اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٣١ تموز ٢٠٢٥
يبدو جليا أن المشهد العالمي بدأ يغير نظرته نحو 'إسرائيل' . هذا الكيان المصطنع ذات الأهداف السياسية والاستعمارية، كان يحظى بدعاية شعبية غربية، وما زالت لكنها بدأت تنكشف وتتغير، فحواها، أن 'اليهود عادو إلى أرض الميعاد'، وأن العرب والفلسطينيين تحديداً، لا يريدون العيش بسلام مع 'اليهود' وكذلك العرب، وأن ليس لديهم لا النية والا السلوك لذلك . وهذا ما يفسر، قيام الشعب الفلسطيني بمواجهتهم منذ وجودهم الاستيطاني الأول في فلسطين قبل إعلان 'دولة إسرائيل'، ابتداء من العام 1882 زمن زرع أول مستوطنة يهودية زمن العثمانيين، وصولاً إلى الثورات الفلسطينية المتلاحقة، وليس آخراً حروب العرب بعد إعلان دولة الكيان.
وحظي 'اليهود' بدعم غربي لأهداف تخدم مصالح الاستعمار، وباحتضان وتأييد شعبي، مبنى على مظلومية الهلوكوست، ومورست هذه البروباغندا الإعلامية، عقوداً طويلة، بالرغم من مجازر الاحتلال، حتى وصلنا إلى الزمن الحاضر بعد اندلاع معركة 'طوفان الأقصى'، وما أثاره من تساؤلات في الرأي العام الغربي، ووسائل إعلامه، حول خلفية هذا الحدث والمظلومية التاريخية التي عاني منها الشعب الفلسطيني من خلال الدعم الغربي المباشر للاحتلال.
اعتمد الاحتلال على مخزونه السابق، من الدعم الغربي والشعبي المفتوح، والصمت العربي الكارثي، ليرتكب المجازر، ويعتمد سياسة التجويع والحصار، وقتل الناس لدى حصولهم على المساعدات فيما بات يعرف 'بمصائد الموت'، مما أدى إلى قلب المشهد رأساً على عقب. فهذا 'الحمل الوديع المظلوم' في البحر العربي، اتضحت صورته الإجرامية الحقيقية من خلال التطهير العرقي والتدمير الممنهج، ورفض إدخال المساعدات، مما حدا بالشارع الغربي أن يتحرك .
ولقد بدأت فصول التغيير ابتداء من المحاكم الدولية، وصولاً إلى الشارع الغربي عبر ملاحقة المستوطنين الآتين للسياحة في البلاد الغربية، وطردهم من المطاعم، والتضييق عليهم، وصولاً إلى رفع قضايا ضد المواطنين من ذوي الجنسية الإسرائيلية المشاركين في العدوان على غزة، حتى أن دولاً منعت الجنود المستوطنين من الدخول إلى أرضيها، ولاحقتهم، وليس آخراً منع بن غفير وسموتريتش من دخول هولندا، وهما وزيران في حكومة الاحتلال، فضلاً عن دخول دول غربية جديدة في نادي الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ووعود بالاعتراف أطلقتها دول أخرى مثل فرنسا وبريطانيا، وليس آخراً ما أثارته قوافل كسر الحصار، التي تعامل معها الاحتلال بعنف، من دعاية كبيرة لصالح المجوعين في غزة.
كل هذه التحولات تثير قلق الكيان الإسرائيلي، من خسارة ليس فقط التعاطف الشعبي الغربي، بل أن يطرأ تحول على مستوى التعاطي الرسمي، عبر صناديق الاقتراع في الانتخابات الغربية، التي يمكن أن يشكل الناشطون والمتعاطفون مع فلسطين الأرضية لتغير خريطة التأييد الرسمي البرلماني في الدول الغربية، ومثال على ذلك الانتخابات الناجحة التي خاضها النائب البريطاني جورج غالاوي تحت عنوان فلسطين، وما يعدِّه رئيس حزب العمال البريطاني السابق جيمي كوربن من حزب جديد يناهض السياسة الغربية لصالح الاحتلال، ووفق مصادر خاصة لقد انضم إلى هذا الحزب الجديد 500 ألف بريطاني إلى الآن .
هذا المؤشرات دعت رئيس زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد لدق ناقوس الخطر والتحذير بالقول'في الساحة السياسية والإعلامية هناك انهيار كامل، إذا لم يحدث تغيير جذري، ستفرض عقوبات اقتصادية وقانونية، وكل مواطن سيدفع الثمن، وكل من يسافر إلى الخارج سيخشى من الاعتقال أو الهجوم، من يقاتل اليوم في غزة، سيخشى الخروج من إسرائيل غداً'.
