اخبار فلسطين
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٦ حزيران ٢٠٢٥
شعراء التقوا في ساحة سان سولبيس حاملين تجاربهم الجديدة في احتفال جميل
علا الصوت الفلسطيني في ساحة سان سولبيس الباريسية ناقلاً بكلماته نبض الأرض وحنين المنفى وإرادة الحياة. لكن إغلاق المجال الجوي الذي رافق الهجوم الإسرائيلي على إيران والتوترات في المنطقة حال دون وصول بعض الشعراء، كالشاعر والروائي والصحافي غسان زقطان الذي يشغل حالياً منصب المدير العام لدائرة الأدب والنشر في وزارة الثقافة الفلسطينية، والشاعر مصعب أبوتوهة الذي تعهد الحضور، لكنه اضطر إلى التراجع خوفاً من عدم السماح له بالعودة إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث يقيم.
بعض الشعراء جاء من الضفة الغربية ومن القدس وحيفا، وآخرون من جحيم غزة، والبعض الآخر جاء من المنفى. وقد جاءت المشاركة في هذا الحدث، في إطار شراكة بين وزارة الثقافة الفلسطينية والجمعية الفرنسية 'سيرسي'.
من بين المشاركين في هذه السوق التي تعد من أهم التظاهرات الشعرية في العالم، الشاعر والمترجم سامر أبوهواش الذي صدر له ديوانه 'من النهر إلى البحر' مترجماً الى الفرنسية بقلم انطوان جوكي عن دار لانسكين، والشاعر رائد وحش المقيم في المنفى الألماني، وأنس علايلي ابن مدينة قلقيلية والمقيم في مدينة ليون الفرنسية صاحب ديوان 'باختلاف صغير'، والشاعرة مايا أبوالحيات من رام الله وديوانها 'تلك الابتسامة ذلك القلب'، والشاعرة أسماء عزايزة من الناصرة وقد ترجمت بعض قصائدها إلى الإنجليزية والألمانية والفرنسية والفارسية والسويدية والإسبانية والسلافية والتركية وغيرها، والشاعر والناقد المقدسي نجوان درويش، الذي ترجمت مختارت من شعره إلى لغات عدة..
وكرّم سوق الشعر بعض الأسماء كنور الدين حجاج (28 سنة) ورفعت العرعير (44 سنة)، اللذين استشهدا سنة 2023، وسواهم. وتعد سوق الشعر من أبرز الفعاليات الشعرية في فرنسا، يجمع، على امتداد أيامه الخمسة، الشعراء والمترجمين والقراء وعديد من دور النشر، إلى جانب شخصيات أدبية وثقافية فرنسية وعربية وجمهور واسع من محبي الشعر والأدب.
5 أمسيات فلسطينية
وأحيا السوق خمس أمسيات شعرية يقرأ فيها الشعراء الفلسطينيون قصائدهم باللغتين العربية والفرنسية، وتدور النقاشات وتوقع الدواوين المختلفة.
يوم الافتتاح وبعد كلمة هالة أبوحصيرة، سفيرة دولة فلسطين لدى الجمهورية الفرنسية، تولى كل من عبداللطيف اللعبي وكريستوف دوفان التقديم لواقع الشعر الفلسطيني وتاريخه وخصائصه. فقد سبق للعبي أن وثق الشعر الفلسطيني من خلال إصداره ثلاث أنطولوجيات شعرية، كان آخرها 'أن تكون فلسطينياً: أنطولوجيا الشعر الفلسطيني اليوم' (2022، منشورات لوبوان)، التي أصبحت اليوم مرجعاً، وقد اختار قصائد المختارات الكاتب ياسين عدنان. أما كريستوف دوفان، فقد ترجم عدداً من الدواوين الشعرية الفلسطينية إلى اللغة الفرنسية، أذكر منها على سبيل المثال 'البرابرة خاصتي' لغسان زقطان، و'مخالب' لجمانة مصطفى، و'على حواف حادة' لنداء يونس، 'ولا تصدقوني إن حدثتكم عن الحرب' لأسماء عزايزة.
ترافق المهرجان مع صدور 'أنطولوجيا الشعر الغزاوي المعاصر' التي قدمت في ترجمة إلى اللغة الفرنسية، قصائد 26 شاعرة وشاعراً فلسطينياً غزاوياً (10 نساء و16 رجلاً، منشورات لو سوي) كتب عليهم التنقل من مخيم إلى مخيم، من شمال القطاع إلى جنوبه. جميعهم من الشباب، يكتبون من أرض محرومة من الماء والكهرباء والطعام، تحت وابل من القصف ووسط الأنقاض، عن مدينة يعمل العدو على محوها عن خريطة العالم. وقع الشعراء المشاركون نسخ هذه الأنطولوجيا بحضور عدد كبير من الفرنسيين.
رغم الجدالات التي رافقت التحضير لهذه الفعالية، وتعذر حضور بعض الشعراء، قدم الصوت الفلسطيني صورة مختلفة عن فلسطين، مشكلاً نوعاً من الاحتجاج الأدبي أمام الرأي العام الفرنسي والأوروبي. صرخت هذه الأصوات رعب الحرب، وصمت العالم، والمقاومة اليومية، والصبر الطويل للحصول على قطعة خبز، مع الأمل بالعودة 'دون أن يكون شيء من الجسد قد فقد' على ما تقول الشاعرة والروائية الفلسطينية نعمة حسن. ويقول عبداللطيف اللعبي إن قرار إلغاء ثم إعادة تفعيل دعوة فلسطين إلى سوق الشعر وما رافقها من نقاشات حادة سمح، على رغم كل شيء، بتنشيط الساحة الأدبية والشعرية في فرنسا، التي تعاني بعض السبات. فقد استعيد بحسبه النقاش حول الشعر من منظور أخلاقي، وعن الشاعر كحارس للكرامة الإنسانية، وعن الشعراء ككوكبة أخوية متضامنة، مضيفاً إن إلغاء الإلغاء كان أيضاً انتصاراً سياسياً صغيراً، إذ أثبت أن غالبية الكتاب والمبدعين، وكذلك الرأي العام في فرنسا، لا يتهاونون.
ولعل هذا المهرجان الشعري إن دل على شيء فعلى أن الشعر يصبح بالنسبة إلى بعض الشعوب، في لحظات تاريخية معينة، مسألة حياة أو موت. فهو ركيزة من ركائز الهوية الوطنية وشكل من صور المقاومة الثقافية ضد الاحتلال، مذكراً إيانا أن فلسطين ليست مجرد جغرافيا محاصرة، بل هي فضاء للغة والجمال والإبداع، تكمل أصوات شعراء جيلها الجديد ما بدأه محمود درويش وفدوى طوقان وسميح القاسم في التعبير عن كفاح الشعب الفلسطيني للبقاء في أرضه وتحقيق أحلامه بالحرية والكرامة. تؤكد هذه الدورة من 'سوق الشعر' في باريس إن الشعر الفلسطيني هو صوت الشعب الفلسطيني ومرآة وجوده ووسيلة حفظ ذاكرته ومقاومته ضد النسيان.