اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شهاب للأنباء
نشر بتاريخ: ٦ أب ٢٠٢٥
تقرير – شهاب
في الحروب، قد تُستخدم القنابل والصواريخ الفتاكة والطائرات، كوسائل للسيطرة والضغط، لكن في غزة، الأمر مضاعف فوق كل الدمار والحرب، حيث يطول أمد الحصار وتتعاقب سنوات العدوان، يظهر سلاحاً أكثر خبثاً قد جرى تطويره، وهو التجويع المدروس والممنهج، أو ما بات يُعرف بـ'هندسة التجويع'.
وتُمارس هذه السياسة كأداة صامتة لكنها فتاكة، تتجاوز الحصار العسكري إلى تخطيط معقّد، تتحكم فيه 'إسرائيل' بدقة في حجم ونوع الغذاء الذي يُسمح بدخوله للقطاع، وفي توقيت دخوله، وطريق عبوره، وصولاً إلى كيفية توزيعه أو منعه.
كما أن الاحتلال لا يكتفي بحرمان السكان من الغذاء، بل يتحكم حتى في شكل الجوع، مستهدفاً إضعاف بنية المجتمع من الداخل، عبر إبقائه على حافة المجاعة، ويعتبر هذا النوع الجديد من الحصار، لا يُطبق فقط بالسلاح، بل بالعلبة الغذائية والطحين ورغيف الخبز، عبر سياسات مدروسة تخضع لحسابات سياسية دقيقة.
وفي الوقت الذي تموت فيه أجساد الأطفال وكبار السن بصمت، تدير حكومة الاحتلال معركة موازية في الإعلام، حيث تُضخّم صور شاحنات قليلة محمّلة بالمساعدات، وتُخفي خلفها مشهداً أكثر قسوة، تحكمه فوضى توزيع مقصودة، وهجمات مسلحة، واحتكار غذائي منظم، تشارك فيه أطراف محلية تحت عين ورضا الاحتلال.
ونستعرض في هذا التقرير، كيف تحوّل الجوع في غزة إلى وسيلة عقاب جماعي، وورقة سياسية تُستخدم لفرض الأمر الواقع، في انتهاك صارخ لكل الأعراف الإنسانية والقوانين الدولية.
تجويع منظم يُدار بعقل بارد
رئيس الهيئة الشعبية العالمية لدعم غزة، عصام يوسف، حذر من تصاعد 'هندسة التجويع' في قطاع غزة، مشيراً إلى أن ما يجري ليس عشوائياً أو ناتجاً عن ظروف الحرب فقط، بل هو 'تجويع منظم يُدار بعقل بارد'.
وأكد يوسف أن الاحتلال الإسرائيلي ينفذ سياسة متكاملة تهدف إلى تجويع سكان القطاع ضمن خطة مدروسة تشمل فرض الحصار، وإغلاق المعابر، ومنع دخول المساعدات الإنسانية، أو تقييدها بشروط معقدة، ما يجعل دخول الغذاء مشروطاً بالموافقة الأمنية الإسرائيلية.
ويرى يوسف أن 'هندسة التجويع' تعني إدارة المجاعة كوسيلة ضغط سياسي ونفسي على السكان، بهدف كسر إرادتهم، وتفكيك بنيتهم الاجتماعية، ودفعهم نحو الانهيار، وصولاً إلى فرض تنازلات تمس بحقوقهم الأساسية، وعلى رأسها الحق في الحياة والكرامة.
وأشار إلى أن هذه السياسة تنعكس ميدانياً في 'التحكم المتعمد في كميات ونوعيات المساعدات الغذائية'، بحيث لا تكفي لتلبية احتياجات السكان، لكنها توظف لتقديم صورة مضللة أمام المجتمع الدولي عن وجود إغاثة مستمرة.
إدارة الصورة والواقع
وأوضح أن الاحتلال يسعى للسيطرة على الرواية الإعلامية من خلال السماح بدخول كميات محدودة من المساعدات، يتم تصويرها على أنها كافية، في حين يمنع دخول الصحفيين الأجانب ويقمع تغطية الإعلام المحلي.
وبحسب يوسف، 'تُستخدم هذه الصور لتبرير الوضع الحالي والتقليل من حجم الكارثة'، بينما يموت الأطفال والنساء وكبار السن بصمت، نتيجة الجوع ونقص الغذاء.
وأشار يوسف إلى 'مرحلة جديدة من التجويع'، تتعلق بكيفية إدارة قوافل المساعدات، حيث لا يتم تأمينها، بل تُجبر على السير في طرق محددة تحت سيطرة الاحتلال، ثم تُترك في نقاط خطرة قريبة من الدبابات الإسرائيلية، لتتحول إلى هدف لعصابات مسلحة.
ولفت يوسف إلى أن هذه العصابات، التي يرى أنها نشأت ضمن بيئة الفوضى التي خلفتها الحرب، تقوم بنهب المساعدات ومنع المدنيين من الوصول إليها، ما يؤدي إلى بيعها في الأسواق بأسعار خيالية، منبهًا إلى أن سعر كيلو الطحين أصبح يتجاوز سعر كيس كامل قبل الحرب.
تمييز في إدخال البضائع
وأضاف أن الاحتلال يسمح بدخول شاحنات خاصة لبعض التجار، بعد دفع مبالغ مالية مقابل التنسيق، وتحظى هذه الشاحنات بالحماية، فيما لا تحمل عادةً المواد الأساسية، بل سلعاً استهلاكية كالفواكه والمسلّيات، يتم استخدامها في الحملات الإعلامية للتشكيك بوجود مجاعة، 'يُظهرون صور الفراولة ليقولوا للعالم: لا جوع هنا!'.
ودعا عصام يوسف إلى التحرك العاجل لإنقاذ غزة، عبر إرسال مساعدات إنسانية بطرق تحفظ كرامة السكان، وضمان عدالة التوزيع، والتصدي لمحاولات الاحتلال استغلال الوضع الإنساني لتحقيق أهداف سياسية.
كما شدد على أهمية الدور الإعلامي في كشف الحقائق، وفضح السياسات الإسرائيلية، مطالباً بجهد إعلامي عربي وإسلامي ودولي يعكس الواقع، وينقل صوت الضحايا الذين يتعرضون لأبشع أشكال الحصار والتجويع.
وخلص إلى أن ما يجري في غزة ليس مجرد أزمة إنسانية، بل جريمة حرب مكتملة الأركان، تستهدف المدنيين عبر سلاح التجويع، الذي يجب أن يواجه بتحرك قانوني وأخلاقي عاجل.
وسط هذا المشهد المأساوي، يتضح أن ما يجري في غزة يتجاوز حدود الأزمة الإنسانية التقليدية، ليأخذ شكل جريمة ممنهجة تُرتكب بصمت، تحت غطاء الحصار والتضليل الإعلامي، وأمام تواطؤ أو صمت دولي مريب.