اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٣ حزيران ٢٠٢٥
في الوقت الذي يُكثّف فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي عملياته العسكرية شمال قطاع غزة، باغتته المقاومة الفلسطينية بعملية نوعية، كشفت مجددًا هشاشة منظومته الاستخباراتية والعسكرية، وأظهرت تطورًا لافتًا في التكتيكات القتالية لفصائل المقاومة.
فقد تعرّضت الفرقة 162، إحدى أبرز التشكيلات النخبوية في جيش الاحتلال، إلى كمين محكم نفّذته المقاومة داخل جباليا، أسفر عن مقتل وإصابة عدد من الجنود، وتعطيل عمليات الإخلاء الجوي في المنطقة التي أعلن الاحتلال سابقًا 'السيطرة الكاملة' عليها.
وفي تفاصيل العملية، تعرضت أولا قوة من لواء غفعاتي من كتيبة روتيم، التابعة للكتيبة التاسعة المدرعة في جباليا شمال قطاع غزة، إلى تفجير عبوة ناسفة في ناقلة جند مدرعة كان جنود يستقلونها، حيث تمكن الجنود من الـقفز منها وكانت إصاباتهم طفيفة.
بعد ذلك وصلت قوة أخرى من الكتيبة، ضمت مدرعة هامر وقوة إطفاء تابعة للجيش الإسرائيلي من أجل إخماد النيران التي اشتعلت في ناقلة الجند المدرعة، ثم بدأت القوة في العودة إلى داخل إسرائيل وسلكت الطريق نفسه، حيث وقعت القوة الموجودة في مدرعة هامر -والتي كانت توفر الحماية لعربة الإطفاء- في كمين؛ إذ انفجرت عبوة ناسفة فيها مما أدى الى مقتل جنود وإصابة آخرين فضلا عن إصابة رجلي الإطفاء.
وتبين لاحقا أن القوة العسكرية دخلت في منطقة مفخخة بعشرات العبوات الناسفة حيث جرى التعامل معها ، وفق المصادر العسكرية.
وبحسب بيان جيش الاحتلال فإنّ الجنود القتلى هم الرقيب ليؤور شتاينبرغ (20 عامًا) من بتاح تكفا، مسعف ميداني، الرقيب أوفيك برهانا (20 عامًا) من بني، مسعف ميداني، والرقيب عومر فان غيلدر (22 عامًا) من مستوطنة معاليه أدوميم، وهو قائد فرقة في الكتيبة التاسعة بلواء جفعاتي، وبذلك يرتفع عدد قتلى الجيش الإسرائيلي المعلن عنهم حتى الآن إلى 861 قتيلًا منذ بدء الحرب.
من هي الفرقة 162؟
تُعد الفرقة 162 رأس الحربة في القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي، وتضم وحدات مختارة من سلاح المدرعات والمشاة والهندسة القتالية، كما تتمتع بتجهيزات متطورة وخبرات قتالية متراكمة، خاصة في حروب المدن.
تُعرف الفرقة 162 بأنها فرقة متعددة الجبهات تابعة للقيادة الجنوبية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتُلقّب بـ'الفرقة المدرعة'. يقع مقرها في مستوطنة معاليه إفرايم، ويحمل شعارها صورة مدفعية تقذف ألسنة لهب، تعبيرًا عن مهمتها الرئيسية في تنفيذ عمليات القصف المدفعي والهجمات البرية المركزة.
نشأت الفرقة في البداية كوحدة احتياطية، وشاركت في عدة حروب كبرى منها حرب الأيام الستة عام 1967، وحرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، قبل أن تتحول عام 1979 إلى فرقة نظامية تحت قيادة المنطقة الجنوبية. وبعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، نُقلت إلى القيادة المركزية، لكنها عادت مجددًا إلى القيادة الجنوبية في عام 2016 بهدف تعزيز القدرات الهجومية للجيش.
