيديو يوثق لحظة محاولة طواقمه إخراج مصاب عالق تحت ركام منزل قصف أمس بحي الصبرة جنوب مدينة غزة، ويظهر في المقطع أحد رجال الدفاع المدني وهو يطلب من المصاب الهدوء، وعدم الخوف قائلا وهو يمسك بيده: 'لا تخف أنا معك، لا تتحرك. وراءك سيخ حديدي' وبدأ بسحبه حتى أعلن لرفاقه بالأعلى إنجاز مهمة الإنقاذ بنجاح قائلا: 'لقد تم الأمر بنجاح'.
وفجر الأربعاء، تفاجأ نازحون بمخيم يضم مرضى سرطان وكلى بقصف مفاجئ لإحدى الخيام، أدت لاشتعال النيران واحتراق وتمزيق نحو عشر خيام أخرى، بعدما لجأ هؤلاء المرضى وعددهم نحو 100 مريض إلى المخيم القريب من مستشفى شهداء الأقصى، ليتابعوا برنامجهم العلاجي بعيدا عن مشقة الطريق، وجدوا أنفسهم بين الموت، في استهداف أدى لاستشهاد ستة مواطنين.







 
  
  
  
  
  
  
  
  
  
 























































 
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
 