اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٨ تشرين الثاني ٢٠٢٥
سيمضي وقت طويل، تتخلله تفاعلات شتى، قبل أن يكون ممكناً القول إن حرب الإبادة على غزة قد وضعت أوزارها فعلاً، ذلك أن العدوان الوحشي عليها لا يزال يفرض آثاراً قاسية وأشكالاً للفجائع لا حصر لها، وهي تتجدد مع كل حدث مستجد في غزة، كالمنخفض الجوي الأخير الذي كشف عن معاناة قاسية ومستمرة لم يخفف منها وقف الحرب، لأن ما توقف فقط هو القصف الشامل، بينما بقي الحصار قائماً ومعه كل آثار الحرب التي لم تعالج حتى الآن، باستثناء قدر محدود من المساعدات الإنسانية التي لا تغطي سوى احتياجات الحد الأدنى للسكان، وتكفي فقط لإبعاد شبح المجاعة عنهم، أي أن إسرائيل كفت فقط عما يحرجها على الساحة الدولية، وخصوصاً المجازر اليومية الواسعة والتجويع بشكله القاسي، أما ما يكابده أهل غزة من أهوال يومية فقد بات أداة ابتزاز سياسية، تبرع أمريكا وإسرائيل في توظيفه لفرض مزيد من الضغط على قيادة المقاومة وعلى الجمهور الفلسطيني.
في حديث أي مسؤول سياسي أمريكي أو غربي عن أي شأن من تفاصيل بحث مستقبل غزة بعد الحرب تبرز مسألة سلاح المقاومة والتأكيد على ضرورة نزعه، ولم يعد الأمر مقتصراً على رعاة اتفاق وقف إطلاق النار، بل بات تصريحاً سياسياً تقليدياً تتقاذفه ألسنة الساسة الغربيين عموماً ووسائل إعلامهم، حتى صار الموقف من السلاح يُطلب ممن لا علاقة له بغزة أو بأي شأن سياسي، وفي مقابل ذلك يغيب الحديث عن فجيعة الحرب وآثارها واحتياجات الناس في غزة وكل ما خلفه الاحتلال فيها من مظاهر المأساة.
أما الوصاية الدولية على غزة فهي اختراع عجيب آخر من الوصفات السياسية الأمريكية، في إطار انشغالها المبالغ فيه بهندسة تصورات خيالية عن مستقبل غزة، وهي تصورات فيها من التبجح قدر ما فيها من القصور عن إدراك واقع وخصوصية الساحة الفلسطينية، ولا سيما غزة، وفيها من التعقيد قدر ما فيها من البعد عن الواقعية، إذ كان يمكن بكل بساطة التركيز على إغاثة غزة وتوفير حاجاتها الأساسية من كل شيء، ووضع أقدامها وأهلها على طريق التعافي، قبل القفز لبحث كل القضايا السياسية، ثم الجمود في معالجتها، ومحاولة فرض أهداف إسرائيل التي لم تحصّلها بالقوة العسكرية الغاشمة.
ولكن بطبيعة الحال، لا يمكننا افتراض أدنى درجات حسن النية أو العزم على إنهاء معاناة المعذبين في غزة حين نتحدث عن النظام العالمي ومعه النظام الرسمي العربي، فلا يمكن لهؤلاء جميعاً أن يحولوا أنظارهم عن تلك الطاقة المعنوية الهائلة التي صنعها الطوفان في عموم العالم، وعن التداعيات المتفاعلة له، وخصوصاً على المزاج الشعبي العالمي، ولذلك فإن تركيزهم ينصب على نزع السلاح واجتثاث المقاومة قبل أي شيء، ليس لضخامة ترسانة المقاومة في غزة، وهي التي فقدت معظم مقدراتها في هذه الحرب، بل للأثر المعنوي والسياسي المترتب على نجاحهم بنزع السلاح واستئصال المقاومة وإنهاء حماس سياسيا، أي تأكيد فكرة أنه لا أفق ولا مستقبل ولا أمل بنجاح أي فكرة ثورية تتحدى ضوابط المنظومة الدولية، وفي قلبها كيان الاحتلال، أو تحاول تهشيم ما شيدته تلك المنظومة من أصنام وهمية في العقول حول سيطرة منطق القوة وقهر المستضعفين وإخضاع أصحاب القضايا العادلة، وإبادة من يحاول تحريك عوامل زلزلة العالم والمس بنظامه الحديدي الظالم.
لهذا قد يبدو مفهوماً لماذا ينشغل العالم كله بغزة وسلاحها، ولماذا تبدو وحدها في مواجهته، ولماذا يتم إطلاق الخطط والمبادرات من كل الجهات حول مستقبلها، إذ ما دامت رمزيتها طاغية وقضيتها حاضرة في وجدان الأحرار حول العالم، وما دامت تجسد الحق الخالص الذي يواجه الباطل الخالص، فلن يهنأ كيان الإبادة ولن يستقر لداعميه قرار، ولن تتبدد مخاوف المتواطئين معه من العرب، ولن يأمنوا على عروشهم من طوفان آخر، مختلف عن كل ما ألفوه او استطاعوا كسره ورده من هبات وثورات.

























































