اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٧ تموز ٢٠٢٥
تصاعدت عمليات المقاومة في قطاع غزة في الآونة الأخيرة، على وقع مفاوضات ما زالت متعثرة، بفعل محاولات نتنياهو الحثيثة لفرض شروطه عبر هندسة انسحاب جيش الاحتلال من غزة بما يتناسب ومخطط التهجير، أو التحكم بآلية توزيع المساعدات عبر خديعة 'مدينة غزة الإنسانية'، وعدم القبول بأي ضمانات لعدم عودة العدوان إلى غزة بعد إجراء عملية تبادل للأسرى .
وافترض الاحتلال أن عمليات القتل الممنهجة التي وصلت إلى 100 شهيد يومياً في ساحات توزيع المساعدات التي أصبحت مصيدة للقتل، فضلاً عن مئات الجرحى، كفيلة بأن تضغط على الوفد الفلسطيني ليقدم تنازلات، تتناسب مع نوايا نتنياهو وائتلافه الحكومي، إلا أن تنبُّه المقاومة لمآرب الاحتلال، منعها من تقديم تنازلات تصبُّ في النهاية لمرحلة لا تقل سوءاً عن الوضع الحالي، بالرغم من الحاجة الملحة لهدنة لتلتقط غزة أنفاسها .
بناء عليه، توجهت المقاومة لتصعيد عملياتها العسكرية في غزة لصد الضغوط الإسرائيلية، ولقلب المشهد رأساً على عقب، عبر تكثيف عملياتها من كمائن، وتفجير دباباته، وقصف مواقع التحكم والسيطرة، فضلاً عن استهداف فرق الإنقاذ الإسرائيلية، التي أصبحت هدفاً مقصوداً للمقاومة، تستزنف جيش الاحتلال، بحيث أصبح إنقاذ الجنود حساباً مكلفاً، وصولاً إلى محاولات كتائب القسام وسرايا القدس، لأسر جنود إسرائيليين من ساحة المعركة. واستطاعت المقاومة أن تجعل أخبار الجنود القتلى والجرحى من جيش الاحتلال حدثاً مفصلياً يوميا ًلا تكاد تخلو منه نشرات الأخبار اليومية .
وليس مستغرباً ما ذكرته صحيفة معاريف العبرية عن العمليات الأخيرة للمقاومة، بالقول: ' أفضل دبابة وأكثرها حماية في العالم تعرضت لضربة بالغة...الجيش لم يعرف بأي سلاح ضربت الدبابة هل كان صاروخاً أم قنبلة؟...الجيش أصبح غارقاً في وحل غزة، وقيادته تخشى عرض الحقائف على المستوى السياسي '.
ولا يقل خطورة ما ذكره موقع 'واللا العبري' عن مراسله أمير بوخبوط أن المقاومة 'حققت نجاحاً في جمع معلومات استخبارية دقيقة عن جيش الاحتلال في مختلف محاور القتال، وأنها تستخدم هذه المعلومات لتنفيذ هجمات منظمة من قنص، وصواريخ مضادة للدروع، وعبوات ناسفة، وقذائف الهاون'. أما بالنسبة لقدرة المقاومة على الاستمرار والقتال رغم الظروف الصعبة، فيقول بوخبوط، أنه بحسب مصادر أمنية إسرائيلية نجحت المقاومة 'في تعيين قادة ميدانيين جدد بحيث تمرر التعليمات إليهم عبر سلسلة أوامر' .
وللدلالة أكثر حول حالة التخبط والدهشة التي يعاني منها جيش الاحتلال، فإن المقاومة حسب المحلل العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت يوسي يهوشع نقلاً عن ضابط كبير في جيش الاحتلال في قطاع غزة، وصفه بـ'الملم' لوضع غزة العسكري، فإن المقاومة تسبق الاحتلال بخطوة، بحيث 'تدرس أساليب العمل لجيش الاحتلال، وتحاول تعطيلها'. ويضيف هذا الضابط: 'إنها مسابقة تعلُّم، ونحن نُطوّر أساليب جديدة باستمرار'، ولا يُخفي هذا الضابط من إحباطه من بعض الخطاب الإعلامي: 'كل من يتحدث عن 'التخبط' لا يعرف ما نواجهه'. وينقل عن ضابط ميداني آخر بأن المسلح قد يخرج من فتحة خفية ويزرع عبوة ناسفة دون أن يُلاحظه أحد.
أما أمير بوخبوط المراسل العسكري لموقع 'واللا العبري' فيشير أن ' حماس حققت نجاحاً في جمع معلومات استخبارية دقيقة عن الجيش الإسرائيلي في مختلف محاور القتال، والتي تستخدمها لتنفيذ هجمات منظمة، كما نجحت حماس في تعيين قادة ميدانيين وتمرير التعليمات إليهم'.
