اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٧ أيار ٢٠٢٥
مصابا ومنهكا، يرقد الغزي سفيان غبن في واحدة من محطات وجع ممتد، بعد 19 شهرا من حرب الإبادة. فقد بيته ومصدر رزقه، ونزح قسرا أكثر من 10 مرات، والآن يتابع أخبار القمة العربية المرتقبة اليوم في بغداد.
من داخل خيمة لا يملكها، تحت حرارة لا ترحم، لا يزال يتساءل حاله كحال 'المعذبين' في غزة: هل تحمل القمة ما لم تحمله 19 شهرا من الخذلان؟
يئن الخمسيني غبن من جراح لا تقتصر على جسده، بل تطال عينيه المنهكتين أيضا، من واقع الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
'أنا نازح من بيت لاهيا'، يقول لصحيفة 'فلسطين'، وهو يحاول جاهدا سحب نفسه قليلا ليستقيم في جلسته، مضيفا: 'بيتي قصفه الاحتلال أول أيام الحرب، وبشهر مارس الماضي وأنا رايح أجيب بنتي من مركز الإيواء، قصفني على الباب، وتصاوبت'.
وتعود الخيمة التي يؤوي إليها مؤقتا، لابن أخيه وقد تكدست فيها العائلة بما في ذلك ابنته وزوجة ابنه الأسير وأحفاده، في مشهد يلخص ما آلت إليه غزة: أماكن بلا مأوى، ومعذبون بلا فرص للحياة.
'الوضع لا يحتمل'، يتابع حديثه وهو يتلفت حوله وكأنه يبحث عن كلمات تفي بالوجع، 'جوع، نزوح، قصف، قتل، إصابة، وما في أي شي من مقومات العيش'.
ورغم كل ذلك، فإن عينيه تتجهان نحو بغداد. التي تحتضن القمة العربية.
'بدنا يوقفوا الحرب.. هدا أهم اشي'، هذا هو مطلب غبن، الذي يئن من المعاناة، مؤكدا أن إنهاء الحرب كليا هو ما يجب على العرب فعله.
لكنه يشكو من عجز العرب حتى عن إدخال حبة قمح واحدة لغزة، في ظل المجاعة الطاحنة وهي واحدة من تداعيات حرب الإبادة الجماعية: 'أكلنا العلف، عملناه زي أقراص الفلافل. ابني تعب، بطنه ومعدته تعبانين. ما بنتوقع شي منهم، سنتين حرب، شو قدموا؟ كيلو الطحين بـ60 شيكل، وأنا اشتغلت طول عمري بـ20 شيكل في اليوم'.
إلى جانبه، ابنته العشرينية هبة تجلس بصمت، لكن صوتها حين يتكلم يحمل ثقلا أكبر من سنين عمرها: 'يا رب يوقفوا الحرب. رغم التعب، لسا عنا أمل بالعرب، حتى لو خذلونا. إحنا تعبنا، والإنهاك وصل لدرجة كبيرة'.
وفي 18 مارس/آذار، انقلبت (إسرائيل) على اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، واستأنفت حرب الإبادة الجماعية التي أسفرت عن استشهاد وإصابة أكثر من 170 ألف غزي، معظمهم أطفال ونساء، وفق وزارة الصحة.
وتشمل حرب الإبادة أيضا استخدام الاحتلال التجويع والتعطيش سلاحا ضد الغزيين، وقد أغلق المعابر المؤدية إلى القطاع ومنع دخول حتى المساعدات الإنسانية منذ الثاني من مارس/آذار الذي وافق شهر رمضان المبارك.
'للأسف خذلونا'
غير بعيد عن خيمة غبن، وقفت الأربعينية سماهر كساب في مواجهة حرارة لاهبة، أمام فرن طين أوقدته بالحطب.
ثماني مرات نزحت سماهر قسرا، وتعيش الآن في خيمة صغيرة لا تتسع لألمها، وتحاول أن توفر من خلال العمل على فرن الطينة شيئا لا يسد رمق الحياة لكنه يساعدها في بعض المصروفات اليومية.
'ما عنديش بيت. بيت زوجي، بيت بابا، بيت إخوتي، بيت بناتي.. كله راح. استشهد زوجي، وزوجته الثانية، وبناتي التلاتة. ما ضل حدا'، بهذه الكلمات تلخص حالها لصحيفة 'فلسطين'.
وتعبر عن أحد أوجه ألمها بالقول: 'حتى نعمل سلطة بسيطة بنحتاج 110 شيكل. من وين أجيبهم؟'.
لكنها رغم ذلك لم تفقد قدرتها على العطاء وتفتح خيمتها لأسرة نازحة من حي الشجاعية تضامنا معها، لتشاركها كسرة خبز ولو كانت معدة من العدس أو الرمل، وتشعل فرنها لتخبز بديلا عن الخبز المفقود.
عن قمة بغداد، تقول بسخرية ممزوجة باليأس: 'العرب شافونا 19 شهر تحت القصف، تحت الجوع، تحت الموت. ما عملوا شي. كنت بستناهم يوقفوا معانا زي الأخ، لكن للأسف خذلونا. لو بس دولة قالت لا لحرب الإبادة، كان كلهم وقفوا معها'.
من بيروت إلى غزة
في ركن من جحيم حرب الإبادة، تعيش كلوديا أبو القمر، اللبنانية التي جاءت إلى غزة قبل اثني عشر عاما لتبني حياة جديدة مع زوجها الغزي، الذي استشهد لاحقا. اليوم، تعيش فقدا مركبا: وطنا، وزوجا، وبصرا، إضافة إلى إصابتها التي أسفرت عن بتر أحد أصابع يديها.
وسط معاناة لا متناهية، تقول كلوديا بنبرة منكسرة لصحيفة 'فلسطين'، 'أُصبعي راح، وعيني فيها غباش.. كنت مفروض أعمل عملية قبل الحرب، ولسه ما عملتا. مش قادرة أشوف منيح'.
ونزحت كلوديا قسرا 15 مرة خلال هذه الحرب، وهي لم تعد تعرف الاستقرار، ولا تملك فرصة للعودة إلى لبنان. تعيش عالقة في غزة مع أبنائها، دون سبيل لسفر، ودون حماية، أو حتى أمل.
'القمة؟ حتى لو صرخنا، ما حدا سامع. لو عندهم إحساس، كانوا اعتبرونا أولادهم وعملوا المستحيل'، هكذا تعبر كلوديا عن مشاعر السخط، وما يبدو يأسا من الموقف العربي.
وتستضيف العاصمة العراقية بغداد اليوم، الدورة الـ34 للقمة العربية في ظل أجواء من الأزمات والمتغيرات الكبيرة على الساحة العربية والإقليمية. وتعد قمة بغداد هي الرابعة في تاريخ العراق.
ورغم تعدد اللقاءات العربية والإسلامية خلال حرب الإبادة في غزة، إلا أنها اكتفت بالإدانات دون اتخاذ خطوات عملية لوقف العدوان أو كسر الحصار.
وفي ظل هذا الشلل الرسمي، ظهرت مبادرات شعبية تطالب بتحرك أكثر جدية، لكن بقي تأثيرها محدودا أمام الجمود العربي الرسمي.
وبعد 19 شهرا من القتل والنزوح، يترقب الغزيون ولو بكثير من اليأس، قمة بغداد علها تضع حدا لحرب الإبادة، فهل تحرك صمت العرب، أم يبقى صوت غزة بلا صدى؟