اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٩ حزيران ٢٠٢٥
لليوم السابع على التوالي، واصل الاحتلال الإسرائيلي فرض إغلاق شامل وغير مسبوق على المسجد الأقصى المبارك، في خطوة تُعد انتهاكًا صارخًا لحرية العبادة وتكشف عن نوايا صريحة لتغيير الوضع القائم، وسط تحذيرات متصاعدة من رجال دين وباحثين بأن ما يجري هو في إطار حرب دينية ممنهجة تستغل حالة الحرب على إيران.
ولا يقتصر هذا الإغلاق على المسجد الأقصى وحده، بل يشمل أيضًا كنيسة القيامة، مع فرض طوق مشدد على البلدة القديمة من القدس، ومنع سكانها من الدخول إلى أماكن العبادة وحتى منازلهم دون تصاريح خاصة.
ووفق بيان صادر عن محافظة القدس، فإن الاحتلال أغلق أبواب الأقصى أمام المصلين من كافة الأعمار، بما في ذلك من يقطنون داخل أسوار البلدة القديمة، وهو ما يُعد خرقًا واضحًا للقانون الدولي والمواثيق الأممية التي تكفل حرية العبادة.
في الوقت ذاته، يتيح الاحتلال للمستوطنين ممارسة طقوسهم التلمودية العلنية قرب المسجد، حيث وثّق شهود عيان نفخ جنود وحاخامات في البوق عند الزاوية الشمالية الشرقية من المسجد الأقصى، في مشهد يحمل دلالات خطيرة على مساعي الاحتلال لفرض سيطرته على الموقع الإسلامي الأقدس.
ويقول الباحث المقدسي زياد ابحيص إن هذا التصعيد ليس معزولًا عن تصريحات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي تعهّد قبل العدوان الأخير بتمكين المستوطنين من اقتحام الأقصى، مؤكدًا أن نهاية هذه 'الحرب الكبرى'، كما وصفها، ستكون ببناء ما يسمى 'الهيكل' المزعوم على أنقاض المسجد. وأوضح ابحيص لصحيفة 'فلسطين'، أن ما يحدث من منع صلاة وطرد للمصلين ما هو إلا تنفيذ عملي لذلك المشروع، تحت غطاء 'الأمن' وفي غياب أي ردّ دولي فعّال.
من جانبه، شدّد الباحث في شؤون القدس عبد الله معروف على أن الاحتلال يستخدم حالة الحرب على إيران ذريعة لتكريس سيطرته الأمنية والتلمودية على المسجد، قائلًا: 'هذه الإجراءات محاولة ممنهجة لإقصاء دائرة الأوقاف الإسلامية وتحويل مفاتيح الدخول إلى الأقصى إلى أيدي الاحتلال وحده'.
وأضاف معروف لصحيفة 'فلسطين' أن 'الرسالة التي يحاول الاحتلال إيصالها واضحة: الأقصى تحت سيادتي الكاملة، تمامًا كما (تل أبيب)'، محذرًا من خطورة تمرير هذه السابقة في ظل صمت العالم الإسلامي والدولي.
أما خطيب المسجد الأقصى ورئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس، الشيخ عكرمة صبري، فقد وصف ما يجري بأنه 'انقلاب على الوضع القائم واعتداء سافر على حرية العبادة'، مشيرًا إلى أن 'استمرار إغلاق الأقصى في الوقت الذي تبقى فيه الكُنس اليهودية والأسواق مفتوحة، يعبّر عن تمييز ديني صارخ لا يمكن تبريره بأي منطق'.
وأوضح صبري أن 'مؤسسات القدس ومدارسها وجمعياتها الدينية والخيرية مشلولة تمامًا بسبب هذه الإجراءات'، لافتًا إلى أن الاحتلال يمنع دخول أي شخص لا يحمل هوية البلدة القديمة، حتى إن كان يعمل في خدمة أهلها.
وقال لصحيفة 'فلسطين': 'الاحتلال يريد أن ينفرد بالأقصى دون شهود، ويمضي في تهويده بخطوات محسوبة، وقد تكون هذه هي المرحلة الأخطر منذ احتلال المدينة'.
وتؤكد محافظة القدس في بياناتها اليومية أن الاحتلال لا يكتفي بإغلاق أبواب الأقصى وكنيسة القيامة، بل يواصل اقتحام بلدات وأحياء القدس، وإطلاق النار على شبان فلسطينيين، مما أدى لإصابة خمسة مواطنين في مناطق الطور وبير نبالا والرام، مع استمرار الانتشار العسكري الكثيف على عشرات الحواجز.
ولم تتوقف الاستفزازات عند حدود الإغلاق، إذ تُظهر مشاهد مصورة اقتحام مستوطنين لكنيس 'قوس ويلسون' المحاذي لساحة الأقصى من الجهة الغربية، وإقامة صلوات فيه، بينما يُروج آخرون لبيع حجارة من ساحة البراق بسعر 189 شيكلًا للحجر الواحد، في الذكرى السنوية الـ58 لاحتلال القدس بالكامل.
ووفق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فإن ما يجري يُعد انتهاكًا فاضحًا للمادة 18 من الإعلان وكذلك للمادتين 9 و18 من الاتفاقيتين الأوروبية والدولية للحقوق المدنية والسياسية، والتي تنص على حق الإنسان في الوصول إلى أماكن عبادته وممارسة شعائره دون تمييز. ما يعني أن الاحتلال يرتكب جريمة دولية موصوفة، تستوجب المحاسبة الفورية.
وفي ظل تصاعد الأوضاع الأمنية، يفتقر غالبية أهالي القدس إلى الملاجئ أو غرف الأمان في منازلهم، بينما تستمر صافرات الإنذار وتحليق الطائرات فوق المدينة. وتؤكد تقارير محلية أن المدارس التي أعلن الاحتلال فتحها كملاجئ طارئة غير مؤهلة أصلًا لهذا الدور، ولا تستوعب العدد الهائل من السكان، مما يجعلها خيارًا نظريًا أقرب للدعاية منه للوقاية الفعلية.
إن ما تشهده مدينة القدس اليوم، وفي قلبها المسجد الأقصى، ليس إجراءً عابرًا، بل جزء من مخطط خطير لإعادة صياغة الوضع الديني في المدينة المقدسة، وإحكام السيطرة الاحتلالية على مقدساتها. استمرار الإغلاق، وفرض الأمر الواقع بقوة السلاح، وانعدام الردع الدولي، كل ذلك ينذر بانفجار وشيك ستكون له تداعيات تتجاوز حدود المدينة، لتطال المنطقة بأكملها، وفق مراقبين.
فالقدس، كما قال صبري، 'ليست قضية محلية، بل مسؤولية أمة بأسرها'.