وفي حفل إعادة تموضعها، قال رئيس أركان الجيش آنذاك غادي آيزنكوت إن 'هذه الفرقة ستعمل حيثما نحتاج إليها'، في إشارة إلى دورها كمكون استراتيجي مرن في الخطط العملياتية للجيش الإسرائيلي.
وتتمتع الفرقة بقدرة على تنفيذ معارك هجومية ودفاعية على مختلف الجبهات، وتضم تشكيلات نُخبوية من المدرعات والمشاة والهندسة القتالية، ما يجعلها من أبرز وحدات الاقتحام والتوغل البري.
لكن الكمين الذي نُفّذ ضمن عملية 'حجارة داود'، كشف عجز هذه الفرقة عن التعامل مع تكتيكات القتال القريب، وتفوّق المقاومة في الميدان عبر الرصد الدقيق، والتحكم في الأرض، وتوظيف جغرافيتها المعقدة لصالحها.
اختراق خلف الخطوط.. وتضليل ميداني
بحسب الخبير العسكري نضال أبو زيد، فإن العملية شكلت تحولًا تكتيكيًا مهمًا في أسلوب المقاومة، الذي بات يركّز على استهداف أضعف حلقات جيش الاحتلال: القوة البشرية، عبر عمليات مركبة ومباغتة.
ويشير أبو زيد إلى أن 'المقاومة اعتمدت على تشتيت الجهد العسكري الإسرائيلي بين محاور الشمال والجنوب، فبينما تدفع قوات الاحتلال بقواتها نحو جباليا، يتم تثبيت كمائن نوعية على محاور رئيسية مثل كيسوفيم – عبسان – الزنة – خان يونس'.
الباحث السياسي سعيد زياد أكّد أن الكمين وقع شرق جباليا، قرب شارع صلاح الدين، في منطقة تُعرف بتجريفها الكامل من قبل الاحتلال، ما يُبرز دقة التخفي والتخطيط الذي اعتمدته المقاومة في تنفيذ العملية.
وأوضح أن الكمين وقع خلف خطوط العدو، في منطقة يدّعي الاحتلال السيطرة عليها بالكامل، وهو ما يشير إلى فشل استخباراتي ميداني فادح.
المشهد لم يقف عند الخسائر البشرية، بل تعمق بفشل الاحتلال في تنفيذ عمليات إخلاء آمنة، بعد ارتباك كبير في منظومة القيادة والسيطرة لدى الفرقة 162، التي اعتادت الاعتماد على الغطاء الجوي والطائرات المسيّرة لتثبيت مواقعها.
ويرى مراقبون أن ما جرى ليس مجرد ضربة ميدانية عابرة، بل تصدع استراتيجي في سردية 'الجيش الذي لا يُقهر'، ويعكس عجز الاحتلال عن التعامل مع طبيعة القتال في غزة، حيث تتداخل البيئة المدنية بالعسكرية، وتتفوق المقاومة في تكتيكات حرب العصابات والكمائن.
عملية جباليا فتحت صفحة جديدة من المواجهة، ووضعت القيادة السياسية والعسكرية للاحتلال أمام خيارات أكثر تعقيدًا، وسط فشلهم في تحقيق أي من أهداف 'التطهير والتثبيت'، كما يدّعون.
وبحسب أبو زيد، فإن استمرار العمليات بهذا الشكل قد يُجبر الاحتلال على إعادة حساباته الميدانية، وربما القبول مجددًا بالعودة إلى طاولة المفاوضات، تحت ضغط ميداني متصاعد وخسائر فادحة.
في موازاة عملية جباليا، واصلت فصائل المقاومة – وعلى رأسها كتائب القسام وسرايا القدس – تصعيد العمليات جنوب القطاع، خاصة في خان يونس، حيث نُفذت هجمات نوعية استهدفت آليات الاحتلال وتجمعات جنوده بالقذائف والصواريخ.
وأكدت الكتائب قصف موقع 'العين الثالثة' شرق خان يونس، واستهداف دبابة إسرائيلية في منطقة قيزان النجار، كما نُفذت عمليات مشتركة مع كتائب شهداء الأقصى في محيط منطقة الضابطة الجمركية.