اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٣٠ نيسان ٢٠٢٥
تحت أشعة الشمس الحارقة، وفي أروقة العيادات الطبية، وعلى نواصي الشوارع، يصطف الآلاف من أهالي قطاع غزة يومياً في طوابير لا تنتهي بحثاً عن أبسط مقومات الحياة.
الدواء، الماء، الغذاء وحتى أساسيات الحياة اليومية، بات الحصول عليها رحلة شاقة تبدأ بطابور انتظار طويل، وتنتهي -غالباً- بخيبة أمل وإرهاق مضاعف.
دواء مفقود
في إحدى العيادات الطبية التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين 'أونروا' بمدينة غزة، وقفت السيدة الخمسينية أم محمد، متكئة على جدار في طابور طويل، تنتظر دورها للحصول على دواء لمرض مزمن تعانيه، قبل أن تخبرها الصيدلانية أن الدواء غير متوفر.
بكلمات محبطة، قالت أم محمد لـ 'فلسطين أون لاين': 'جئت منذ ساعات الصباح الباكر إلى العيادة على أمل الحصول على دواء، وبعد وقوفي في طوابير متتالية ولساعات طويلة لقطع تذكرة الدخول وفي انتظار الدخول الى الطبيب، لكن في النهاية عدت خاوية اليدين'.
تتنهد أم محمد بحرقة وهي تضيف: 'نموت ونحن ننتظر... لا دواء، لا ماء، لا طعام، لا حياة كريمة... كل شيء هنا يحتاج صبرا لا ينتهي'.
الحال لا يختلف كثيراً بالنسبة للسيدة أم سليمان، التي تجاوزت الستين من عمرها، إذ اضطرت هي الأخرى للوقوف طويلاً في صف الانتظار ذاته، فقط لتكتشف هي الأخرى أن الدواء غير موجود.
'حياتنا كلها طوابير بطوابير... لا شيء يأتي بالساهل. الحياة أصبحت صعبة جداً.. نحتاج إلى وقت طويل لإنجاز أبسط الأمور'، تقول أم سليمان بصوت مخنوق من التعب والإحباط.
الانتظار الطويل، الذي يستنزف أعمار الناس وأعصابهم، ويتسبب في كثير من الأحيان في مشادات بين المواطنين، لم يعد مقتصراً على العيادات والمستشفيات، بل امتد إلى كل تفاصيل الحياة اليومية في قطاع غزة.
مياه الشرب.. معركة يومية
غير بعيد عن العيادة، كان الشاب رامي السرساوي (27 عاماً) يقف مع عشرات آخرين في طابور طويل ينتظر دوره أمام شاحنة مياه متنقلة، محاولاً ملء بعض القوارير بالماء الصالح للشرب، وسط ازدحام شديد.
قال السرساوي لـ 'فلسطين أون لاين': 'انتظرت أكثر من ساعة تحت الشمس، وبعد كل هذا العناء بالكاد تمكنت من تعبئة قارورة ماء لا تكفي لعائلتي ليوم واحد بسبب الازدحام الكبير'.
وتابع بصوت ممزوج باليأس: 'أصبحنا نقاتل من أجل شربة ماء... تخيل أن حياتنا صارت رهينة بشاحنة مياه قد لا تصل كل يوم!'
ولم تقتصر معاناة الوقوف في طوابير على الرجال والنساء، بل طالت حتى الأطفال الذي أجبروا على ترك مدارسهم، وباتوا ضحية لهذه الأزمات اليومية.
الطفل عبد الرحمن معروف (12 عاماً)، تمكن بعد انتظار طويل من تعبئة جالون مياه كان يحمله في يده، صرخ قائلا: 'بكفي، تعبت من الوقوف في الطوابير، النهار يضيع يوميا بين طوابير المياه والخبز والتكية'.
طوابير المخابز والتكايا
ومع إغلاق المخابز بسبب نفاد الوقود والطحين، اتجه كثير من سكان غزة إلى 'أفران الطينة' البدائية لصناعة الخبز.
أمام أحد هذه الأفران في حي الدرج، كان الخمسيني أبو إياد اسليم يقف حامل صينية خبزه بيديه، منتظراً دوره ليخبزه.
يقول إسليم: 'كل يوم اقف في طابور الخبز.. نعود إلى طرق أجدادنا لأن المخابز مغلقة. لا كهرباء، لا طحين كافٍ... وحتى الطابور هنا طويل جداً'.
وفي منطقة أخرى من غزة، اصطف العشرات من الأطفال والعديد من الشبان وكبار السن أمام تكية خيرية تقدم وجبات طعام للفقراء والمحتاجين.
من بين المنتظرين كان الشاب سامي (34 عاماً)، الذي فقد عمله منذ بداية الحرب على غزة في أكتوبر 2023.
يقول سامي: 'لم أتخيل يوماً أنني سأقف في طابور للحصول على طعام اطفالي، لكن الحرب أفقدتنا كل شيء... لم يعد لنا خيار آخر'.
وتابع 'ننتظر طويلا في طابور طويل لنحصل على القليل من الطعام لأطفالنا الجائعين'.
ومنذ الثاني من مارس/آذار، أغلقت (إسرائيل) جميع المعابر المؤدية إلى غزة، مانعة دخول الغذاء والدواء والوقود والمساعدات، ما فاقم الأزمة الإنسانية في القطاع التي وصفتها منظمات حقوقية محلية بأنها 'الأسوأ منذ عقود'.
ويقول برنامج الأغذية العالمي إن 93% من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، فيما تشير تقديرات طبية إلى أن عدد مرضى الأمراض المزمنة في القطاع يصل إلى نحو 350 ألفاً، حرموا جميعاً من الرعاية الصحية بفعل حرب الإبادة المستمرة.