وما يتخوف منه لبيد، قد يصبح حقيقية، فقد انعقد يوم السبت، 26 تموز/يوليو 2025، في لندن، مؤتمر 'التحالف العالمي من أجل فلسطين'، بمشاركة أكثر من 70 منظمة تضامنية من 25 دولة من أوروبا، والأمريكيتين، وآسيا، وأفريقيا، وأستراليا. وقد ضمّ المؤتمر ممثلين عن تحالف مناهضة الأبارتهايد من جنوب أفريقيا، وأسطول كسر الحصار، وبرلمانيين أوروبيين، وعددًا من الحركات الشعبية والنقابية والحقوقية الدولية، وبرنامجه الأساسي هو، وقف العدوان على غزة، ومواجهة التوسع الاستيطاني، تبني الإضراب عن الطعام سلاحا نضالياً لفضح الاحتلال، دعم حملات المقاطعة .
وليس بعيدا عن لبيد، نقلت وكالة الأناضول عن القائم بالأعمال السابق في السفارة الإسرائيلية والسكرتير السابق لوزارة الخارجية ألون ليف، أن ما يجري من تغييرات هو نقطة تحول، وأن الكيان الإسرائيلي، وإن كان اتخذ مواقف احتجاجية ضد الاعتراف بالدولة الفلسطينية، عبر بسحب السفراء مثل ما حدث في إيرلندا، إلا أنه لن يستطيع ذلك مع فرنسا، وبريطانيا، لأنها دول كبيرة، وسيكون لهذا الأمر تداعيات خطيرة، لذلك يلجأ الكيان إلى الاحتجاج بليونة.
أما عن وضع صورة المستوطنين في الخارج، فيقول 'من الصعب جداً الآن السفر إلى الخارج، انظروا إلى اليونان، كان لدينا سياح، لم يتمكنوا من ركوب السفينة التي أتوا بها'.
ولم يخفِ بدوره نداف تامير المستشار السابق لرئيس الكيان الإسرائيلي شمعون بيريز والمدير الحالي لمنظمة الضغط اليهودية الليبرالية 'جيه ستريت' ومقرها الولايات المتحدة بأن ''أعتقد أن مكانة إسرائيل الدولية تتدهور يومًا بعد يوم مع استمرار المأساة في غزة واستمرار هذه الحرب العبثية'. ويضيف' ترون ذلك الآن من أماكن لم نشهدها من قبل، أماكن كانت تُعتبر مؤيدة لإسرائيل أو لحكومة نتنياهو ...الآن، سيقول العديد من الإسرائيليين: يا إلهي، العالم معادٍ للسامية، العالم يكرهنا... إنهم لا يكرهون إسرائيل إنهم يكرهون الاحتلال'.
أما على مستوى الولايات المتحدة، فالمؤشرات ليست لصالح الاحتلال، فقد توصلت دراسة تحت عنوان ' الأميركيون منقسمون أكثر بشأن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل'، والمنشور في مركز شيكاغو للشؤون الدولية، أن الرأي العام الأمريكي تجاه 'إسرائيل' ازداد تحزبًا على مدار الحرب الإسرائيلية على غزة. وتضيف الدراسة أن تجاهل إدارة ترامب للمخاوف الإنسانية ودعواتها للسيطرة الأمريكية على القطاع زاد من تراجع دعم الديمقراطيين.
وتؤشر الدراسة إلى واقع يصب لصالح التأييد للفلسطينيين، حيث ترى أن عدداً أكبر من الديمقراطيين في الولايات المتحدة يدعون للوقوف إلى جانب الفلسطينيين في الصراع أكثر من 'إسرائيل'. في حين أن التحول طويل الأمد في الرأي العام قد يؤدي إلى تراجع الدعم الأمريكي 'لإسرائيل' في المستقبل، إلا أنه لم يؤثر بشكل كامل بعد على سياسة الولايات المتحدة تجاه حليفها الرئيسي في الشرق الأوسط، كما تقول الدراسة .
ربما علينا أن ننتظر سنوات قادمة لنشهد تحولاً حقيقياً في المشهد العالمي ينقلب جذرياً لصالح فلسطين، لكن هذا مرهون أيضاً بتكاتف الجهود الفلسطينية لقيادة خطة شعبية ورسمية في أرجاء العالم، لمحاصرة الاحتلال وقطع الدعم عنه.