ويعلق بوخبوط على أحوال جنود الاحتياط والحالة التي وصلوا إليها بسبب الخسائر التي مُنيَ بها جيش الاحتلال إن 'حالة إنهاك يمر بها جيش الاحتياط، فمن المفترض ألا تتجاوز مدة خدمة الاحتياط لأكثر من 75 يومًا؛ إلا أن استمرار الحرب وتعدد الجولات القتالية تسبب في طول مدة الخدمة لأكثر من 300 يوم في بعض الوحدات، وهو ما شكل عبئًا كبيرًا غير مسبوق وغير مقبول في أوساط جنود جيش الاحتياط' .
حالة التخبط والضياع، من تطور قدرات المقاومة وفاعليتها في قطاع غزة، دفعت باللواء المتقاعد إسرائيل زيف، عبر القناة 12 العبرية للقول إن الحرب 'مروعة وتقلل بشكل كبير من مكاسب جيش الاحتلال في القتال، وتعطي الأولوية لمبادرة المقاومة' . ويستمر زيف بالتحذير أن 'هذه الحرب إن استمرت فقد تستمر لسنوات طويلة تحت شعارات نصر فارغة، إنها حرب لا تُحسم'، ومن المضحك فعلاً أن يعلِّق هذا الجنرال للدلالة على العجز التام لجيش الاحتلال في صد عمليات المقاومة بالقول: 'فمهما قتلت من المسلحين فإن احتياطي حماس من التجنيد لا حدود له'.
هذه الأخبار اليومية عن قتل جنود الاحتلال، والتحليلات الكارثية لكبار القادة العسكرين الإسرائيليين تصل تباعاً إلى أهالي الجنود، وجنود الاحتياط وأهالي الأسرى، انعكست على أهالي جنود لاحتلال لجهة الإحجام عن إرسال أبناءهم للقتال، خصوصاً مع الأزمة المستعصية لتجنيد الحريديم، فقد أظهر استطلاع للرأي، أجرته صحيفة يديعوت أحرونوت بالتعاون مع معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن 41% من المستوطنين سيشجعون أبناءهم على رفض الخدمة في جيش الاحتلال، في حال تم تمرير قانون إعفاء الحريديم من التجنيد، بينما رأى 45% أنهم سيرفضون أرسال أبناءهم للقيام بمهام قتالية، وسيقبلون بمهام أخرى، بينما رأى 44% أن إعفاء الحريديم من القتال سيضر بدافعية الخدمة القتالية .
ولا تتوقف انعكاسات حرب غزة على ما ذكرناه سابقاً، بل تتعداه إلى أزمة أخرى تواجه جيش الاحتلال، ألا وهي عمليات الانتحار المتزايدة جراء الصدمة من حرب غزة، مما أدى لارتفاع منسوب عمليات الانتحار بين صفوف جيش الاحتلال، بين الأعوام 2024 -2025، إلى 35 جندياً، وهي حالة ما زالت مستمرة، ومتصاعدة.
تعمَّق بشكل متزايد من أزمة نتنياهو جراء عدم تحقيق أي إنجاز في غزة سوى قتل الناس، والفشل التام في القضاء على المقاومة، كذلك الفشل الذريع في الوصل إلى الأسرى، فضلاً عن النقص الكبير في جيش الاحتلال نظراً للخسائر في جنوده من قتلى ومصابين ومعاقين أصبحوا خارج الخدمة، مما حدا بمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي للتعبير عن هذه المشكلة بصراحة أن 'الجيش يواجه واحدة من أخطر أزمات القوى البشرية في تاريخه'.
إن كل يوم تستمر فيه المقاومة بالقتال، مطورة فيه من أساليبها، وعملياتها النوعية، ستعمَّق بشكل متزايد من أزمة نتنياهو الذي فشل في تحقيق أهدافه المعلنة،من القضاء على المقاومة، وتحرير الأسرى، فضلاً عن النقص الكبير والمتزايد في عديد جيش الاحتلال مما حدا بمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي للتعبير عن هذه المشكلة بصراحة أن 'الجيش يواجه واحدة من أخطر أزمات القوى البشرية في تاريخه'.
ولا يعلم نتنياهو مع مرور الوقت ما ستفاجئه به الأيام، فربما ستنجح المقاومة بأسر جندي، مما سيضع نتنياهو في كارثة وخيبة جديدة، تضاف إلى خيباته السابقة، فالوقت ليس لصالحه، هذا ما تؤشر له عمليات المقاومة .