اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٧ أب ٢٠٢٥
منذ اليوم الأول للعدوان على غزة، لم يكتفِ الاحتلال بقتل المدنيين وتدمير البيوت والمستشفيات، بل جعل الصحفيين هدفًا مباشرًا، في محاولة واضحة لطمس الحقيقة ومنع وصولها إلى العالم.
فمن يحمل الكاميرا أو يسجّل شهادة عن جرائم الاحتلال يُعامل كعدو يجب تصفيته، وكأن نقل المعلومة جريمة كبرى.
رحلت المصوّرة المبدعة مريم أبو دقة، التي وثّقت الحرب، على مدار ما يقارب عامين، ورحل معها المصوّر محمد سلامة، وحسام المصري، والزميلان أحمد أبو عزيز ومعاذ أبو طه، إضافة إلى 14 من الطواقم الطبية والدفاع المدني في مجمع ناصر.
وقبل أيام اغتيل مراسلا الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع، وقبلهما ارتقى الشهيد الصحفي حسن أصليح، ومعهم قائمة طويلة من الصحفيين الذين استُهدفوا بسبق الإصرار. وتجاوز عدد الشهداء الصحفيين في غزة منذ بداية الحرب 246 صحفيًا، في حصيلة غير مسبوقة عالميًا.
هذه الجرائم لا يمكن فهمها بمعزل عن سياسة متعمدة لإعماء الحقيقة.
فالاحتلال يدرك أن الصورة أقوى من الرصاصة، وأن الصحفي الفلسطيني هو عين العالم على غزة، لذلك يواصل استهدافهم بلا حساب.
المفارقة الصادمة أن بعض الصحفيين الإسرائيليين لا يكتفون بالصمت، بل يشاركون في التحريض العلني على القتل.
فقد رافقوا الجنود في تفجير المباني وتباهوا بذلك على الشاشات. وآخرهم كان تسفي يحزقيلي، محرر الشؤون العربية في قناة i24 العبرية، الذي علّق على مجزرة الاحتلال بحق الصحفيين في مجمع ناصر الطبي بخان يونس قائلًا: “من الجيد أن إسرائيل اغتالتهم ولم تنتظر طويلًا، لأنها تعلم حجم الضرر الإعلامي الذي تسببوا به من خلال نشر رواية المجاعة في قطاع غزة”.
هذا النموذج يفضح أن قتل الصحفيين سياسة رسمية، للاحتلال لإعماء الحقيقة، دون حساب أو رقيب.
أما المؤسسات الدولية وخاصة المهتمة بالصحفيين، ورغم معرفتها بأن غزة أصبحت أخطر مكان في العالم لممارسة الصحافة، فإنها لم تتحرك إلا ببيانات شجب باهتة، دون أي إجراءات فعلية لردع الاحتلال أو مساءلته.
في أماكن أخرى، كان مقتل صحفي واحد كفيلًا بإحداث عواصف سياسية ودبلوماسية، بينما في غزة يُترك الصحفيون يواجهون الموت وحدهم.
إن قتل الصحفيين ليس استهدافًا لأشخاص بعينهم، بل محاولة ممنهجة لقتل الحقيقة وفرض رواية الاحتلال بالقوة.
لكن الحقيقة لا تُقتل، ومهما علا صوت القصف ستبقى صور الشهداء ورسائل الصحفيين الميدانية شاهدة على الجريمة، وتدين الاحتلال وصمت العالم معه، وتفضح الصمت على ذلك.